سيدة كريمة عفيفة النفس جنوبية الملامح واللهجة وضعت امام باب دارها "برميل حديد " اعتلاه الصدأ من النوع الذي يستخدم في بناء الدور، وبجانبه منضدة صغيرة، ووقفت تقدم وجبات بسيطة للزائرين، هذه المرأة فقيرة الحال وعائلتها محدودة الدخل الا انها تخدم "المشاية" منذ عقود مضت، وتتقاسم معهم لقمة العيش، وتطعم وتسقي ويبيت في دارها المئات من الرجال والنساء يخدمهم ابنائها وزوجاتهم، هذه المرأة البسيطة مصداق لقوله تعالى "ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة"، وهي وان لم تملك المال ولكنها ملكت طيبة النفس والايثار.
اغاثة الزائرين
وتحكي السيدة "سليمة عبد" سيرتها مع الخدمة الحسينية رغم ضيق الحال لوكالة نون الخبرية قائلة" بدأت خدمتي وانا من سكنة هذه المنطقة منذ عقود منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما منع النظام المقبور اقامة الشعائر واصبح يحاسب ويزج الناس بالسجون بل اعدم الكثير، وكان الزائرون حينها يصرون على احياء الشعائر الحسينية فيسيرون خفية في البساتين والمناطق الزراعية التي تتميز بها مناطقنا، خشية وقوعهم بأيدي زبانيه الذين يكثفون من رقابتهم علينا، الا اننا نغيث من يريد اللجوء الينا وندخلهم الى بيوتنا لساعات ونطعمهم اذا رغبوا المبيت عندنا في حال كان الطريق غير آمن وعيون السلطة ترصدهم، ورغم ضيق الحال في تلك الحقبة الا اننا نطعمهم بما نستطيع ان نقدمه لهم، وكنا نطبخ على الحطب ولا نمتلك طباخ غازي كما هو الحال حاليا، ولم نترك المجالس الحسينية ونقيمها في البيوت سواء المجالس الرجالية او النسائية، وتعرضنا في احد الايام الى مداهمة الامن الصدامي فاعتلقوا مجموعة من المعزين وصادروا حتى الطعام".
نتقاسم اللقمة
وتعتبر " ام محمـد" سقوط النظام المباد من افضل الايام التي مرت عليها وتقول" كانت فرحتنا كبيرة بزوال الطاغية وحكمه وتنفسنا الصعداء وكانت الزيارة الاربعينية بعد سقوط نظامه بايام، ولم نتوقع ان تكون مسيرة الزائرين بتلك الحشود المليونية، ولقلة المواكب الخدمية، فقد عاني "المشاية" من الجوع والعطش، بل وصل الحال الى طرق الابواب للحصول على الماء او الغذاء، واخرجنا ما في بيوتنا من طعام لنقدمه للزوار ونتقاسم اللقمة معهم، وهبت جميع العائلات لصنع الطعام وتقديمه امام بيوتهم بدون نصب مواكب، ونصنع لهم الشاي والقهوة والخبز الحار، حتى وصل الامر الى مساعدة الفقراء بإعطائهم مبالغ مالية، وكان زوجي هو من يتكفل بتدبير المال لشراء المواد الغذائية وتوزيعها على "المشاية" ولكن بعد وفاته تكفل ابنائي بعد ان اصبحت اعمارهم شبابية بهذا الواجب لتستمر خدمتنا الى يومنا هذا".
وجبات بسيطة
وتعدد ما تقدمه من طعام او شراب على قدر امكانياتها وتقول ان" الوجبات التي اقدمها هي السياح واللبن والحليب والرطب والبسكت والماء من الساعة الرابعة فجرا الى الساعة الثامنة صباحا، واقدم عصرا اللبلبي، وفي العشاء التمن والمرق والفاكهة، وتساعدني باعداد الطعام اثنان من زوجات ابنائي، كما نقوم باستضافة النساء والرجال للمبيت في بيتنا، ونقدم لهم الخدمة والرعاية ومنهم من يستريح لساعات ثم يغادر، ويساعدني ابنائي الاربعة ومنهم مهندس في خدمة الزائرين، وننفق على خدمة الزائرين من مبالغ نجمعها في صندوق العائلة من راتبي ومشاركة من ابنائي، ولمسنا البركات في هذه المبالغ التي نجمعها وننفقها في سبيل الله لخدمة الزائرين ونستمر لمدة عشرة ايام في تقديمها، كما تصلنا مواد عينية من اشخاص يريدون الاجر والثواب، وهناك زوار من البصرة والزبير يأتون كل عام ليبتوا عندنا واخرون يمرون لتناول الطعام عندنا، ويوميا يبيت عندنا بحدود مئة رجل وامرأة اي نأوي بحدود الف زائر سنويا".
قاسم الحلفي ــ ذي قار
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- بالتعاون مع برنامج الاغذية العالمي من كربلاء.. العراق يصدر اول بطاقة زراعية الكترونية للمزارعين والمستثمرين
- "فسطاط" تحدده المصادر التاريخية.. اين تقع خيمة حرب الامام الحسين في معركة الطف؟
- تقصدها عوائلهم:مقبرة تجمع زوار الامام الحسين "الغرباء" ومن جنسيات غير عراقية في مكان واحد (فيديو)