يواجه العراق تحديات كبيرة في تنفيذ مشاريعه التنموية والخدمية، حيث أظهرت التقارير الحكومية أن عدد المشاريع المتلكئة في البلاد بلغ "1291 مشروعًا"، حتى الآن.
وهذه المشاريع تشمل مختلف القطاعات الحيوية مثل الإسكان والبنية التحتية والكهرباء والصحة والتعليم. وتأخر إنجاز هذه المشاريع لأسباب متعددة تتراوح بين الفساد المالي والإداري، ونقص التمويل، والتوترات الأمنية والسياسية.
وفقًا لبيانات صادرة عن وزارة التخطيط العراقية، فقد أدى هذا التلكؤ إلى تأخر تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وتفاقم الأزمات في مجالات رئيسة، بما في ذلك نقص الكهرباء وضعف الخدمات الصحية والتعليمية.
يُذكر أن بعض المشاريع كانت قد أُطلقت منذ عدة سنوات، ولم تُستكمل، بسبب توقف التمويل أو عدم كفاءة الإدارات المعنية.
وأكدت الحكومة العراقية في مناسبات عدة التزامها بمعالجة هذه التحديات، مشيرة إلى أنها وضعت خططًا إستراتيجية لإعادة تفعيل المشاريع المتوقفة، وتخصيص ميزانيات إضافية لاستكمال الأعمال المتبقية.
معالجات حكومية
ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، خلال حديث لـ (المدى)، إن "جهود الوزارة مستمرة مع الجهات المعنية لمعالجة مشكلات المشاريع المتلكئة في مختلف القطاعات"، مستدركاً أن "الأولية أعطيت لمشاريع القطاع الصحي والمستشفيات".
ويردف، أن "أسباب توقف المشاريع مختلفة، ولكن أبرزها هو قرار 347 لسنة 2015 الذي قضى بإيقاف تنفيذ المشاريع، بسبب الضائقة المالية التي كان يمر بها العراق".
ويوضح، أن "عدد المشاريع المتلكئة 1291 مشروعاً"، مشيراً إلى أنه "شُكِّل لجان للنظر بالمشاريع المتلكئة".
ويتابع، أن "هناك الكثير من المشاريع استئناف العمل بها يعد وضع المعالجات".
تلكؤ حكومات سابقة
من جهتها، أحصت لجنة الخدمات والإعمار النيابية، عدد المشاريع المتلكئة في العراق، وأكدت أن عددها يزيد عن 1600 مشروع في بغداد والمحافظات باستثناء إقليم كردستان.
ويقول نائب رئيس اللجنة باقر الساعدي، إن "عدد المشاريع المتلكئة في بغداد والمحافظات بلغ أكثر من 1600 مشروع"، مشيراً إلى أن "هذه المشاريع تلكأ تنفيذها خلال الحكومات السابقة"، مبينا أن "نسب الإنجاز تبلغ فيها من 30 - 35% فقط، ومتوقف العمل فيها منذ عهد حكومة نوري المالكي".
ويكشف الساعدي عن "إنجاز الحكومة الحالية قرابة 366 مشروعا من بين المشاريع المتعطلة خلال العام الماضي 2023"، ولفت إلى أن "العمل ما يزال يجري في 55% من باقي المشاريع، ومن المؤمل إكمال العديد منها خلال شهر نيسان المقبل".
غياب الرقابة القانونية
وفي السياق، يرى الخبير القانوني طارق المعموري أن "عدم وجود عقوبات جزائية على خلفية التلكؤ في تنفيذ المشاريع يعد سببا رئيسا في تفاقم هذه المشكلة".
ويقول المعموري إن "المشاريع التي تحيلها وزارات الدولة على الشركات والمقاولين، تنظم بعقود تحكمها القوانين المدنية وليست الجزائية".
ويضيف، أنه "في حال تلكؤ المشاريع من حق الجهة المتعاقدة في الدولة إقامة دعوى على الشركات والمقاولين، تطلب فيها فسخ العقد والتعويض، استناداً لأحكام المادة (177) من القانون المدني العراقي".
ويلفت إلى أن "الأحكام التي قد تصدر في مثل هذه الدعاوى، هي مصادرة كفالة حسن الأداء التي تبلغ 5% فقط من قيمة العقد، دون أن تكون هناك عقوبات بمفهومها الجزائي كالحبس والسجن، كون التلكؤ يصنف في القانون ضمن التقصير المدني، ولا يعد جريمة".
انعدام التخطيط
ويشرح المختص في الشأن الاقتصادي، مصطفى أكرم حنتوش، أن أبرز أسباب تلكؤ المشاريع، يرجع إلى غياب التخطيط، وسوء الإدارة، إضافة إلى الفساد في إحالة المشاريع.
ويوضح أن "سوء التخطيط، يتمثل بإحالة آلاف المشاريع في سنة مالية واحدة، دون الاكتراث بإمكانية إدامة واستمرار التنفيذ في السنوات اللاحقة، التي كانت السبب في توقف الكثير من المشاريع، بسبب تراجع الإيرادات، وانخفاض قيمة الموازنات المالية".
ويؤكد حنتوش، أن "المشاريع الاستثمارية هي الأكثر تأثراً بانخفاض الإيرادات المالية، وهو ما تجلى في أزمة داعش، وعمليات التحرير التي تزامنت مع الأزمة المالية العالمية، وكذلك أزمة كورونا، التي تسببت بتعطل أكثر من 90 بالمئة من المشاريع".
ويتابع، أن "توقف هذه المشاريع كبدّ ميزانية الدولة خسائر كبيرة تقدر بمليارات الدولارات، إضافة إلى ما تسبب به من تراجع في الخدمات"
وبشأن معالجة هذه الظاهرة، يشير حنتوش إلى "أهمية مراعاة الأولوية في إحالة المشاريع وتنفيذها، واستحداث صندوق للتنمية يتم الاستعانة به بتمويل المشاريع في حال تراجع الإيرادات، وتوزيعها على مدة الإنجاز، بما يضمن ديمومة العمل، وعدم تلكؤ التنفيذ".
إنجازات ورقية
إلى ذلك، يشكك رئيس هيئة النزاهة الأسبق القاضي موسى فرج بالأرقام الصادرة عن عدد المشاريع المتوقفة وحجم الخسائر المالية التي تكبدها العراق جراءها.
ويقول فرج، إن "التقارير الصادرة عن البرلمان وهيئة النزاهة تشير إلى وجود أكثر من 6 آلاف مشروع وهمي ومتلكئ، أغلبها لم ينفذ إلا على الورق، فيما القسم الآخر الكبير منها لم تتجاوز نسب الإنجاز فيها ما بين 10 – 30%.
ويوضح، أن"أغلب المشاريع الوهمية والمتلكئة أحيلت بعد العام 2004، ولغاية العام 2014، بمعنى أن العدد الأكبر منها أُحِيل خلال حكومتي نوري المالكي (2006 – 2014)".
خسائر مليارية
ويشير رئيس هيئة النزاهة السابق إلى أن "الأرقام الرسمية الصادرة عن هيئة النزاهة وهيئة الاستثمار واللجنة المالية في البرلمان العراقي تتحدث عن خسائر مالية تصل لـ 300 مليار دولار جراء المشاريع المتلكئة والوهمية منذ العام 2003 ولغاية الآن"، مبيناً أن "الفساد في الوزارات ومؤسسات الدولة والطرق الملتوية في إحالة المشاريع وحصر تنفيذ المشاريع بشركات محددة يعد السبب في وجود المشاريع الوهمية والمتلكئة".
وخصصت الموازنة الاتحادية نحو 47 تريليون دينار للمشاريع الاستثمارية، في حين تؤكد وزارة التخطيط أن المشاريع المتلكئة تحتاج إلى نحو 12 مليار دولار (أكثر من 16 تريليون دينار) لإنجازها. ويبلغ عدد الشركات المتلكئة في القطاعات الخدمية، 100 شركة، حسب إحصائية لوزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة مطلع العام الحالي.
أقرأ ايضاً
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية
- عائلة بارزاني على المحك.. هل تطيح "الرئاسة" بأحد أولاد العم؟