- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أين العراق من اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف ؟
بقلم: د. أحمد عبد الرزاق شكارة
إن إحتفال العراق باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف في السابع عشر من حزيران من كل عام مسألة تستحقق منا -شعبا وحكومة ومنظمات مدنية تعنى بحقوق الانسان الاساسية وعلى رأسها حقه في البقاء والعيش الكريم في محيط بيئي آمن ومناسب يندمج مع مسار جدي واضح المعالم للتنمية الانسانية المستدامة- الكثير من الجهد الستراتيجي بغية إيجاد معالجات جذرية ناجعة لمواجهة التحديات البيئية والمتلاحقة والمركبة.
إن تأسيس مجلس أعلى لمعالجة التغييرات البيئية والتقنية الجديدة ذا صلاحيات سيادية مرتبط بأعلى أجهزة الدولة الرسمية أضحى أمرا جوهريا لإن التحديات البيئية والصحية والامنية الخطيرة تصاعدت من خلال معايشة أزمات كونية (كورونا – 19 وتحوراتها وتداعيات الحرب الروسية – الاوكرانية) مايقتضي ضرورة التكييف معها ومعالجتها وقاية من تداعيات أزمات بيئية – أستراتيجية مستدامة مركبة. تفصيلاتها تنم عن عواصف بيئية عالمية لانحصد من تداعياتها أو أنعكاساتها سوى مزيدا من الانتكاسات الستراتيجية بمعناها الشامل شلت إلى درجات بعيدة حركة البلاد والعباد مضيفة مزيدا من الخسائر البشرية والمادية الجسيمة مؤدية بدورها إلى تنامي ملحوظ في أنتشار أوبئة متنوعة ابرزها كورونا -19 وتحوراتها وتصاعد حالات الحمى النزفية والكوليرا مصحوبة ايضا بتغيرات مناخية - بيئية قاسية أبرزها تصاعد حاد في درجات الحرارة التي وصلت إلى الخمسينات بحيث أن مدن العراق جميعا أخذت تواجه صيفا حارا جدا مع استمرار أنقطاعات الكهرباء.
هذا ومع تصاعد لافت لدرجات الحرارة ولحركة الرياح الناجمة عن منخفضات جوية لازال العراق يعيش مرحلة صعبة من إنطلاق عواصف متكررة ترابية ورملية حمراء لم تشهد البلاد والعباد لها مثيلا. أطنان من الاتربة والرمال تسقط يوميا على العديد من مدن العراق خلال الفترة مابين ابريل وحزيران 2022 وربما في الاشهر القادمة. صحيح أن لدور التغيير المناخي شأن كبير في خلق، تطور وتعقد مسار أزمات بيئية – مائية وغذائية حادة يشهدها العراق، إلا أن الاسباب الرئيسة الاخرى نجدها في منظور آخر (داخلي) مرتبط مباشرة بعجز الحكومات المتعاقبة عن أداء دورها الرشيد - التنموي الانساني المستدام من خلال الفشل في بلورة صيغ واضحة عادلة مخطط لها إستراتيجيا لمشروعات تنموية مبتكرة تنقذ البلاد والعباد من واقع مزري بأتجاه تلبية حاجة اجيال المستقبل للتنمية الانسانية المستدامة.
لعل ما يزيد ألامور سوءا بل وما يضاعف من مآسينا الانسانية وصول العراق لمرحلة العجز المائي التي بدورها تؤثر بشكل خطير على حياة العراقيين كنتيجة طبيعية لاستمرار بل وأتساع ظاهرة التصحر والجفاف مترافقة مع أنعدام في مناسيب الامطار وشحة في المياه لنهري دجلة والفرات والافرع وشبكات الانهرمع دول الجوار حيث تحولت مساحات كبيرة من الاراضي الصالحة للزراعة إلى أراض بور مالحة ذات تربة متردية لا توفر للنباتات والاشجار ما يكفي من مياه حلوة تضخ إلى أراضي قابلة للاستصلاح كي تجعلها صالحة فعليا للزراعة المنتجة للمحاصيل الزراعية بكميات تلبي الاحتياجات الانسانية للمواطنين العراقيين وتستوعب بنفس الوقت عمالة زراعية معززة بتقينات رقمية جديدة. إن إنخفاض مناسيب شبكة المياه في العراق بضمنها منطقة أهوار العراق الغنية بتراثها الحضاري والاقتصادي أمر لايجب السكوت عنه بل لابد من توفر قيادة حكيمة وإشراف كفوء وحازم يسفر عن متابعة يومية لمجرياته ليس فقط في إطار التنسيق مع الجهات المسؤولة في قطاع المياه والبيئة بل ومع كافة قطاعات التنمية الانسانية المستدامة بضمنها قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات مع فتح قنوات مباشرة للتعاون والتنسيق مع وزارات التخطيط والمالية والاقتصاد للبحث عن الحلول المناسبة التي تنعش قطاعات الاقتصاد الوطني بصورة تنقذ العراق من أزماته ما يستدعي بالضرورة التوجه سريعا لعقد شراكات مثمرة مع مؤسسات المجتمع الدولي والاقليمي من خلال أعتماد خطة واضحة للتنمية الانسانية المستدامة بصورة تتوازن وتتكامل فيها مصالح الدول دون أن تكون على حساب المصلحة الوطنية العراقية. إن التقارير الدولية الاخيرة ومنها تقرير عن موقع reliefweb يؤكد أن العراق اضحى واحدا من أكثر خمس دول في العالم تعاني من تأثيرات سلبية للتغيير المناخي القاسي Drastic Climate Change إضافة لإحتلاله المركز الـ 39 لإكثر الدول معاناة من إنخفاض مناسيب المياه في العالم.
ضمن هذا السياق وردت احصائية أخرى سلبية جدا تشير إلى أن العراق وصل في العام الماضي 2021 إلى رقم قياسي عالمي جديد في أنخفاض مناسيب سقوط الامطار منذ أكثر من أربعين عاما. تغيرات بيئية لاتخفى على المواطن العادي دع عنك الخبير في الشؤون البيئية او المائية او الزراعية تنعكس بصورة مريعة من خلال مظاهرالتصحر- الجفاف لاتنتهي فقط عند حالة تربة متأكلة غير صالحة للزراعة عدت في الاصل من أغنى وأخصب الاراضي الزراعية في وسط وجنوب العراق، إذ ان حياة وبقاء المواطنين اضحت على المحك.
لعل التغيير المناخي القاسي أسهم بدورمهم في ما وصل إليه قطاعي الماء والزراعة من تدهور في الانتاج والتنمية الزراعية – الصناعية. من منظور مكمل فإن أهمال المشروعات المائية والزراعية المنتجة افتقد العراق أمكانيات حيوية لأنعاش اوضاعه الاقتصادية والتجارية خاصة وأن العراق افتقد فرص استخدام أحدث التقنيات الزراعية والمائية الذكية (مثل: مشروع قنوات التنقيط والاتمتة) التي إن طبقت كانت ستسهم بإنعاش وترشيد مصادر المياه الداخلية وكذا العناية المستقبلية في تبني مشروعات علمية ابداعية للاصلاح الزراعي الحقيقي التي تعزز من الامن الغذائي ومن خلق الاحزمة الخضراء التي تقينا من شرور العواصف الرملية والترابية التي تضر كثيرا بصحة الانسان. إن تتابع حالات تلوث التربة وفقدانها للخصوبة الزراعية أضحت واضحة لكل ذي لب وبصيرة تبين قلة الناتج الزراعي المحلي وضعف نوعيته ايضا. كما لايفوتني أن اشير إلى الانعكاسات السلبية الخطيرة الناجمة عن استمرار النزاعات العشائرية التي وصلت لحدود صدامات دموية مؤسفة يرجع جزءا مهما منها للتنافس على مصادر المياه وكيفية استغلالها لأصلاح الاراضي الزراعية.
مسببات أدت إلى تراجع حاد للعراق في أنتاجه الزراعي مقارنة بمراحل سابقة تأريخيا مكنت العراق ليس فقط من الاكتفاء الذاتي غذائيا بل وفي تصدير جزءا مهما من حاصلاته الزراعية الغذائية مثل التمور والحبوب بأنواعها إلى دول الجوار بل وألى العالم الخارجي. من التداعيات الاخرى المرتبطة بموضوعنا مايخص تدهور مؤشرات التنوع البيئي البايولوجي للنباتات وللثروة الحيوانية.
لعل من المناسب الاشارة إلى أن إفتقاد الحكم الرشيد Good Governanceينسحب على قطاعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية “الانسانية” التي وصلت لحدود لامجال لمقارنتها حتى بأكثر الدول تخلفا في أسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. لاشك فإن اطلاق إنذارات عن العواصف الترابية القادمة المتكررة من قبل هيئة الانواء الجوية اضحت أمرا لايمكن السكوت عنه كونه يحمل الجهات الحكومية وغير الحكومية مسؤولية الاضرار الناجمة عن الفشل في التخفيف من تداعياتها الازمات البيئية الحادة.
مسالة لابد أن تكون في قمة هرم أجندة صناع القرارات السيادية بالرغم من دوامة الصراعات السياسية التي تنعكس سلبا على مجرى حياتنا ناجمة عن سوء إدارة سياسية وإدارية وفشل في “ديمقراطية الانجاز” إذ لم تنجح السلطات التشريعية والتنفيذية المتعاقبة بإيجاد حلول بيئية استراتيجية لها بل ولا حتى قوانين رادعة حتى وصلنا إلى حالات من الهشاشة والضعف تستوجب المواجهة الجادة الشاملة منعا من المزيد من أزمات الفقر والهجرة الاقتصادية من قبل فئة المزارعيين للمدن “ترييف المدن”. وضع ناجم عن هجرة سكانية كبيرة من مناطق عرفت من افضل واخصب المناطق الزراعية في وسط وجنوب العراق بحيث قدرت اعداد العوائل المهاجرة بما يقارب الـ3000 تغطي ثمان محافظات. لم يقتصر الامر على السكان بل وشمل ايضا الاحياء الاخرى ممثلة بثروات حيوانية لاغنى عنها أخذنا نفتقدها باستمرار (سواءا بنفوق الجواميس والريم او بهجرة أنواع من الطيور الجميلة). جدير بالذكر فإن لم يمت من شدة القيظ وقلة المياة بسبب الجفاف فأنه سيهاجر ولاشك ألى مواطن اخرى أكثر حماية له وعناية بأوضاعه المجتمعية والاقتصادية والبيئية.
إن البشر والنبات والاحياء الاخرى بحاجة للانقاذ الطارئ وللدعم المستمرين إنسجاما وتوافقا مع أهداف التنمية الانسانية المستدامة التي يفترض أن تترجم من قبل صناع القرار في بلادنا بخطة عمل أستراتيجية تخفف من مخاطر وتهديدات تواجه حق البقاء Survival Right.
ونزيد من الشعر بيتا لنقول بإن البصرة المحافظة الثرية بإمكاناتها من المياه ومن”النفط والغاز الطبيعي” يعيش مايقارب من اربعة ملايين نسمة من أهلها حاليا في حالة زهد مائي غير مسبوق كون مياه الشرب الحلوة مفتقدة. لاشك أن الوضع البيئي – المائي الراهن وصل لمرحلة الخطر الشديد وينذر بعواقب وخيمة نتيجة لأنخفاض بل وجفاف شبكة الانهار والبحيرات الرئيسة مثل بحيرة الرزازة “بحيرة الملح” من أكبر بحيرات العراق وتعد جزءا من واد واسع يضم بحيرات الحبانية والثرثار وبحر النجف وبحيرة سوا Sawa Lake في محافظة المثنى تعد مجرد أمثلة مرتبطة بمسار تنموي متراجع بيئيا – مائيا ومجتمعيا – اقتصاديا أضر كثيرا بالثروة السمكية التي تناقصت كمياتها كثيرا كنتيجة للتلوث البيئي”.
جدير بالذكر أن العراق يعاني معاناة شديدة في كافة محافظاته من مؤشرات تخلف للتنمية البشرية والطبيعية نظرا لعدم وجود أولا مشروعات ابداعية نابعة عن مسار حكم رشيد ذا أرادة سياسية قوية مسلح بإمكانات وخبرات تقنية وبشرية متخصصة بضمنها مهارات تفاوضية تمكن البلاد من الحصول على حصص عادلة من مياه نهري دجلة والفرات مع تركيا وسوريا من جهة وايضا مع ايران من خلال شبكة الانهر الفرعية (الكارون والزاب الصغير وديالى) مع نهر دجلة من جهة أخرى. إن وجود مستشارين أكفاء يدلون بأرائهم ومقترحاتهم المستنيرة الابداعية في تقديم مشروعات متجددة يفترض أن تقدم حلولا حيوية تنقذ العراق برمته من شحة المياة أو من ظاهرة الجفاف قبل ان تصل البلاد لمرحلة حرجة جدا في 2040.
أخيرا لابد من الاشارة إلى أن تأثيرات الاستخدام النشط للوقود الاحفوري – النفط والغاز الطبيعي المصاحب اذهبت كميات اساسية منها هدرا- تؤدي لتلوث بيئي غير مسبوق، الامر الذي يستدعي سريعا تجاوز حالة البطئ البيروقراطي الشديد في طرح مشروعات تلبي الاحتياجات الانسانية التنموية مستندة على طاقة متجددة توفر حصانة حيوية للبيئة الخضراء خالية من التلوث (الشمس، الرياح أو طاقة الهايدروجين وغيرها). مشروعات تحتاج لشراكات واسعة مع مؤسسات دولية معتمدة، خطواتها الجنينية الاولى لاتكفي لأنقاذ العراق وشعبه من أمراض وأوبئة وعواصف رملية ترابية لا انفكاك عنها.
إن درجة التجاح في بلورة نظام أيكولوجي للطاقة الخضراء Ecological Green Energy System متكامل ومتنوع ستعزز من الامن البيئي - الستراتيجي الذي لازالت أمامه أشواط طويلة جدا لترجمة الآمال لحقائق على الارض طالما بقيت الارادة السياسية بعيدة عن أن تتحمل مسؤولياتها “الوطنية” الاستثنائية بضمنها مكافحة التصحر والجفاف كخطوة اولى اساسية في مسار الف ميل.
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- من يُنعش بغداد ؟