- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بماذا للعراق ان يستفيد من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ التجربة البريطانية
بقلم: محمد الربيعي
بريطانيا معروفة بنظامها التعليمي المتميز الذي يجمع بين التقاليد العريقة والابتكار المستمر والمرونة والتشجيع على التفكير النقدي والإبداع، حيث يُتاح للطلاب فرصة اختيار المسار الدراسي الذي يتناسب مع اهتماماتهم وميولهم الشخصية. كما تعد المدارس البريطانية من بين الأفضل في العالم من حيث جودة التعليم والبنية التحتية التعليمية حيث يتميز النظام التعليمي بتنوعه الثقافي والأكاديمي، مما يوفر بيئة غنية للتعلم والتطور الشخصي. كما يُعطى اهتمام خاص للأنشطة اللامنهجية التي تُعزز من مهارات الطلاب الاجتماعية والقيادية.
ومن ناحية التمايز تعتبر بريطانيا وجهة مفضلة للطلاب الاجانب الراغبين في الحصول على تعليم عالي الجودة، وذلك بفضل نظامها التعليمي المرموق والمعترف به عالميا، والذي يعتبر من اجدر الانظمة في إعداد اجيال من القادة والمبتكرين القادرين على مواجهة تحديات العصر والمساهمة في تقدم المجتمعات.
جالات الاستفادة
يمكن للعراق أن يستفيد من تجربة التعليم المدرسي البريطاني في العديد من المجالات، منها:
- التركيز على المهارات الأساسية: يركز التعليم المدرسي البريطاني على تعليم الطلاب المهارات الأساسية، مثل القراءة والكتابة والحساب، بشكل متين. بالاضافة الى اعتبار التعليم أساسيا لفهم الظواهر الطبيعية وكذلك لتطوير مهارات الطالب اللغوية، والتي تستخدم بشكل يومي في التواصل والتعبير. هذه المهارات ضرورية للنجاح في جميع المجالات، سواء في التعليم العالي أو في سوق العمل.
- التركيز على التفكير النقدي وحل المشكلات: يركز التعليم المدرسي البريطاني ايضا على تعليم الطلاب التفكير النقدي وحل المشكلات، وتحفيز الطالب على تقديم أفكاره والتعبير عن آرائه، سواء كان ذلك شفويا أو كتابيا، وذلك من خلال اعداد التقارير. وتهتم المدرسة البريطانية بتمكين الطالب من استكشاف الحقائق بذاته عبر الجهد الفكري وتحفيزه على الاستقصاء الذهني والمثابرة في المحاولات بأسلوب "المحاولة والخطأ"، والتي تستمر حتى تحقيق الفهم الصحيح للمسألة. هذه المهارات ضرورية للطلاب للنجاح في القرن الحادي والعشرين، حيث يواجهون العالم المتغير باستمرار.
- التركيز على التعلم التعاوني: يركز التعليم المدرسي البريطاني أيضا على التعلم التعاوني. يتعلم الطلاب من بعضهم البعض من خلال العمل معا في مشاريع ومجموعات. هذا يساعد الطلاب على تطوير مهارات العمل الجماعي والتواصل.
- التركيز على التقييم المستمر: يركز التعليم المدرسي البريطاني على التقييم المستمر. يتم تقييم الطلاب بشكل منتظم على تقدمهم، مما يساعدهم على البقاء على المسار الصحيح. ويقدّر الجهد الفكري، والذي يستند الى التفكير الابداعي القادر على ربط الحقائق بطريقة مبتكرة.
- التركيز على خلق بيئة محفزة للعمل: يُعد المعلمون حجر الزاوية في أي نظام تعليمي ناجح، ولذلك فأن تحفيزهم وتشجيعهم على التطور والابداع أمر ضروري لضمان جودة التعليم. لذلك تركز ادارة التعليم البريطانية على خلق بيئة عمل ايجابية ومحفزة للمعلمين، وتعزيز شعورهم بالمسؤولية والتمكين، وتشجيعهم على التطور والابداع. من خلال نظام النقط وهيكلية الأقسام ولجان المتابعة والتقييم، تسعى هذه السياسة الى ضمان جودة التعليم وتحقيق أفضل النتائج للطلاب.
مجالات اخرى
ويمكن للعراق ان يستفيد فيها من تجربة التعليم المدرسي البريطاني في بعض المجالات المحددة، منها:
- تحسين جودة التعليم: يمكن أن تساعد تجربة التعليم المدرسي البريطاني العراق في تحسين جودة التعليم من خلال التركيز على المهارات الأساسية والتفكير النقدي وحل المشكلات، وتبني اساليب تجعل من التعلم تجربة ممتعة وشيقة.
- زيادة فرص العمل: يمكن أن تساعد تجربة التعليم المدرسي البريطاني العراق في زيادة فرص العمل من خلال تعليم الطلاب المهارات اللازمة للنجاح في سوق العمل.
- تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية: يمكن أن تساعد تجربة التعليم المدرسي البريطاني العراق في تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال تعليم الطلاب المهارات اللازمة للمساهمة في المجتمع.
- خلق بيئة عمل محفزة للمعلمين: من خلال اتباع الممارسات الجيدة في النظام البريطاني، مثل نظام منح النقط للاعمال الاضافية التي يقوم بها المعلم وترجمتها الى زيادة في الراتب، والتي من خلالها يمكن للمدارس خلق بيئة عمل مثالية تجذب افضل المعلمين وتساعدهم على تحقيق امكاناتهم الكاملة، مما ينعكس ايجاباً على جودة التعليم وتحقيق أفضل النتائج للطلاب.
تكييف التجارب
من المهم أن يتم تكييف تجربة التعليم المدرسي البريطاني مع الاحتياجات الخاصة للعراق، بما يتناسب مع السياق الثقافي والاجتماعي المحلي. يجب أن تأخذ عملية التكييف هذه في الاعتبار الخصوصية الثقافية للعراق وانتشار الفساد المالي والمحسوبية والمنسوبية، مع التركيز على تعزيز الهوية الوطنية والقيم المشتركة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدا عن الطائفية والعشائرية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تعديل المناهج الدراسية لتشمل المزيد من المحتوى الثقافي الوطني، مثل التراث الثقافي المشترك والأداب والفنون والعلوم التي تعكس الإنجازات والتحديات الخاصة بالبلاد.
الاهداف التربوية العراقية
استنادا على فلسفة واهداف التعليم البريطاني نرى ضرورة ان تتضمن الاهداف التربوية العراقية ما مدرج ادناه، وبأن توضع الخيارات والخطط والسياسات لتحقيقها:
- تربية الطالب بثقافة المحبة والاخاء بين القوميات والاديان والطوائف ونبذ التعصب بكل اشكاله.
- تربية الطالب بثقافة الاعتراف بالاخر وثقافة السلم وبالقيم الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.
- ألتأكيد على مبدأ المواطنة الصالحة وحب العراق ووحدته.
- تربية الطالب بأهمية القوانين واحترامها وبعدم مخالفتها وبحرمة ممتلكات الدولة واموالها، وبتعريفه على حقوقه وواجباته.
- تنمية الشخصية وحب الاستطلاع والتفكير المستقل وممارسة السلوك المتمدن والعمل التعاوني والمبادرة عند الطلاب.
- تنمية القدرات اللغوية (عربي وكردي وانكليزي) عند الطفل وأكسابه مهارات الاتصال اللغوي الاساسية.
- ألتاكيد على اهمية تدريس العلوم والرياضيات وتنمية التفكير العلمي والقيم المرتبطة به والتآلف مع التكنولوجيا، لاسيما الحاسوب، كمصدر للمعلومات.
من الضروري ان يتم توفير تدريب مكثف للمعلمين العراقيين على الأساليب التعليمية الحديثة، بحيث يكونوا قادرين على تطبيق أفضل الممارسات التعليمية. يجب أن يشمل هذا التدريب أساليب التدريس الحديثة، استراتيجيات التقييم، وكيفية دمج التكنولوجيا بطريقة تعزز التعلم وتشجع على التفكير النقدي، في صفوف دراسية منظمة وفقا للتخصصات بدلاً من الأعمار، مما يسمح بتوفير جميع الموارد التعليمية الأساسية في الصفوف لتكون في متناول المعلم عند الحاجة لها.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تعطى الأولوية لإنشاء بيئة تعليمية ترحيبية وداعمة، تعزز من التفاهم المتبادل والاحترام بين الطلاب من مختلف الخلفيات الثقافية والاجتماعية وتحبذ التعلم للطلاب. يجب أن تكون المدارس مساحات للتعلم والنمو، حيث يمكن للطلاب أن يشعروا بالأمان والتقدير، وأن يكونوا قادرين على استكشاف هوياتهم الثقافية وتطوير مهاراتهم الشخصية والأكاديمية.
بشكل عام، يمكن أن تكون تجربة التعليم المدرسي البريطاني مصدرا قيما للعراق في تحسين جودة التعليم وزيادة فرص العمل وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
* أعرب عن شكري لصديقي الدكتور حسن صادق الخبير التربوي في بريطانيا لملاحظاته القيمة التي اغنت المقال.
أقرأ ايضاً
- المقاومة اللبنانية والفلسطينية بخير والدليل ما نرى لا ما نسمع
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- ماذا بعد لبنان