في تطور مفاجئ، ظهر رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون من أربيل، أمس الأربعاء، في فورة من الغضب والصراخ، ليرمي الاتهامات على القضاء فيما يخص قضية الأمانات الضريبية والمتهم نور زهير، متحدثا عن "استضعاف" هيئته، ونافيا اتهامات أخرى موجهة إليه.
ووصف مراقبون للشأن السياسي، ما حدث أمس، بالفضيحة التي تضاف إلى فضائح النظام السياسي الحالي، وفيما ذهب البعض إلى أن ما صرح به حنون وضع القضاء على المحك، في محاولة لتوجيه ضربة استباقية، أكد آخرون أن ما تحدث به ليس بعيدا عن قضية التنصّت بمكتب رئيس الوزراء، لافتين إلى أن ما تم التصريح به لا يمكن أن يمر دون محاسبة.
"تغدّى بهم"
ويقول المحلل السياسي نزار حيدر، إن "المؤتمر الصحفي لرئيس هيئة النزاهة كشف أن الفساد والرشوة غير بعيدين عن القضاة، بمن فيهم قاضي النزاهة ذاته الذي اعترف على نفسه، فملفات الفساد الكبرى يتم إغلاقها من قبل القضاة على وجه التحديد لأسباب عدة منها الرشوة".
ويرى حيدر، أن "تصريحات القاضي حنون كانت بمثابة الضربة الاستباقية أو ما يعرف بالهروب إلى الأمام، فبعد أن تكشفت الكثير من خفايا سرقة القرن التي استغرقت وقتا طويلا، وحجم ارتباطاتها بملفات فساد عدة ترتبط برؤوس كبيرة وتساهل القضاء في التعامل معها، وصل الماء إلى ذقن القاضي، ففكر الأخير في أن يتغدى بمنافسيه قبل أن يتعشوا به".
ويتابع المحلل السياسي المقيم في واشنطن، أن "القضاء أصبح على المحك، فإما أن يدافع عن نفسه ويرد التهم التي وجهها له حنون، ويقنع الرأي العام بأنه مازال نزيها لم يتورط بفساد السلطة وأحزابها وزعاماتها الفاشلة، أو انه سيفشل في ذلك ليتأكد وقتها للعراقيين بأن القضاء بات جزءاً لا يتجزأ من منظومة الفساد في الدولة العراقية".
وكشف رئيس هيئة النزاهة، من أربيل أمس، في مؤتمر صحفي غلب عليه التوتر والصراخ، صدور مذكرة قبض بحقه على خلفية التحقيق في "سرقة القرن"، مؤكدا أن نور زهير، "قام بتزوير 114 صكا ماليا، وعليه أن يعاقب بـ114 حكما"، وكشف عن أنه "سرق 720 دونما في شط العرب" جنوب العراق.
كما قال القاضي، بصوت مرتفع: "القاضي ضياء جعفر (الذي يحاكم زهير) يلاحقني، وأصدر أمر إلقاء قبض بحقي، مع العلم بأن القضية كانت في البصرة، ونقلت إلى بغداد لدى القاضي جعفر، لكن الملفات اختفت عنده"، لافتا إلى أن "نور زهير عبارة عن العربة التي حملت فيها الأموال".
وكان القاضي جعفر، قد صرح في آب الماضي بأنه هو من أصدر قرار الإفراج عن زهير بكفالة قانونية، ليتسنى له تسديد ما بذمته من أموال.
زلزال !
من جانبه، يعتقد المحلل السياسي مجاشع التميمي، أن "ما حصل في أربيل الأربعاء، سيكون أمرا فاصلا في عمليات مكافحة الفساد والمشهد السياسي، لأن ما جرى وما صرح به القاضي حيدر حنون لن يمر دون أن تكون هناك مراجعة ومحاسبة من قبل القضاء والحكومة والبرلمان".
ويضيف التميمي، أن "القليل من الجمهور يعرف أن هيئة النزاهة مسؤوليتها تتلخص في إجراء التحقيقات بشأن أي عملية اشتباه إما إصدار الأحكام فهو من مهام القضاء العراقي حسب ما جاء في قانون هيئة النزهة".
ويرى أن "من الواضح أن القاضي حنون يتعرض إلى ضغوط سياسية، لكن ردة الفعل كانت سلبية، كما أن الإدلاء بهذه التصريحات في أربيل قرار غير موفق، وكان الأجدر به أن يدلي بهذه التصريحات في مجلس النواب أو في هيئة النزهة أو يذهب إلى ميسان ومن هناك يرد على الاتهامات بشأن استيلائه على أراض في المحافظة".
ويشير إلى أن "هذه التصريحات أحدثت زلزالا قويا في المشهد السياسي وإحراجا كبيرا للقضاء العراقي، لذلك ستكون هناك قرارات سريعة، والمعلومات تشير إلى أن الخبير القانوني الدكتور حسن الياسري سيكون بديلا للقاضي حيدر حنون، ولا استبعد أن تكون هناك عقوبة ستواجه القاضي حنون بسبب هذه التصريحات المربكة".
وفي أول رد فعل نيابي، طالبت النائب عن الإطار التنسيقي، ابتسام الهلالي، أمس الأربعاء، رئاسة البرلمان العراقي، بعقد جلسة طارئة اليوم الخميس، للوقوف على "حقائق جديدة" تحدث بها رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون بشأن سرقة القرن وملفات فساد أخرى، مشيرة إلى أن "رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون مطالب بالحضور إلى مجلس النواب وكشف كواليس الأحداث ومحاسبة جميع من تلطخت أيديهم بسرقة أموال الشعب العراقي، مهما كان موقعه ومنصبة في الحكومة والدولة العراقية".
وكان حنون قد قال أمام الصحفيين أمس: "أريد من البرلمان أن يسألني لماذا تم فتح قضية واحدة فقط، رغم وجود جرائم أخرى لنور زهير، منها التلاعب بـ420 دونما من الأراضي في البصرة، والتي تم تسجيلها بأسماء وهمية"، مشيرا الى أن "هذه القضية تم نقلها إلى بغداد بناءً على قرار القاضي ضياء جعفر".
جوحي ومجموعته !
إلى ذلك، يعلق مدير المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية غازي فيصل، بأن "مذكرة إلقاء القبض على رئيس هيئة النزاهة، إن صحّت، واحدة من الفضائح التي تثار على النظام السياسي والأحزاب والقيادات السياسية في البلاد".
ويضيف فيصل، أن "هذه المذكرة، كما تشير بعض المصادر، ترتبط بعلاقته مع شبكة التنصّت التي يقودها محمد جوحي في مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والتي كُشف العديد من خفاياها وكواليس اتصالات النواب أو قيادات الأحزاب وتفاصيل أخرى تتعلق بصفقات فساد مالي لقيادات سواء في الإطار التنسيقي أو الأحزاب السنية".
ويكمل، بالقول "من المؤسف أن بيانات تفصيلية حتى الآن لم تصدر لتضع النقاط على الحروف حول الجدل الدائر وموضوع ميسان وأراضي حنون، وهي بالتأكيد تشكل فضيحة فرعية، لكن كل هذا يتطلب تدخل القضاء والتحقيق بالموضوع لكشف ملابسات هذه الفضائح المرتبطة بشبكة التجسس لجوحي ومجموعته في مكتب رئيس الوزراء".
ويشير إلى أن "هذه الشبكة قد ترتبط بصورة وأخرى بنور زهير الذي مازالت فضيحته تثير شبهات كبيرة على العديد من الشخصيات، فالأخير أشار بوضوح إلى توزيعه للرشاوى لعدد كبير جدا من القيادات الحزبية من الصف الأول المتواطئة معه في فضيحة الأموال التي نهبت من وزارة المالية وهي أمانات من قبل الشركات العاملة في العراق وتصل قيمتها إلى تسعة مليارات دولار".
ويخلص قائلا: "نحن اليوم أمام فضيحة كبيرة، وربما تكتشف التحقيقات من هي الشخصيات المتورطة بعمليات شبكة التجسس أو المستهدفة وكذلك علاقتها بشبكة نور زهير الذي يمتلك طائرة خاصة وجوازات أجنبية ووصل إلى إسبانيا ويتجول بحرية ممتلكا استثمارات كبرى وعقودا وشركات، وننتظر اليوم تداعيات هذه الفضيحة على مستقبل النظام السياسي في العراق".
وكان الإطار التنسيقي ناقش، أمس ما تم تداوله من "خروق بعض موظفي مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني"، مستمعا إلى ملخص من السوداني، الذي أكد أهمية "محاسبة كل من يثبت تقصيره" معبراً عن دعمه للقضاء في تحقيقاته وإجراءاته.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- بعد نشر "وكالة نون الخبرية" لأبرز احتياجاته: مجلس كربلاء يشكل مجموعة لجان لمتابعة الملف التربوي في المحافظة
- فيديو:قصة رفع اول علم عربي وسط كربلاء بعد اربعين يوما من ثورة العشرين
- المالكي يضع الحلبوسي والخنجر في زاوية حرجة