- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الغايات الخفية وراء رفض تعديل قانون الاحوال الشخصية
بقلم: حسين فرحان
لا نريد الخوض في تفاصيل القانون النافذ ولا الكلام في مقترح التعديل وفق مدونة تتوافق احكامها مع ما تعتقده فئة كبيرة من أبناء هذا الشعب بقدر ما سنسلط الضوء على الغايات الخفية وغير المعلنة لدعاة الرفض الذين يتصدرون المشهد الإعلامي منذ التصريح الأول بمقترح التعديل.
الصورة النمطية التي اعتدنا على مشاهدتها في هذا الجانب لا تعدو كونها سوى:
- تظاهرات نسوية (غير حاشدة) يرافقها بعض الذكور وتكون محاطة بحماية حكومية لاغراض أمنية مع تغطية إعلامية وظيفتها رصد أي حراك بغض النظر عن حجمه أو تأثيره وهو أمر طبيعي تعارفت عليه المؤسسات الإعلامية.
- لقاءات تلفزيونية تقدم عبر قنوات فضائية وبتوجهات مختلفة يتم فيها استضافة بعض الاشخاص وفق تصنيف يحاول فيه معد ومقدم البرنامج إظهار حياديته بإتاحة المجال للمؤيد، وللمعترض، وللمحايد، وقد لاحظنا وجود رجل الدين (الشيعي والسني) ولاحظنا وجود الناشطين من دعاة حقوق الانسان (المرأة والطفل) تحديدا، ولاحظنا وجود أطراف أخرى بعناوين مختلفة مثل المفكر الفلاني والباحث والاستاذ وغيرها من ألقاب يدلي أصحابها بدلوهم لاستعراض مختلف الآراء.
- المؤتمرات والندوات ونشاطات مثل استبيان الرأي كانت أيضا حاضرة بطريقة أو بأخرى، وكان الهدف منها التثقيف برفض التعديل أو بالقبول به بحسب توجه القائم على عقد هذه التجمعات.
في كل الاحوال.. قضية مقترح تعديل القانون النافذ ستخضع في نهاية المطاف الى الارادة الاقوى فإما سيقر التعديل وإما سيرفض.. وهذا أيضا له محل آخر لسنا بصدده فالكلام سيكون في غايات من تصدى للرفض وهو يضع في حساباته احتمال كبير وبنسبة عالية أن تعديل القانون سيمرر.. فما هي الغايات المعلنة والاخرى الخفية لهذه الفئة الرافضة التي تسلحت بدعم غربي كبير واستعانت بوسائل اعلامية كثيرة تميل أغلبها الى رفض مقترح التعديل بحيث امتازت جميع المقدمات التي تستهل بها حلقات اللقاءات في هذه القنوات بكونها معبرة عن الرفض والميل لصالح الضيف المعارض مع محاولات فاشلة لإظهار الحيادية في إدارة الحوار.
بالنسبة للغايات المعلنة فهي تنقسم الى قسمين:
القسم الأول إظهار الحرص الشديد على حقوق المرأة والطفل والخشية من توسع المجتمع الذكوري وتنامي سطوته ومن ثم تفشي التخلف والرجعية و العودة الى العصور المظلمة.
أما القسم الثاني فهو بالاعلان الصريح عن رفض كل ما هو ديني وفي جميع مجالات الحياة حتى وإن كان مختصا بالاحوال الشخصية للمواطن.
هذه هي الاهداف والغايات المعلنة دون أدنى حرج فالقضية -بحسب رأيهم- خاضعة لمعايير (الديمقراطية) وحرية الرأي والتعبير.
لغاية هذه النقطة الامر طبيعي ومسلم به من الجميع حيث قبول سماع جميع الآراء في مجتمع تتعدد فيه الاديان والمذاهب والتوجهات وإن اختلفت نسبها.. ولكن ما لفت الانتباه هو وجود نبرة تثقيفية تستغل مثل هذه الاحداث لتنشر ثقافة الردود الجاهزة التي تتحدى بها الخصوم.
وبعبارة أدق.. لدينا مسألة خلافية هي: (مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية وفق مدونة تراعي الانتماء الديني للشخص)، ولهذا المقترح من يؤيد ومن يعارض شأنه بذلك شأن أي تشريع جديد، والنتيجة الطبيعية لمثل هكذا مقترحات في نهاية المطاف إما الرفض أو القبول.. لكن بما أن المتصدي لاقرار هذا التعديل هو فئة متدينة فلم يكن من الجهات المعارضة الا استثمار هذه الفرصة في جانب آخر مخفي عن الانظار يتم الاستفادة منه وقطف ثماره حتى لو تم إقرار القانون والموافقة عليه.. فما هو هذا الجانب الخفي وما هي الغاية التي يريد المعترض اللا ديني الملحد العلماني تحقيقها؟
لنرجع قليلا الى اللقاءات التلفزيونية التي التي اجرتها الكثير من القنوات الفضائية ونتأمل في طريقة التعامل معها وكيف تم ويتم استثمارها وسط كم هائل من المغالطات والمهاترات الاعلامية ونظهر أهم ما جاء فيها ليتضح الامر:
١- استهلال البرامج بمقدمات طويلة عريضة لإظهار مظلومية المرأة والطفل و التخويف من سلطة دينية قادمة ومجتمع ذكوري متوحش.. وما أكذوبة تزويج القاصرات بعمر التسع سنوات وقضية الحضانة الا واحدة منها، والتركيز عليها وعدم التطرق لعشرات المواد الاخرى المرتبطة بالقانون رغم أهميتها.
٢- استضافة مجموعة من الاشخاص دون غيرهم ليكونوا الطرف الثابت في الحوار.
٣- استضافة بعض الشخصيات التي تدعي الحيادية لغرض الايحاء بالتنوع وإثراء الحوار بمختلف الآراء رغم وضوح الصورة وكونها سجال بين الدين واللادين.
٤- اخفاء قضية أن القانون فيما لو تم إقراره لن يكون إجباريا وإنما للشخص الاختيار بينه وبين القانون النافذ.. وهذه الفقرة بالذات يتم التغاضي عنها أو تغيير الموضوع بطريقة ذكية لكي لا تظهر بشكل واضح.. رغم محاولات بعض المؤيدين من رجال دين وغيرهم التركيز على اظهارها وسط تشويش كبير متعمد من المعارضين ومن بعض مقدمي البرامج.
٥- النقطة الأخيرة وقد تكون الاهم في توضيح المطلب من إظهار الغايات الخفية لهؤلاء المعترضين هي طريقة الحوار المستخدمة في هذه اللقاءات وهي في الحقيقة تشكل خطرا كبيرا على المتلقي البسيط بل وحتى على من تحكمت به عاطفته وانفعالاته.. فالذي حدث ويحدث هو أن المعترض اللا ديني يقف بوجه رجل الدين فيحتج عليه بما يلي:
١- هل تقبل أن تزوج ابنتك بعمر ٩ سنوات؟
٢- لماذا تحرصون على تغيير القانون وتعتبرونه مفسدة ولا تعترضون على الفاسدين الذين نهبوا خيرات البلد؟
٣- الدين يخضع لاجتهادات كثيرة ومختلفة ولآراء متعددة وتفسيرات متنوعة فلماذا تحاولون فرضها علينا؟
٤- من قال أن ما تطالبون به يمثل إرادة الله.. هذا رأيكم.
٥- اليوم تطالبون بتشريع قانون ديني وغدا تلغون كل القوانين وتجعلون من البلد قندهار.
٦- العراق ملتزم باتفاقيات مهمة مثل (سيداو) والرياض وغيرها، وسيتعرض لانتقاد وعقوبات دولية فيما لو تنصل عنها!!
٧- هذا رأيك شيخ.. هذا رأيك سيد.. احتفظ به لنفسك.
٨- انت اختصاصك فقه فاترك القانون للمختصين.
٩- القانون النافذ نابع من تشريعات اسلامية اجمع عليها كل الفقهاء.
هذا جانب من الردود والاشكالات التي ترد في هذه اللقاءات ويتم تسليط الضوء عليها ونشرها في مقاطع قصيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لخلق ثقافة جديدة تحمل نبرة التحدي والجرأة على رفض أحكام الشريعة الإسلامية، وقد لاحظنا ذلك وبشكل واضح حينما التقينا ببعض الناس فوجدناهم يرددون كالببغاء كل ما تم إثارته من قبل المعترضين على تشريع القانون دون أدنى وعي ولا ادراك ولا حتى إيمان بأن حلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة.
تثقيف الناس بالجرأة على الدين والانتقاص مما يطرحه رجل الدين وتصويره بالتخلف والرجعية و تهيئة الردود المعلبة و الجاهزة هي الغاية الخفية لهؤلاء وهي مكسبهم حتى لو تم إقرار القانون.. وهو أسلوب خبيث ممنهج لم يأت الا وفق مخططات وأجندات ممولة تهدف الى القضاء على الهوية الثقافية للمجتمع وطمسها وتشويه صورتها.
أقرأ ايضاً
- الجواز القانوني للتدريس الخصوصي
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي
- جريمة الامتناع عن معاونة السلطات التحقيقية في القانون العراقي