
مع أنباء العقوبات على بعض المصارف العراقية من قبل الخزانة الأمريكية، حذر خبراء في الشأن المالي والمصرفي من مغبة الاستمرار بعدم الامتثال لشروط البنك الفيدرالي الأمريكي، والمضي بتحويل الدولار إلى الدول المعاقبة، وفيما أكدوا أن مصالح حزبية وسياسية تقف وراء عمليات التهريب، شددوا على ضرورة ربط منافذ خروج الدولار بالجمارك لإيقاف تلك العمليات.
ويقول الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي، إن “العقوبات الأمريكية هي تنفيذ لتبليغات وتنبيهات وإنذارات وصلت البنك المركزي سابقا من قبل الخزانة الأمريكية عبر البنك الفيديرالي خلال تموز الماضي بضرورة تصفية أو دمج وتأهيل تلك المصارف، وحصل تسويف في مسألة التعامل من قبل البنك المركزي وغض طرف أمريكي، لكن الآن وبعد إطلاق ترامب يد الخزانة في تنفيذ ما هو مطلوب، شهد العراق معاقبة مباشرة لتلك المصارف”.
وعن أسباب عدم الامتثال من قبل العراق، يذهب الهاشمي، إلى أنها “تعود لارتباط مصالح سياسية كبيرة بأعمال تلك المصارف، وهو ما يعيق أي جهد عراقي في معالجة ملف تلك المصارف”.
ويجد أن “نتائج تلك العقوبات ستكون إيجابية وسلبية، فالأخيرة تتعلق بالتأثير على سمعة النظام المصرفي العراقي والتصنيف الائتماني الدولي له، وإشاعة القلق في الأسواق وارتفاع الطلب على الدولار الموازي، مما يؤدي لتدهور قيمة الدينار وكذلك إظهار سوء إدارة البنك المركزي لهذا الملف”.
أما تأثير العقوبات الإيجابي، يشير إلى أنه يتعلق بـ”التضييق على منافذ تهريب الدولار العراقي، وهذا يزيد من قدرة الدولة على المحافظة على المال العام من التسرب بشكل غير نظامي وغير قانوني”.
وكان منشور للهاشمي، على وسائل التواصل الاجتماعي، قد أثار الرأي العام العراقي، حول بدء ما أسماها “تنفيذ العمليات الأمريكية غير العسكرية في العراق، حيث استهدفت الحملة الأولى معاقبة عدة مصارف عراقية صغيرة ومتوسطة بتهمة تسهيل التحويلات الاحتيالية ودعم جماعات ودول معاقبة من قبل الولايات المتحدة وداعمة للإرهاب”، مشيرا إلى أن “العقوبات الرسمية وصلت عبر مكتب OFAC للاستخبارات المالية التابع للخزانة الأمريكية، الذي يتخصص في رصد ومعاقبة الكيانات والأفراد الداعمين للإرهاب والنشاطات المسلحة”.
وتضم المصارف العراقية المعاقبة التي تصنف ضمن فئة المصارف الصغيرة والمتوسطة، ويعتقد أنها كانت وراء نشاطات مالية تضر الاقتصاد العراقي وتنتهك نظام العقوبات الأمريكية والدولية، من خلال تسريب وتهريب الدولار العراقي المخصص للتجارة الخارجية.
ومن واشنطن، يشير المحلل السياسي، نزار حيدر، إلى أن “ترامب طلب من الخزانة الأمريكية وبقية المؤسسات المالية الفيدرالية في واشنطن التأكد من عدم استفادة إيران من النظام المصرفي العراقي لتهريب العملة وغسيل الأموال والتهرب من العقوبات، وذلك خلال الأمر التنفيذي الذي وقعه الأسبوع الماضي في ما يخص تطبيق سياسة أقصى الضغوط على طهران”.
ووقع ترامب، الأسبوع الماضي، مذكرة رئاسية لإعادة فرض سياسة “العقوبات القصوى” ضد طهران، على غرار ما حدث خلال ولايته الأولى، وشددت المذكرة، على “اتخاذ خطوات فورية بالتنسيق مع وزير الخزانة والوكالات المعنية لضمان عدم استخدام النظام المالي العراقي من قبل إيران للتحايل على العقوبات”.
ويرى حيدر، أن “العقوبات الأمريكية في ما يخص المالية العراقية لا مفر منها أبدا إذا ما فشل المركزي العراقي في الالتزام بالتعليمات الصارمة التي أرسلها الفيدرالي الأمريكي والقاضية بالرقابة المشددة على حركة الدولار في العراق”.
ويوضح أن “هذه العقوبات ستتخذ منحيين؛ الأول ما يخص البنوك العراقية، والثاني ما يخص البنك المركزي العراقي، وكل ذلك يعتمد على مدى نجاح أو فشل الأخير في تنفيذ التعليمات”.
ويعزو حيدر، تشدد الإدارة الأمريكية في هذا الملف إلى سببين، الأول “إغلاق كل المنافذ التي يتسرب منها الدولار الى ايران، وهذا امر لا يتعلق بالعراق فقط فهو واحد من هذه المنافذ وهناك منافذ أخرى تعرضت بالفعل لعقوبات أمريكية جديدة، والثاني لتحييد العراق عن أية مواجهة محتملة بين طهران وواشنطن، على اعتبار ان بغداد حليفة واشنطن”.
وإذا ما فشلت بغداد في النأي بنفسها عن أي طرف إقليمي وحماية مصالحها، يحذر من أن “العقوبات قادمة لا مفر منها، وسيكون الأمر وبالا مضاعفا إذا ما صدرت العقوبات ضد المركزي”، مشيرا إلى أن “واشنطن قادرة على فعل ذلك، لأن أموال العراق وعائداته كلها تحت سيطرة الفيدرالي الأمريكي”.
وكانت وكالة رويترز، كشفت يوم الأحد الماضي، أن البنك المركزي العراقي سيقرر حظر 5 بنوك محلية من التعامل بالدولار، ونقلت الوكالة عن مصدرين مطلعين قولهما إن “البنك المركزي العراقي سيفرض حظرا على 5 بنوك محلية أخرى من التعامل بالدولار، في خطوة تأتي عقب اجتماعات مع مسؤولين من وزارة الخزانة الأمريكية ضمن جهود مكافحة غسل الأموال وتهريب الدولار والانتهاكات الأخرى”.
وأشار أحد المصدرين إلى أن “هذه الخطوة تأتي بعد الاجتماعات التي جرت في دبي الأسبوع الماضي بين مسؤولين من البنك المركزي العراقي، الذي كان قد حظر بالفعل في العام الماضي 8 بنوك من التعامل بالدولار، ومسؤولين من وزارة الخزانة الأمريكية ومجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)”، فيما نفى البنك المركزي العراقي تعرض بعض المصارف العراقية لعقوبات دولية.
إلى ذلك، يوضح الباحث في الشأن المالي والاقتصادي مصطفى حنتوش، أن “هذه العقوبات متوقعة، لأن البنك المركزي العراقي لديه خلل في سياسة الحوالات الخارجية، فالتحويلات المالية الخارجية بالدولار لا تطابق قيمة ما يرد إلى الكمارك، والفروق كبيرة بين قيمة ما يحول وقيمة ما يدخل من البضائع، والأمر يحتاج إلى معالجة وربط الكمارك بالمنافذ لسد باب غسل الأموال”.
ويضيف حنتوش، أن “الأمر الآخر، هو ما يتعلق بالتجارة مع إيران، التي تتحدى العقوبات، وهي من المشكلات التي مازالت من دون حلول”، لافتا إلى أن “الحلول تتطلب إيجاد منصة رسمية للتحويل كاستخدام الذهب أو اعتمادات أو عملات أخرى، لأن خطورة هذا الأمر كبيرة”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- تركيا وBKK.. هل يغادران العراق بعد مبادرة السلام؟
- هل تفي الحكومة بوعد وقف استيراد الغاز بحلول عام 2028؟
- مبيعات البنك المركزي تضع السوداني بـ"ورطة".. هل البلاد بحاجة للدينار العراقي؟