بقلم: علي مبارك
في ظل التعقيدات القانونية والسياسية والدولية التي تحيط بملف خور عبدالله، بات من الضروري أن تتحرك الدولة العراقية، بكل مؤسساتها، لحماية السيادة الوطنية ومراجعة الاتفاقيات التي يحتمل أن تفرط بحقوق العراق في حدوده البحرية.
تُعد اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبدالله، الموقعة بين العراق عام 2012، محور جدل داخلي متصاعد، والتي يفترض ألا تتعارض مع قرار مجلس الامن رقم 833 لسنة 1993 الخاص بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، غير أن هذه الاتفاقية أصبحت اليوم محل رفض شعبي ونيابي واسع، وسط شعور متزايد بأنها تمس المصالح العليا للعراق، وتتجاوز الطابع الفني أو الإداري إلى ما يتعلق بالسيادة والأمن القومي والهوية الوطنية.
ويزداد القلق الشعبي والسياسي نتيجة الفجوة المتزايدة بين المجتمع والدولة، وتراجع الثقة بقدرة المؤسسات الرسمية على الدفاع عن مصالح العراق، خاصة في ظل تحديات إقليمية متراكمة وتدخلات خارجية متعددة تؤثر في هذا الملف.
تعود الجذور القانونية للاتفاقية إلى قرار مجلس الامن 833، الذي صدر بعد حرب الخليج الثانية، وفرض ترسيماً للحدود بين العراق والكويت، وقد قبله العراق في عهد النظام السابق. ولاحقاً، جاءت اتفاقية تنظيم الملاحة عام 2012 لتنظيم الحركة البحرية في الخور، على ألا تمس السيادة العراقية. إلا أن العديد من الأصوات ترى أن الاتفاقية، بصيقتها الحالية، تتجاوز هذا الإطار.
وانطلاقاً من ذلك، ينبغي على الدولة العراقية أن تتحرك عبر مسارين متوازيين:
اولاً: المسار التفاوضي الإقليمي
على الحكومة العراقية فتح حوار جاد مع الجانب الكويتي، ومع دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما أن العراق يحتفظ بعلاقات إيجابية مع السعودية وقطر والامارات. ويمكن استثمار هذه العلاقات والمصالح الاقتصادية المشتركة لدعم الموقف العراقي، والدفع نحو التوصل إلى تفاهم جديد أكثر وتوازنا ً ومرونة، يأخذ بعين الاعتبار التغيرات السياسية التي شهدها العراق بعد عام 2003، ويحمي مصالحه الجغرافية والاقتصادية والسياسية.
ثانياً: المسار الدبلوماسي الدولي
من الضروري تفعيل العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية، والدول الاوربية، وروسيا، والصين، بهدف كسب دعم هذه الدول داخل مجلس الأمن لإعادة تفسير أو مراجعة القرار رقم 833. ويفترض التركيز بشكل خاص على الولايات المتحدة باعتبارها شريكاً استراتيجياً للعراق، ولها دور مركزي في مرحلة ما بعد عام 2003، إلى جانب ارتباطها باتفاقيات ومصالح واسعة مع العراق سياسياً واقتصادياً وامنياً.
أما الصين وروسيا، فإن حجم العقود الكبرى المبرمة مع العراق في مجالات الطاقة، والنفط، والغاز، والبنى التحتية، يمنح بغداد أوراق ضغط اقتصادية مهمة يمكن استخدامها لحشد دعمها. كما يمكن استثمار العلاقات التاريخية والسياسية مع بريطانيا، والفرص الاستثمارية المتنامية مع فرنسا، باعتبارهما دولتين دائمتين في مجلس الامن ايضاً.
ورغم أن مجلس الامن يتعامل مع الدول كوحدات قانونية بغض النظر عن طبيعة أنظمتها، إلا أن السياسة الدولية تُبنى على المصالح. والدول المؤثرة قادرة على الدفع باتجاه مراجعة قرارات أممية سابقة، لا سيما إذا تبين انها فرضت في سياقات غير ديمقراطية والحقت ضرراً دائماً بطرف معين.
ختاماً..
أصبح من الضروري تجاوز أسلوب الخطابات الشعبوية واللغة المتوترة في التعامل مع هذه القضية وغيرها، خاصة وأن تجارب العراق السابقة في هذا المجال كانت مكلفة. فقد أدت سياسة العنتريات التي انتجها النظام السابق إلى خسارات حقيقية، سواء في الحدود مع إيران، أو الحدود مع الكويت في ام قصر وصفوان، أو في ملف خور عبدالله.
لذلك، فإن المطلوب اليوم هو اعتماد مقاربة عقلانية واحترافية في إدارة هذا الملف، عبر تحرك دبلوماسي واسع يحمي السيادة العراقية، ويقلل آثار قرارات سابقة أضرت بمصالح العراق، مع الحفاظ على مكانته وكرامته أمامه المجتمع الدولي.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!