وأعلن ترامب يوم الأحد الماضي (19 تشرين الأول 2025)، عن تعيين أحد المقربين منه وأنصاره في حملته الانتخابية رجل الأعمال مارك سافايا، مبعوثاً خاصاً إلى العراق، في خطوة أثارت اهتماماً واسعاً بالنظر إلى طبيعة نشاطه التجاري غير المعتاد في هذا المنصب.
العراق ملف أزمات
وفي هذا الشأن، يقول المحلل السياسي نزار حيدر، إنّ “تعيين ترامب مبعوثاً خاصاً إلى بغداد يشير بوضوح إلى أن واشنطن تنظر إلى العراق بوصفه أزمة تحتاج إلى إدارة، لا دولة تُدار بعلاقات دبلوماسية طبيعية، فالعلاقات بين الدول عادة تُدار عبر السفراء، لكن تعيين مبعوث خاص يعني أن الإدارة الأمريكية تتعامل مع الملف العراقي بمنطق الأزمة، تماما كما تفعل مع ملفات غزة وسوريا ولبنان وأوكرانيا”.
ويضيف حيدر، أن “اللافت في هذا التعيين، هو عدم امتلاك المبعوث خلفية مهنية أو سياسية رصينة، فهو ليس من وزارة الخارجية، أو الدفاع، ولم يأت من الكونغرس، ما يثير علامات استفهام عديدة حول هوية الشخص وأسباب اختياره”، مشيراً إلى أن “هذا القرار يعكس مقاربة غير تقليدية من ترامب، الذي يتعامل مع الملفات الدولية بعقلية رجل الأعمال أكثر من رجل الدولة”.
وبرر ترامب هذا التعيين، في منشور على منصته “تروث سوشيال”، الأحد الماضي، بأن “فهم مارك (سافايا) العميق للعلاقة بين العراق والولايات المتحدة، وروابطه في المنطقة، سيسهم في تحقيق مصالح الشعب الأمريكي”، مشيدا بدوره خلال الحملة الانتخابية الأخيرة في حشد الأصوات في صفوف المسلمين الأمريكيين في ولاية ميشيغان.
وعن توقيت هذا التعيين، يشير المحلل السياسي المقيم في واشنطن، إلى أنه “ليس عشوائياً، إذ جاء بعد مؤتمر Peace 2025 في شرم الشيخ، الذي أعلن فيه ترامب أن العراق يمتلك ثروات نفطية ضخمة، لكنه لا يحسن إدارتها”، منبهاً إلى أن “ذلك التصريح يكشف أن عين الإدارة الأمريكية باتت تتجه نحو النفط والغاز العراقيين، وأن المبعوث الخاص ربما كُلّف لمتابعة هذا الملف بشكل مباشر”.
فرص اقتصادية
ويضيف حيدر، أن “العراق عرض، عبر مستشاري رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذين زاروا واشنطن مؤخراً، فتح الباب أمام الشركات الأمريكية لاستثمار أكثر من 150 مليار دولار في مشاريع النفط والغاز والبنى التحتية والتعليم”، موضحاً أن “هذا الطرح قد يكون أحد الأسباب التي دفعت ترامب إلى تسريع تعيين مبعوثه الخاص، أملاً في اقتناص الفرصة الاقتصادية”.
ويخلص إلى القول، إن “الرئيس الأمريكي، المعروف بعقده الصفقات الكبرى مع دول الخليج، ربما يرى في العراق ساحة جديدة للاستثمار والنفوذ الاقتصادي، لكن هذا المبعوث ـبحسب المعطيات الحاليةـ لن يكون له تأثير مباشر في الانتخابات العراقية أو تشكيل الحكومة المقبلة، بل سيُركّز على الملفات الاقتصادية والطاقوية التي تمثل أولوية في أجندة واشنطن تجاه بغداد”.
وفي منشور على منصة إكس، قال سافايا إنه “ملتزم بتعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق بقيادة الرئيس ترامب وتوجيهاته”.
ومارك سافايا ليس دبلوماسياً تقليدياً ولم يتدرج في السلك الوظيفي، بل رجل أعمال من أصول عراقية كلدانية، لمع اسمه خلال السنوات الأخيرة في سوق “القنّب – الماريغوانا” في ولاية ميشيغان. وهو مؤسس شركة Leaf & Bud، إحدى أبرز سلاسل بيع القنّب في الولاية، والتي نشأت وازدهرت خلال ما يعرف في الولايات المتحدة بـ”الاندفاعة الذهبية”، التي شهدتها ميشيغان بعد التقنين في زراعة القنّب الترفيهي وبيعه.
وارتبط اسم سافايا باسم الباحثة الإسرائيلية - الروسية المختطفة سابقاً في العراق، إليزابيث تسوركوف، والتي أُفرج عنها خلال الأشهر الماضية بمفاوضات مع الجهات التي تحتجزها، بعد أن قادها بوساطة السوداني، حيث كتبت على إعلان تعيينه في منصة “أكس”: “أهلا وسهلا بمبعوث الولايات المتحدة الجديد إلى العراق، مارك سافايا”، مشيرةً إلى أن “مارك لعب دوراً مهماً في الإفراج عني من قبضة الكتائب، بعد 903 أيام من الأسر، دون تقديم أي مقابل”.
قناة مباشرة لترامب
من جهته، يرى الباحث والأكاديمي مجاشع التميمي، أن “تعيين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمارك سافايا مبعوثاً خاصاً إلى العراق يمثّل تطوراً سياسياً لافتاً وخطيراً، خصوصاً وأنه يأتي قبيل الانتخابات العراقية المقرّرة الشهر المقبل، فهذه الخطوة تثير تساؤلات عميقة حول أهدافها وتوقيتها ومدى ارتباطها بالتحولات الإقليمية الجارية”.
ويضيف التميمي، أن “المبعوث الخاص لا يؤدي دوراً دبلوماسياً تقليدياً كسفير، بل يعدّ قناة مباشرة لتوجيهات الرئيس الأمريكي، وغالباً ما يحمل رسائل سياسية وأمنية خارج الأطر الدبلوماسية المعتادة”، موضحاً أنّ “اختيار سافايا، المعروف بخلفيته المثيرة للجدل وافتقاره للخبرة الدبلوماسية، يكشف عن رغبة إدارة ترامب في إتباع نهج أكثر صرامة تجاه بغداد”.
ويتابع قائلاً، إنّ “الخطوة تعكس بوضوح نية واشنطن في إعادة تموضع العراق ضمن المحور الأمريكي، والحدّ من النفوذ الإيراني الذي ترسّخ في المشهد السياسي والأمني العراقي خلال السنوات الماضية”، منوهاً إلى أن “المبعوث الجديد قد يحمل مشروعاً يهدف إلى فرض السلام الإقليمي بالقوة، وربط العراق بمسار السلام في المنطقة عبر ضغوط مباشرة”.
ويشير الباحث والأكاديمي، إلى أنّ “توقيت هذا التعيين قد يكون جزءاً من استراتيجية انتخابية لترامب نفسه، أو محاولة لتوجيه مسار الانتخابات العراقية بما يخدم المصالح الأمريكية”، مؤكداً أن “المؤشرات الأولية تدلّ على أن وجود المبعوث سيرافقه ضغط سياسي وربما أمني واضح على القوى العراقية المؤثرة في هذه المرحلة الحساسة”.
ويختتم الباحث حديثه بالقول، إن “الحكومة العراقية تبدو محدودة القدرة في التعامل مع هذا التطور، خاصة مع اقترابها من مرحلة تصريف الأعمال، ما ينذر بتعقيدات متزايدة في المشهد السياسي خلال الأسابيع المقبلة، وقد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التجاذب بين واشنطن وطهران تُدار هذه المرة من البوابة العراقية”.
ويأتي تعيين سافايا قبل أقل من شهر من موعد الانتخابات العراقية المقررة في 11 تشرين الثاني المقبل، والتي يُنظر إليها على أنها واحدة من أكثر الاستحقاقات الانتخابية أهمية منذ عام 2003، في ظل تصاعد التوترات السياسية والنقاشات حول العلاقة مع الولايات المتحدة وإيران ومستقبل موازين القوى في بغداد.
حقيبة بملفات معقدة
بدوره، يجد الكاتب والمحلل السياسي فلاح المشعل، أن “تعيين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبعوثاً خاصاً إلى العراق بدلاً من تعيين سفير دائم، يثير العديد من التساؤلات، خصوصاً وأن هذا المنصب ظل شاغراً منذ مغادرة السفيرة السابقة قبل أكثر من عام، فاختيار صفة المبعوث الخاص بدلاً من المسار الدبلوماسي التقليدي يمثل توجها غير مألوف، لكنه يندرج ضمن صلاحيات الرئيس الأمريكي”.
ويضيف المشعل، أن “ترامب، بطبيعة نهجه السياسي، يفضل الحضور الشخصي المباشر في الملفات الحساسة عبر ممثلين يثق بهم، بدلاً من الاعتماد على السلسلة الإدارية الطويلة في وزارة الخارجية أو الهيئات الدبلوماسية”، مشيراً إلى أن “هذا الأسلوب يعكس إيمانه بسياسة الإدارة الميدانية القائمة على النفوذ الشخصي والصفقات المباشرة”.
ويتابع أن “المبعوث الأمريكي المرتقب سيحمل على الأرجح حقيبة دبلوماسية وسياسية تتضمن ملفات معقدة، أبرزها الوجود الاقتصادي الأمريكي في العراق، ومشاريع التنمية المشتركة، واستثمارات الشركات الأمريكية في قطاع النفط، إلى جانب ما أشار إليه ترامب في قمة شرم الشيخ بشأن ضعف الإدارة العراقية في استثمار الثروات النفطية”.
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي، أن “المبعوث لم يصل إلى بغداد بعد، لذلك لا يمكن الجزم بطبيعة مهمته أو حجم تأثيره، إلا أن المؤشرات الأولية تفيد بوجود ترتيبات سياسية واسعة النطاق لمعالجة الوضع العراقي ضمن إطار الصراع الأمريكي - الإيراني”، مشدداً على أن “الوضع العراقي بات جزءاً محورياً من معادلة المواجهة بين واشنطن وطهران، خصوصاً في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني”.
وينتهي إلى أن “الأشهر المقبلة ستكون حافلة بالتطورات السياسية المتسارعة، وقد تشهد تفاصيل جديدة في مسار العلاقة بين بغداد وواشنطن، لاسيما مع تصاعد اهتمام الإدارة الأمريكية بالملف العراقي بوصفه أحد مفاتيح الاستقرار الإقليمي”.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!