تحذيرات الخبراء الاقتصاديين، من الوزير الأسبق لؤي الخطيب إلى محمود داغر ونبيل جبار العلي، تكشف عن مؤشرات مقلقة تهدد استقرار المالية العامة، بدءاً من ضغط الرواتب وتذبذب الأسعار، وصولاً إلى ديون تتجاوز قدرة الدولة على التمويل، المرحلة المقبلة تتطلب إصلاحات صارمة ورؤية سياسية واقتصادية موحدة قبل دخول دائرة الأزمة.
وقدم وزير الكهرباء الأسبق لؤي الخطيب قراءة معمّقة لجذور الأزمة التي يواجهها الاقتصاد العراقي وتحديات المرحلة المقبلة، مؤكداً أن الدولة باتت أمام استحقاقات إصلاحية كبرى لا يمكن تأجيلها.
وقال الخطيب في حوار صحفي، إن “تراكمات الاقتصاد الريعي وبقايا النظام الاشتراكي دفعت الحكومات المتعاقبة إلى توسيع الإنفاق التشغيلي والاعتماد على التوظيف العام بشكل مفرط”، مبيناً أن ”عدد موظفي الدولة ارتفع من أقل من مليون موظف عام 2003 إلى أكثر من 8 ملايين اليوم، بين ملاك دائم ورعاية اجتماعية ومتقاعدين وتعويضات، ما شكّل عبئاً ثقيلاً على الموازنة، خصوصاً مع تقلب أسعار النفط ونزولها أحياناً إلى حدود 55 دولاراً للبرميل، وهو السعر الذي بالكاد يغطي بند الرواتب”.
وأشار الخطيب إلى أن “الحكومة المقبلة تحتاج إلى فريق اقتصادي محترف ورؤية واضحة، لكن نجاحها مرهون بتفاهم الكتل السياسية ودعمها، لأن أي إصلاح يتطلب غطاءً سياسياً قوياً وقدرة على مواجهة الضغوط”.
وأضاف، أن تضاعف عدد السكان من 25 مليوناً إلى أكثر من 47 مليوناً خلال 22 عاماً رفع كلفة إدارة الدولة بشكل كبير، ما يجعل تنويع الاقتصاد ومراجعة التعرفات في الوقود والطاقة والمياه ضرورة لا خياراً.
وتحدث الخطيب عن وجوب تقييم سعر الصرف والسياسة النقدية، بما في ذلك التعويم الذكي ودراسة حذف الأصفار ومعالجة التضخم، مؤكداً أن “هذه القرارات ليست تقنية فقط، بل سياسية وتتطلب توافقاً واسعاً”.
وحذّر من أن “مراجعة الدعم وفرض الضرائب ستواجه اعتراضات اجتماعية، لأن شريحة واسعة اعتادت سياقات قديمة، رغم أن مستوى الرواتب تغيّر جوهرياً منذ ما قبل 2003، حيث كان راتب الموظف حينها لا يتجاوز 3 دولارات، بينما يتراوح اليوم بين 300 و400 دولار”. مشيراً إلى أن نجاح الإصلاحات يحتاج حملة إعلامية كبيرة ووعيّاً مجتمعياً بالمرحلة المقبلة.
أما الخبير الاقتصادي محمود داغر، فقد قدم تشخيصاً حاداً لوضع الاقتصاد العراقي، مؤكداً أن “إنعاشه يتطلب اعتماد الجباية المنظمة والحازمة، باعتبارها ممارسة معمولاً بها في جميع دول العالم، وبما يضمن تغطية الإنفاق دون الوقوع في العجز، حتى مع استمرار الاعتماد على إيرادات النفط”.
وأوضح داغر في حوار متلفز، أن “الاقتصاد العراقي تعرض خلال العقدين الماضيين إلى استنزاف كبير رغم الوفرة المالية والفوائض التي تحققت داخلياً وخارجياً”، مشيراً إلى أن “الفساد كان العامل الأكثر تدميراً للثروة، إلى جانب المحاصصة التي دفعت بغير المتخصصين لإدارة وزارات حساسة، ما فاقم الترهل والخلل في الإدارة الاقتصادية”.
وفي ما يتعلق بصندوق النقد الدولي، نفى داغر وجود أي تدخل في السياسة المالية العراقية، مؤكداً أن الحكومة لم تقترض أي مبلغ من الصندوق منذ عام 2017، وأن العلاقة القائمة معه تقتصر على المشاورات الفنية دون تأثير مباشر على القرارات الاقتصادية.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي نبيل جبار العلي في حديث صحفي، إن “إجمالي الديون الداخلية والخارجية للعراق بلغ مستويات مقلقة، حيث بلغ الدين الخارجي نحو 13 مليار دولار بفوائد بسيطة، فيما تجاوز الدين الداخلي 90 ترليون دينار”.
وأضاف أن “هذا الحجم الكبير من الدين الداخلي سيضغط على السيولة المالية ويحد من قدرة الدولة على تمويل المشاريع والخدمات”، مؤكداً أن “الحكومة المقبلة مطالبة بوضع خطط اقتصادية واضحة لمعالجة هذا الملف وضمان استقرار الوضع المالي”.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!