ابحث في الموقع

ديون العراق إلى أين؟ أرقام ثلاث سنوات تكشف المسار الحقيقي للاقتصاد

ديون العراق إلى أين؟ أرقام ثلاث سنوات تكشف المسار الحقيقي للاقتصاد
ديون العراق إلى أين؟ أرقام ثلاث سنوات تكشف المسار الحقيقي للاقتصاد
بقلم: عدنان الدوسري - مستشار اقتصادي

لم يعد ملف الديون في العراق مجرد رقم يُذكر في هوامش الموازنات، بل تحوّل خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى أحد أهم مؤشرات قياس قوة الاقتصاد أو هشاشته. فالدين اليوم بات مرآة تعكس طبيعة النمو القائم على النفط، وتضخم الإنفاق الجاري، وضعف الإيرادات غير النفطية، وما يرافق ذلك من ضغوط على الاستقرار المالي والاقتصادي.

بلغ الناتج المحلي الإجمالي للعراق في عام 2023 قرابة 264 مليار دولار، لكنه تراجع نسبيًا في 2024 ليُقدَّر بحدود 250 مليار دولار نتيجة خفض إنتاج النفط ضمن التزامات أوبك بلس وتقلبات الأسعار العالمية، في حين تشير التقديرات الأولية لعام 2025 إلى أنه قد يتراوح بين 255 و260 مليار دولار في حال استقرت أسعار النفط ولم تحدث صدمات اقتصادية كبيرة. وعلى ضوء هذه الأرقام، انتقلت نسبة الدين العام من نحو 42 بالمئة من الناتج في 2023 إلى قرابة 46 بالمئة في 2024، مع توقعات بأن تصل إلى حدود 54–55 بالمئة في 2025، وهو تصاعد سريع يكشف بوضوح أن المديونية تتحرك بوتيرة أسرع من نمو الاقتصاد الحقيقي.

الدين الخارجي للعراق يُقدَّر بنهاية 2024 بما بين 54 و56 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 21–22 بالمئة من الناتج المحلي، بعد أن كان في حدود 48–50 مليار دولار في 2022 بنسبة تقارب 18–19 بالمئة من الناتج. وتشير التقديرات إلى أن هذه النسبة ستبقى قريبة من 21 بالمئة في 2025 مع تغيرات محدودة ترتبط بسعر النفط وحجم الاقتراض الجديد. ويتوزع هذا الدين على مؤسسات دولية، وإضافة إلى دول نادي باريس ودائنين ثنائيين خارج النادي، فضلًا عن جزء أقل حجمًا من الديون التجارية المرتبطة بالسندات الدولية والتزامات استيراد الطاقة. ورغم أن أغلب هذه القروض تُصنف ضمن القروض الميسّرة ذات الفوائد المنخفضة، فإن خدمة الدين الخارجي من فوائد وأقساط تمثل في المتوسط نحو 1 بالمئة من الناتج المحلي سنويًا.

في المقابل، يشكّل الدين الداخلي الثقل الأكبر في المعادلة المالية. فقد قُدّر بنحو 65 تريليون دينار في 2022، ثم ارتفع إلى أكثر من 83 تريليون دينار في 2024، ليتجاوز في 2025 حاجز 90 تريليون دينار، أي ما يعادل قرابة 58–60 مليار دولار. وبهذا يكون الدين الداخلي قد صعد من ما يقارب 24 بالمئة من الناتج المحلي في 2023 إلى قرابة 30 بالمئة في 2025. وتتمركز حيازة هذا الدين بيد المصارف الحكومية والبنك المركزي وصناديق التقاعد وبعض المصارف الأهلية، ما يعني أنه دين “داخلي” من حيث الأطراف، لكنه يحمل مخاطر حقيقية من زاوية مزاحمته تمويل القطاع الخاص وتعطيله للدورة الاستثمارية المنتجة.

أما كلفة الدين، أي الفوائد وخدمة السداد، فقد تأثرت جزئيًا بخفض سعر الفائدة الأساسي خلال 2024 إلى حدود 5.5 بالمئة، ما ساعد على تهدئة الضغط على الفوائد المحلية، إلا أن التوسع الكبير في حجم الدين أبقى الفاتورة في مسار صاعد. وتشير التقديرات إلى أن عبء خدمة الدين الإجمالي تراوح بين 1.8 و2.2 بالمئة من الناتج المحلي في 2023، وارتفع إلى نحو 2.5 بالمئة في 2024، مع توقعات بأن يقترب من 3 بالمئة في 2025. وهذه النسبة وإن بدت فنيًا تحت السيطرة، فإنها تعني فعليًا اقتطاع جزء متزايد من الموارد العامة سنويًا على حساب الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية.

من زاوية التقييم الدولي، يرى أن الاقتصاد العراقي لا يزال شديد التعرض للصدمات بسبب اعتماده شبه الكلي على النفط، وأن تصاعد الدين خلال السنوات الأخيرة لم يكن نتيجة توسع استثماري منتج بقدر ما كان نتيجة تضخم الإنفاق الجاري، ولا سيما الرواتب والتقاعد والدعم. في الاتجاه ذاته، يحذّر من أن استمرار هذا المسار دون إصلاحات هيكلية حقيقية قد يدفع الدين إلى ما بعد 60 بالمئة من الناتج خلال سنوات قليلة، خصوصًا إذا تعرضت أسعار النفط إلى موجة تراجع حادة. ويركز الطرفان على أن مشكلة العراق ليست في وجود الدين بحد ذاته، بل في طريقة استخدامه، إذ إن القروض حين لا تتحول إلى مشاريع إنتاجية تولّد عائدًا مستدامًا، تتحول إلى عبء طويل الأمد على الأجيال القادمة.

خلاصة المشهد خلال ثلاث سنوات تكشف أن العراق انتقل من دين عام بحدود 42 بالمئة من الناتج في 2023 إلى ما يقارب 55 بالمئة في 2025، مع تضخم واضح في الدين الداخلي مقابل تباطؤ في خفض الدين الخارجي. وهذا المسار يؤكد أن الاستقرار المالي لا يزال مرتبطًا ارتباطًا مباشرًا باستقرار أسعار النفط أكثر من ارتباطه بإصلاحات اقتصادية حقيقية. وإذا لم تُعاد هيكلة أولويات الإنفاق، وتُفعل الإيرادات غير النفطية، ويُربط أي اقتراض جديد بمشاريع إنتاجية واضحة ذات مردود اقتصادي واجتماعي، فإن الدين سيبقى واحدًا من أخطر القيود على مستقبل التنمية في العراق، مهما ارتفعت أسعار النفط مؤقتًا.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
كلمات مفتاحية
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!