حجم النص
بقلم:علي محمد البهادلي دعوتان متناقضتان من قبل زعيمين لجهتين سياسيتين تتسمان بالخصومة، تتضمنان الطلب من هيئة النزاهة بالتحقيق بالجملة مع أعضاء في البرلمان من هذه الكتلة ووزرائها وأعضاء مجالس المحافظات التابعين لتلك الكتلة وإعطاء مهلة (45) يوماً قابلة للزيادة لإجراء التحقيقات والدعوة إلى زج سراق المال العام وأصحاب اللجان الاقتصادية خلف القضبان. ولا بدَّ لنا من الوقوف عند هذه الدعوتين بعدة نقاط:ـــ 1. أن تبرؤ كتلة سياسية أو حزب أو تيار عن المفسدين من أعضائه أمر إيجابي، ويستحق الثناء والاحتذاء. 2. الدعوة إلى تفكيك اللجان الاقتصادية العاملة في الوزارات بشكل غير قانوني والمتحكمة في العقود وإرساء المناقصات هي الأخرى تستحق الإشادة ولا غبار عليها، بل المفترض تعاضد الجميع للسير في هذا الاتجاه. 3. بيد أنه يؤاخذ على هاتين الدعوتين افتقارهما إلى القانونية في الطرح، فإحالة أعضاء برلمان أو وزير أو أعضاء مجالس محافظات وغيرهم من قبل حزب أو كتلة أو زعيم سياسي هو أمر غير قانوني، فما هي الصفة القانونية التي يتمتع بها حتى يحيل أشخاصاً إلى هيئة النزاهة. 4. لو تنزلنا جدلاً وقلنا " لا مشاحة في الاصطلاح" وأن المقصود كان إحالة ملفات أو بالأحرى تقديم شكاوى وبلاغات وإخبارات عن قضايا فساد أو شبهات فساد بحق برلمانيين أو وزراء أو غيرهم، فهو على الرغم من إيجابيته بوصفه رفعاً للغطاء السياسي عن المفسدين، لكن ينبغي أن يُـقيَّد بحيث يشمل من عليه شبهات فساد وتُــقدَّم للجهات الرقابية وعلى رأسها هيئة النزاهة. 5. بإمكان الأجهزة الرقابية تزويد قيادات هذه الأحزاب والكتل السياسية بأسماء من امتنعوا من الكشف عن مصالحهم المالية؛ لإلقاء الحجة عليهم، وبدور أولئك يتوجب عليهم أخلاقيا – قبل أن يتوجب عليهم دينياً وقانونياً – إعلان البراءة منهم وطردهم من عضوية هذه الجهة السياسية أو تلك. 6. على هاتين الجهتين السياسيتين – إن كانتا جادتين بمحاربة الفساد – ما يأتي:ــ أ- الاتفاق على رفع الحصانة عن أي نائب تحقق معه هيئة النزاهة أو القضاء العراقي ويثبت تورطه بقضايا فساد. ب- البدء من هذه اللحظة بالتفكير الجاد لاتخاذ الإجراءات التي تحدُّ من ظاهرة الفساد، وذلك من خلال تشريع القوانين الخاصة بذلك، وتعديل قانون العقوبات لتتلاءم مواده مع طبيعة الجريمة المقترفة. ت- إقالة أي شخص فاسد تحوم حوله شبهة فساد، وذلك من خلال الصلاحيات الممنوحة للجهات المسؤولة تربطها معهم "قرابة" سياسية!!. 6. إن تصدير الخلافات السياسية وجرَّها إلى ملعب النزاهة هو أمر في غاية الخطورة، فعلى كل من يروم محاربة الفساد أن ينأى بهيئة النزاهة عن خلافاته ومشاكله وتعقيداته السياسية الحزبية؛ كي تبقى الهيئة متسمة بالحيادية والمهنية وعدم التأثر بهذا الطرف أو ذاك. 7. من المفترض أن تكون هيئة النزاهة هي من تبادر لملاحقة المفسدين، وذلك من خلال المعلومات التي تردها عبر منافذها المقررة، والمباشرة بعمليتي التحري والتحقيق ومن ثم الإحالة للقضاء، أما هذه الدعوات فهي تظهر الهيئة بموقف المنفعل لا الفاعل، وهي ما يؤثر سلباً بسمعتها لدى الرأي العام. والأنكى من ذلك هو أن هذين الدعوتين قد أعقبهما بعد أيام اتهامات خطيرة فجَّرها وزير الدفاع في البرلمان العراقي عند استجوابه أمس الاثنين، فالقائمة التي ذكرها ابتداءً من قمة هرم المجلس مروراً إلى النواب، لا سيما حول صفقات بأرقام " خيالية " لا يمكن أن تمرَّ مرور الكرام، وقد ذكر كل من المُتَّهِم والمتَّهمين فضلاً عن رئيس الوزراء أنهم سيرفعون هذه القضايا إلى هيئة النزاهة للتحقيق فيها، بيد أننا نخشى مرة أخرى من معاناة هيئة النزاهة في التوصل إلى خيوط هذه الاتهامات بتنصل مطلقيها عن تزويد الهيئة بوثائق وإثباتات، فقد حذَّر رئيسها د الياسري قبل أشهر الشخصيات السياسية والوزراء والنواب من إلقاء التهم من فضائيات أو منابر إعلامية وعدم تقديم الأدلة والوثائق التي تثبت الإتهامات، حذَّرهم بــ"محاسبتهم قضائيا" بتهمة التستر على الفساد أو تضليل الجهات الرقابية. فالمفترض إذا كانت هناك ملفات فساد يتوجب على من يمتلك الوثائق والإثباتات تقديمها لهيئة النزاهة عبر الطرق الأصولية دون ضوضاء أو إرباك للرأي العام؛ لأن إطلاق الاتهامات الخطيرة جدا بحق رؤوس كبيرة جدا سيجعل المواطنين يتساءلون ماذا فعلت هيئة النزاهة؟!! وهل عدم وصولها إلى نتائج تدين المتهمين هو جراء صفقات سياسية؟!! إذن.. الأجدر بكل من لديه ملفات فساد إحالتها للنزاهة عبر الطرق الأصولية؛ لتلافي تسييس ملفات الفساد، أو تضليل الجهات الرقابية، بل ولعدم تشويش الرأي العام. وبكلمة أخيرة، إن هيئة النزاهة على الرغم من لجوء الجميع إليها وأن هذا الأمر يُـعَـدُّ اعترافاً حقيقياً بمهنيتها وحياديتها وابتعادها عن تسييس قضايا الفساد، إلا أنها والجهات الرقابية الأخرى تتضرر كثيراً من الاتهامات "الإعلامية" وتريد وثائق فهي الكفيلة بإثبات فساد المفسدين.