- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كيف نستفيد من مواقع التواصل الاجتماعي؟!
حسن الهاشمي
صدق او لا تصدق انت امام خيارين لا ثالث لهما، أما الاستفادة المثلى للعلوم النافعة والتكنلوجيا الحديثة والترفيه النابع من طرائف الحكم، واما الوقوع في متاهات العلوم الضارة والبرامج المخلة والترفيه الساقط في مهاوي الفتن، وما يتميّز به العصر الحديث هو التقدم الهائل في (تكنولوجيا) الاتصال وصفحات التواصل الاجتماعيّ المتعددة الأنواع والأشكال، وقد ظهرت هذه الوسائل كمنجز حضاريّ أفرزته العقول العملاقة المبدعة، عبر (التكنولوجيا) المتطوّرة الفذّة، ووسائل الاتصال هذه لها آثار إيجابيّة عظيمة، وأخرى سلبيَّة، والطريق الأمثل للتعامل ازاءها يكمن في الاقبال على الآثار المفيدة والادبار عن الآثار الهدامة.
ويا لها من مهمة صعبة ومضنية ولكن نتائجها ـ ان احسن استخدامها ـ مضيئة ومفيدة، كيف لا وانت تدخل في عالم قد اختلط فيه الحابل بالنابل والحق بالباطل والغث بالسمين والخبيث بالطيب؟! وحده الحاذق هو الذي يلتقط الحب الجيد من بين الحب الرديء، وما اكثرها من حبوب وهي مختلطة وتعد بالملايين او تفوق ذلك بكثير، المحكم في الحق والباطل قد لا يسبب مشاكل في الفرز والتصنيف، ولكن المتشابه بينهما ودس السم في العسل بحاجة الى اعمال نظر ادق وحذاقة كافية في التعامل ازاءها للخروج بما يرضي الرب المتعال، وبما يضمن حقوق المستفيد من دون اضرار بمصالح الآخرين.
هذا هو مربط الفرس وبيت القصيد والبحث عن الضالة المنشودة في التعامل الأمثل في خضم تشابك المعلومات وبما تحمل بين طياتها من غث وسمين وطالح وصالح، كثيرة هي مواقع التواصل الاجتماعي فالإنسان يتقلب بين ظهرانيها وليس اقلها مواقع (التويتر والفيس بوك والواتساب والفايبر والماسنجر وغيرها الكثير من وسائل التواصل) ولكي يرتشف منها المعلومات المفيدة ويضخ من خلالها ما هو مفيد، عليه التعامل بحذر لئلا يصيب قوما او شخصا بجهالة فيصبح على ما فعله من النادمين.
ولكيلا نكون مسؤولين في الدخول في موارد الهلكة والخيبة والخسران، علينا ان نحدث ثورة ثقافية كبرى تحصن الطفل والشاب والمتزوج والعلاقات الاجتماعية عامة من تلك الآفات الضارة التي غالبا ما يكون اللسان والسمع والبصر والفؤاد مسؤولين عنها، انت في خضم تقلبات الانسان في مراحله المختلفة مع تقلبات العولمة بما تحكي من ايجابيات وسلبيات، ما عليك الا توخي الحيطة والحذر للفصل بينهما والسير على طريق النجاة، الذي يبقى مرمى هدف الانسان التائق الى المعالي والمتنزه عن السفاسف وما اكثرها في زماننا هذا...
(خير الامور انفعها) هي السياسة الناجعة في التعامل الامثل مع الاخرين في طريقة تعاملهم مع مواقع التواصل الاجتماعي، ان تجعل ابنك مثلا بمنزلة الصديق وتوضح له كيفية التزود من الشبكة العنكبوتية بما هو مفيد وكيفية الابتعاد عن كل ما هو مشين ومضر ومريب، ان توضح له ما يمكن الارتشاف منه وما يمكن الابتعاد عنه بكل شفافية ووضوح دون اللجوء الى العنف والتهديد، فانهما قد يولدان نتائج عكسية ربما يتظاهر الابن بانه يتعاطى الموارد الايجابية في حال المراقبة بيد انه سرعانما يعزف عنها الى المواقع المبتذلة والعنيفة في حال عدم وجود الرقيب.
ومن المعلوم ان الابوين ولا سيما الاب لا يستطيع مراقبة ابنائه طوال الوقت لانشغاله خارج المنزل في اغلب الأوقات، فالمصادقة والمصالحة والمفاهمة والمواصلة هو الاسلوب الانجع والانفع والاجدر في اقناع الابن بانه يتوجه تلقائيا وبرغبة جامحة وبطيب قلب وخاطر الى المواقع المفيدة، ويتقزز ويتنفر من المواقع المضرة، حينما يصل التعامل الى هذا المستوى من التعاطي الفطري السليم وقتئذ يصح ان نطلق على رب الاسرة انه مرب ناجح قد وضع النقاط على الحروف وجعل من فلذه كبده منقادا الى نوازع الخير بصرف ارادته ومبتعدا عن نوازع الشر بصرف ارادته ايضا، هذا هو الموقف السليم ازاء التصرف الامثل مع الآخر في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، وبناء على كل ما سبق فلا بدَّ من تَوَفُّرِ أمور حتى تحقق هذه المواقع دورها المناسب وبشكل إيجابي، منها:
1ـ الرقابة الذاتيَّة والوعي الصحيح بكيفيّة التعامل معها، وهذا ما يحصل من خلال ضخ الطفل ومنذ نعومة اظفاره بومضات اشراقية تنمي في داخله الثقة بالنفس وبقدراتها الخارقة في التمييز بين موارد الخير عن موارد الشر.
2ـ الرقابة الأبوية والأسرية، بمتابعة ما يحضره الأبناء، وما يسترعي اهتمامهم مع التوجيه المناسب، بما هو مفيد لاستحصاله وما هو مضر لاجتنابه، وهو ما سيولد حصانة لدى المتلقي في الانتقاء الافضل في قادم الايام ولو من دون رقيب.
3ـ الوعي والتثقيف المناسب لكيفية التعاطي معها، وتكامل الدور التوعوي في ذلك، بين البيت والمدرسة والمساجد ووسائل الإعلام، وهو مهم جدا لما له الاثر في التكامل التربوي والاخلاقي والتنموي وعلى الصعد كافة.
4ـ إنّ وسائل التواصل الاجتماعي، هي منجزات حضارية عظيمة، لما فيها من علوم وترفيه وتطور، والإنسان وحده الذي يملك طريقة الاستفادة منها، أو سبل تَوَقي خطر المدسوس بينها من عدمه، وهنا لا بدَّ من تظافر الجهود وتكاملها، نصحاً وإرشاداً ومتابعة.
5ـ التأكيد على ان العلاقات الافتراضية علاوة على انها خيالية وبعيدة عن الواقع فإنها قد تجلب مشاكل تمس بشرف وكرامة وحيثيات الفرد والاسرة والمجتمع، والجميع في غنى عنها لما تمثل من التزام اخلاقي يؤطر لعلاقات اجتماعية اكثر رصانة من المجتمعات المادية غير المؤدلجة.
6ـ الاعتماد على مواقع التواصل في التقليل من الروتين والفساد الاداري لما يتم من خلاله من تقديم الخدمات الكثيرة اختصارا للوقت وتوفيرا للجهد والمال والمراجعات والمخاطبات بين دوائر الدولة المختلفة.
7ـ افضل وسيلة للإعلانات والترويج التجاري والصناعي والزراعي لما يسبب من نهضة تنموية عارمة قد استغلتها الدول المتطورة في دعم عجلة الاقتصاد والرفاه الحضاري فيها وبدرجات تفوق حد التصور.
8ـ الاستفادة القصوى من الافلام والمحاضرات العلمية التخصصية التي يلقيها افضل الاساتذة وما توصل اليه من ابداعات واختراعات وعلوم حديثة، فإنها مبثوثة في (اليوتيوب) وغيرها من المواقع التي لا غنى عنها لمن يطلب الاستزادة والحداثة والايضاح، لاسيما الطلاب في الجامعات وسائر المراحل الاخرى، فهي خير معين على الفهم والاطلاع على مستجدات العلوم المختلفة.
انشاء مراكز توعوية وثقافية وفكرية تحصن المجتمع من آفات مواقع التواصل الاجتماعي، بات من ضروريات المرحلة التي نعيشها الآن ونحن في خضم التطور التكنولوجي والعلمي المذهل، كيف نبقى مكتوفي الأيدي والسيل الجارف بما يحمل من مزايا ورزايا هو قادم لا محالة الينا والى اجيالنا اللاحقة؟! والحقيقة التي لا مناص من ذكرها ان تنوع تطبيقات الانترنت واختلاف مهامها ووسائل التعامل معها أدى خلال السنوات القليلة الماضية إلى تحولها لوسيلة جذب لفئات متنوعة من البشر على اختلاف أعمارهم واهتماماتهم، فبعد أن كان استخدامه في السابق مقصوراً على الكبار وخاصة فئة الباحثين، فقد انتشر في الوقت الراهن ليشمل شريحة كبيرة من الأطفال والمراهقين والشباب الذين وجدوا فيه وسيلة ممتعة لتحقيق الكثير من رغباتهم وإبراز شخصياتهم.
فالتعامل الانقى والأذكى والأوعى هو الطريقة المثلى في اقتحام هذا العالم الرهيب والمذهل، بما يحمل من معلومات وخبايا واسرار باستطاعة مراكزنا التوعوية من تحويلها الى نعمة ذلك بتوظيفها بالشكل اللائق والرائق بما يتناسب مع متبنياتنا القيمية والفكرية، والعكس هو الصحيح فإنها ستتحول الى نقمة فيما اذا وضع الحبل على الغارب ولم تؤد الطبقة الواعية ما عليها من التزامات لإطلاق ما هو مفيد من الشبكة العنكبوتية وصد كل ما يعكر جو الطفل والمراهق والشاب للحؤول دون ارتكاس لبنات المجتمع الاساسية الى الخور والهزال، لما يؤثر سلبا على عملية البناء الفكري والثقافي السليم الذي نتوخاه جميعا.
ومن دون تظافر الجهود لا يمكن ان نضع اللبنات القوية في بنيان متماسك يسعى جميع الخيرين الى انشائه ولو تطلب ذلك منا بذل المزيد من الجهد والمتابعة والتمحيص، انه طريق ذات الشوكة صعب المراس تتخلله الكثير من المطبات والمزالق والمهاوي والاغراءات، واذا ما استحسن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بالشكل الصحيح والمفيد، فان ثمارها طيبة وفيها من البركات الشيء الكثير، فإنها حقا ستتحول الى رواب خضراء عطرة تمهد الطريق بهجة ونضارة ونفعا لمن اراد التمتع بما وهبه الله من تكنلوجيا متطورة بجنباتها الايجابية، التي تضفي علينا منظرا أخاذا يسر الناظرين ويسعد الحاضرين ويطمئن القادمين من اجيالنا اللاحقة
أقرأ ايضاً
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- مخاطر سهولة النشر ومجانية التواصل
- كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته "البيئية - المناخية" الخانقة ؟