- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لماذا لم يتم التطرق الى الفساد في الورقة البيضاء الحكومية ؟
حجم النص
بقلم: د. نبيل المرسومي
بدا الجزء الأول من الورقة البيضاء بتحديد خلفية المشكلة الاقتصادية في العراق والتي لخصها بما يلي :
1. توسيع دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع خاصة رواتب الموظفين والمتقاعدين التي نمت بنسبة 400% خلال المدة 2004 – 2020 ، على حساب الانفاق على البنى التحتية وبناء رأس المال الثابت في البلاد . وادى هذا الوضع الى قطاع خاص مضمحل وسوق عمل تميل الى التوظيف العام و الى الاستمرار المفرط في الاعتماد على عائدات النفط.
2. الدور الريعي للدولة: أدى التوسع الريعي للدولة الى تشويه الاقتصاد والمجتمع خاصة في قطاعات الماء والكهرباء والبطاقة التموينية حيث تقدم الدولة هذه الخدمات بشكل مجاني او شبه مجاني اذ ان هذا النظام مصمم منذ عام 1991 على أساس تخصيص حصة لكل اسرة عراقية بناء على عدد افرادها بغض النظر عن معدل دخل الفرد مما أضاف تكاليف اقتصادية اكبر بكثير من التكاليف المباشرة التي تقدر بنحو 2.4 ترليون دينار سنويا.
كما ان تملك الدولة شبه الكامل لقطاعي الماء والكهرباء وتأثيرها المفرط في السيطرة على المدخلات والمخرجات بما في ذلك تحديد الأسعار وتقديم الدعم يفرض أعباء ضخمة على الحكومة لتمويل هذه الخدمات دون استرداد تكاليفها .حيث يكلف دعم الكهرباء لوحده 10 ترليونات دينار سنويا.
3. الضغوطات السكانية الناجمة عن ارتفاع معدل النمو السكاني الذي سيرفع عدد سكان العراق الى 5 مليون نسمة عام 2030 ، وارتفاع عدد الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة الى نحو 66%، وهو ما سيؤدي الى إضافات كبيرة في القوى العاملة حيث سيدخل نحو 5 ملايين شخص الى سوق العمل خلال 2020 -2030.
4. جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط وهو ما أدى الى ان تمثل نفقات الرواتب للموظفين والمتقاعدين نسبة 122% من عائدات النفط العراقية عام 2020. وهذا الوضع أدى الى اتساع عجز الموازنة وزيادة الدين الحكومي.
5. ضعف المؤسسات المالية في العراق المتمثلة بغياب السياسات والأنظمة لإدارة الإيرادات الى جانب الاعتماد على التعاملات الورقية في عملية احتساب الموازنة. فضلا عن افتقاد العراق الى نظام إدارة المعلومات المالية المتكامل الذي يربط الكترونيا بين جميع وحدات الانفاق الحكومية إضافة الى حساب الخزينة الموحد الذي يجمع كل الحسابات الحكومية في حساب خزينة واحد، وهذا يعني افتقار الحكومة للسيطرة على كامل البيانات والمعلومات المتعلقة بمصادرها المالية وارصدتها النقدية المختلفة.
اين الفساد ؟
ومع ان الورقة كانت صائبة في تحديدها للخلفية العامة للمشكلة الاقتصادية في العراق غير انها اهملت اهم المشكلات الاقتصادية التي تحول دون تنمية الاقتصاد العراقي والمتمثلة بالفساد وهو ما يعبر عنه بالمرتبة المتأخرة للعراق في مؤشر مدركات الفساد اذ يقع في المرتبة 168 من اصل 180 دولة.
يعد الفساد أحد أهم مشاكل التنمية المستدامة ؛ فالفساد يقوّض الثقة العامة في الحكومة والشركات الخاصة، ويسبب الظلم، ويقلّل من كفاءة العمليات المختلقة ، كما ويعيق القدرة على الاحتفاظ بموظفين ذوي جودة عالية، ويعيق جذب الاستثمارات، ويسبب هدر الموارد والأموال.
ويؤثر ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺍﻟﻭﺍﺴﻊ ﺍﻻﻨﺘﺸﺎﺭ في العراق ﻋﻠﻰ ﺘﺄﺨﻴﺭ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ وتشويه الهيكل الاقتصادي وهدر الموارد ﻭﻋﻠﻰ ﺘﻭﺯﻴﻊ ﻤﻨﺎﻓﻊ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺒﺸﻜل ﻏﻴﺭ ﻤﺘﺴﺎﻭ ﻋﻠﻰ ﺤﺩ ﺴﻭﺍﺀ ﻭﺫ ﻟﻙ ﻤﻥ ﺨﻼل ﺘﻌﻤﻴﻕ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﺨﻭل ﻭﺨﻠﻕ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ ﻓﻲ ﺘﻭﺯﻴﻊ ﺍﻷﺼﻭل ﻭ سوء ﺍﻹﻨﻔﺎﻕ ﺍﻟﺤﻜﻭﻤﻲ ﻭﺍﻨﺤﻴﺎﺯ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﻀﺭﻴﺒﻲ ﻭﺍﻟﺘﻭﺯﻴﻊ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﻤﺘﻜﺎﻓﺊ للثروة ﺒﻴﻥ ﺍﻷﻏﻨﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻘﺭﺍﺀ.
واللافت ان وزير المالية العراقي ذاته يقول بان هناك نحو 250 مليار دولار مفقودة في العراق تكفي لبناء عدة دول ومع ذلك لم نجد كلمة فساد في الورقة البيضاء ومن ثم لم تنطوي الورقة على اية معالجات جدية لمواجهة الفساد واستعادة الأموال من الفاسدين.