بقلم: د. أثير ناظم الجاسور
كثيرة هي النقاشات والدراسات التي تناولت مفهوم القوة الناعمة وتأثيرها على العلاقات بين الدول بالإضافة إلى ادواتها التي تُغري الحكومات والشعوب، وكثر النقاش حول إمكانية الدول من ان تستثمر نعومة قدراتها في تحقيق مصالحها التي بالضرورة هي أساس العمل داخل النظام العالمي بعد أن أصبحت القوة الصلبة تحتل مراكز ثانوية في أولويات القوى الفاعلة، لا بل هي ردود أفعال على فعل الحدث الذي على غراره يتم رسم المعادلات الدولية وتقسيم المهام، والسؤال الذي تم تداوله هل القوة الناعمة اكثر تأثير وتدمير من القوة الصلبة؟، وطال الحديث عن القوة التدمرية التي تسببها هذه الفكرة وادواتها واسقط الباحثين جملة من التجارب على إمكانية عرض القوة تحديداً الاجتماعية - الثقافية مروراً بالإجراءات الاقتصادية التي تحمل في طياتها كل الأفكار والمنطلقات الرأسمالية والميول والتوجهات التي من خلالها يتم تطبيق افكار منظري هذه القوة، السؤال الآخر هنا ما هو معيار النعومة التي تؤثر وتدمر الدول من الداخل، وما هو المعيار الذي يحدد ما اذا كانت هي ناعمة ومفيدة بالعفل؟، فهي تمتلك من الادوات التي تساعدهاعلى تفتيت قيم ومعتقدات المجتمعات بالإضافة إلى قدرتها على تحجيم وضع الدول اجتماعيا وثقافياً وايضاً تمتلك المتبنيات التي تساعد على تصدع هذه القيم حتى تصبح الدولة فارغه من محتواها.
لكن السؤال الذي لابد من الإجابة عليه فيما اذا كانت القوة الناعمة محمية بقوة صلبة اقليمية او دولية، اكثر وضوحاً هل بالضرورة ان تكون القوة الناعمة مدعومة بقوة عسكرية او ايديولوجية دينية او سلطة مالية لها القدرة على حماية أهدافها وادواتها فيما اذا تعرضت للانهيار او الفشل؟، وهل بالضرورة كل القوى الاقليمية والدولية تمتلك القوة الناعمة في سياستها الخارجية؟، هنا لابد من ان نتوقف قليلاً او نفكر جميعاً ما هي القوى التي تستطيع أن تفرض قوتها هذه وتسيطر وتهيمن دون رفع السلاح وسماع دوي المدافع ومشاهدة التدمير، لغاية اللحظة الدول سواء كانت قوى دولية او عالمية او اقليمية التي تتبع هذا الشكل من الاستراتيجية بالأغلب لها قدرات اما اقتصادية وتضغط من خلال الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال والشركات العابرة للحدود، وأما تمتلك القوة العسكرية التي تستطيع أن تفرض هيمنتها بالكامل على اقليمها او العالم او نقاط مختلفة منه، وفي كلا الحالتين هي تمتلك الدبلوماسية التي من خلال تنفذ لما تبتغيه من تحقيق المصالح والاهداف،إلى جانب انها قد تمتلك السلطة الايديولوجية الدينية - الذهبية او القومية التي من خلالها تستطيع فرض الهيمنة والنفوذ من خلال أحياء الأفكار والتوجهات التي تؤثر بشكل مباشر على عقول وعواطف الجمهور، بهذه الحالة فإن صفة النعومة التي تعد واحدة من سمات هذه القوة هي بالتأكيد حالة من حالات التدخل بالقوة او الضغط بالقوة لكن بطرق مختلفة.
قد نختلف من ان المقارنة بين القوتين واحدة صلبة واخرى ناعمة لا يمكن في هذه الأجواء او وقع احداهما على الواقع العالمي فالاختلاف هنا يكون نابع بالدرجة الأساس من تأثير الافكار الغربية على باقي المجتمعات ومن خلال الإيمان بكل ما يكتب او ينطق به مفكريهم ومنظريهم، في حين ان هذه التنظيرات تنطلق بالأساس متناسقة مع توجهات القوة الكبرى ونهجها في التعامل مع القضايا المهمة التي تمس امنها القومي، فهي وبواقع التحول الاستراتيجي بالتفكير سواء لصانع القرار او الوحدة القرارية التي تساهم في صناعة القرار بعد أن أدركت ان التدخل العسكري لم يعد يجدي، بالمحصلة فإن القوة الناعمة التي بات الحديث عنها جوهر في اغلب جوانب السياسة الخارجية للدول ما هي إلا صورة اخرى من صور التدخل الغير مباشر الذي يحمل في طياته كافة العناصر التي تضعف الدول وتجعل منها مجرد كيان غير صالح.
أقرأ ايضاً
- المثقف وعودة الخطاب الطائفي
- عودة في الذاكرة.. ماذا فعلنا بعد الديكتاتورية؟
- عودة الإقبال على الذهب والين