بقلم: علي حسين
قبل فترة أثارت مجموعة من المثقفين الهنود عاصفة سياسية، عندما وقعت وثيقة ألزمت فيها المثقفين والنخب الهندية بأن يرفضوا أي تكريم تقدمه الحكومة، وكان 41 أديباً هندياً قد رفضوا أعلى تكريم أدبي احتجاجاً على ما يسمونه تنامي مناخ التعصب في البلاد منذ تولي حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي مقاليد السلطة، آنذاك أصدر عدد من الروائيين والكتاب بياناً قالوا فيه إنهم لم يعودوا قادرين على البقاء صامتين إزاء العديد من حوادث العنف الطائفي وإنهم يشعرون بالغضب من أن كلاً من الحكومة والأكاديمية الوطنية للثقافة، لم تعلق على الهجمات، والتي تتعرض لها النساء والفقراء والمسلمين من قبل الهندوس.
رئيس وزراء الهند لم ينتظر طويلاً فخرج ليقدم اعتذاره لمثقفي الهند، مؤكداً أن حزبه "لم يؤيد يوماً مثل هذه الأفعال العنصرية". ولعل هذه القضية ستدفعنا لأن نطرح سؤال من هي النخبة، ومن يحدد مواصفاتها وما دورها في المجتمع؟.
يخبرنا القاموس الفرنس الشهير "لاروس" بأن كلمة نخبة استخدمت للمرة الأولى في فرنسا عندما احتجت مجموعة من الكتّاب، على رأسها إميل زولا على سجن ومحاكمة ضابط فرنسي اسمه درايفوس العام 1898 زوراً لتبرئة أحد كبار قادة الجيش، فقد نشرت كبريات الصحف الفرنسية على صفحاتها الأولى مقالاً مثيراً لإميل زولا بعنوان "إني أتهم" وفيه يوجه سهام النقد لرئيس الوزراء ووزير الداخلية وقادة الجيش لأنهم زوروا الحقائق، المقال الذي أصبح فيما بعد عنواناً للاحتجاج ودخل قاموس الأدب باعتباره أبلغ بيان ضد التعسف والظلم ، والمثير ان زولا لم يقدم الى المحاكمة ولم يسجن مثلما سجن ناشط مدني عراقي لانه تحدث في الفضائيات عن ملفات فساد تتعلق بمحافظة صلاح الدين .
بالأمس جمعني لقاء قصير مع الصديق والباحث الدكتور فارس كمال نظمي، ووجدته يطرح علامات تعجب حول دور النخب الثقافية في إصلاح البلاد، ويتساءل: كيف يتسنى لأستاذ جامعي أن يصف الاحتجاجات بأنها مضيعة للوقت "ولا توكل خبز"، أعتذر لأنّني رويت حديثاً خاصاً، لكن هذه الأحاديث والتساؤلات تحضر كلما تطلعنا حولنا ورأينا البلد يتفكّك ويضمحل، فيما النخب مشغولة البال بانتظار من سيصبح رئيسا للوزراء، ومن سيتولى الوزارة الفلانية؟.
كان سارتر يقول "إننا"،- ويعني النخبةـ "من سنصنع التغيير لفرنسا، لأننا نعبر عن مشاعر الناس وأحاسيسهم"، في بلادان العالم اليوم نرى أساتذة الجامعة وكبار المثقفين، يخوضون معركة التغيير بصلابة و يصبحون جزءاً من صناعة الحدث اليومي، يصرون على أن تبقى أصواتهم أعلى من أصوات السياسيين.. أما في العراق فقد يأخذ البعض على النخبة ، أنهم يقفون معظم الوقت في منطقة رمادية ليست لها معالم واضحة، في الوقت الذي كان بإمكانهم أن يحركوا المياه الآسنة في "بركة" السياسة والمجتمع، التي يصر فيها ساستنا على إخفاء العلم الوطني جانباً لنعيش تحت رايات مختلفة.