- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الكربلائي لطالبات جامعة الزهراء... اقتدين بالزهراء علما وأخلاقا
حجم النص
بقلم :حسن الهاشمي
نعم انها الرائدة في التربية لأبنائها وابناء المجتمع على حد سواء، فكانت معطاءة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، في علومها الجمة، ومعارفها الناجية التي كانت بمثابة صمام أمان لسامعها والعامل بها، كلامها تسديد معرفي لكل من يروم الحقيقة ويسعى لإيجاد السبل الواضحة في ما يعتوره من مشاكل ومطبات ورزايا هي مبثوثة في حياتنا اليومية، وبطبيعة الحال ان الناس يجتمعون حول العالم لكي يقتبسوا منه آفاق النجاة في هذا الكون الفسيح، والزهراء البتول قد أخذت العلوم من أبيها وزوجها، فانعم واكرم ممن أخذت منهم علومها ومعارفها وفصاحتها وأدبها، وكل ما تحمله من علوم يعد بلسما ناجعا لما تعانيه الأمة من ضعف وخور وضلال.
التاريخ بدوره يذكر لنا نسوة أصبحن نجوماً لامعةً في سماء العلم والفضيلة، وعلى رأسهن سيّدتهن وسيّدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) فالمقامات السامية لها (عليها السلام) وعلومها الزاخرة أهّلتها لأن تقوم بدور التربية والتعليم والتوجيه لـنساء العالم في كلّ عصرٍ ومصر، فكانت نساء عصرها يجتمعنَ حولها ويتلقينَ منها علوم الإسلام ويسألنها عن كل شيء؛ وبدأ تأثير رقعة دورها الرسالي يتوسع شيئاً فشيئاً، فبعد اتقان تأثيرها داخل المنزل على بنيها وقريباتها، شعّ لها شعاعٌ معرفي شمل نساء منطقتها (فكانت تعلّم النساء ما يشكل عليهنّ من الأحكام الشرعيّة والمعارف الإلهيّة الضروريّة، وكان يغشاها نساء المدينة وجيران بيتها) نهج البلاغة لشرح ابن أبي الحديد المعتزلي، ج٩، ص١٣٤.
وحسب ما يذكر التاريخ أنّها (عليها السلام) اتخذت من بيتها منــبراً لتبليغ الرسالة الدعوية، وفي ذلك اشارة واضحة لتنظيم وقت المرأة ما بين أعمالٍ منزلية، وواجباتٍ زوجية، وتثقيفٍ بالعلوم الدينية، لتجمع بين العمل والعلم دون أدنى تقصير في أيٍ منها، فروي عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنّه قال: (حضَرَت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليكِ اسألكِ، فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك، فثنّت [أي سألت سؤالاً ثانياً] فأجابت، ثم ثلّثت [أي سألت سؤالاً ثالثاً] إلى أن عشّرت [أي سألت عشرة أسئلة] فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليكِ يا ابنة رسول الله، فقالت عليها السلام: هاتي وسلي عمّا بدا لك... إنّي سمعت أبي يقول: إنّ علماء أُمّتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور) بحار الأنوار للمجلسي: ج٢، ح٣، ص٣.
وهناك الكثير من تراث السيدة الزهراء (عليها السلام) في شتى النواحي العقدية، والأخلاقية، والفقهية، والقرآنية، والاجتماعية، والتربوية، والزوجية، والوعظية، إذاً ها هو التاريخ يسجل أرقى درجات العلم لامرأةٍ، وعلى نهجها سارت العالمات، فثبت حق التعليم ونشر العلوم والثقافة الحقة بين الاوساط للمرأة الحرة التي لا تفترق عن الرجال الا بحفظ الحجاب والشرف وخصوصياتها المعروفة.
في هذا الإطار وخلال افتتاحه لمجموعة من المختبرات والقاعات والعيادات الحديثة في جامعة الزهراء (عليها السلام) اوصى ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي طالبات كلية الصيدلة باستلهام سيرة الزهراء العلمية التي تضع لمستقبلهن خارطة طريق ليصبحن افرادا فاعلات في المجتمع وبناة لمستقبل واعد.
وأضاف: "ان لكل واحدة منكن اذا تخرجت سيطلق عليها لقب الدكتورة الصيدلانية الفاطمية؛ لان الجامعة التي تدرسن بها هي جامعة الزهراء (عليها السلام) وعليكن ان تعكسوا شيئين رئيسيين: الاول هو المستوى العلمي الرصين، والثاني هو التعامل الانساني والاخلاقي، كونكن تخرجتن من جامعة الزهراء ينبغي أن تضعن دائما فاطمة الزهراء نصب أعينكن في تعاملها الانساني ليس في تعاملكن مع المرضى فحسب بل حتى داخل عائلاتكن، ان العتبة الحسينية المقدسة قد تحملت الكثير في سبيل توفير هذه الصروح العلمية مع توفير الملاكات التدريسية المتميزة التي عليها بذل الجهود في توضيح وتفسير المواد العلمية واعطاء المادة التدريسية حقها وبناء الطالبات بناء تربويا اخلاقيا انسانيا ليحققن النجاح في حياتهن، ومكمن السعادة والنجاح يبتنى على العلم والأخلاق"
وبشأن البناء التربوي والأخلاقي للأسرة المسلمة خاطب الشيخ الكربلائي الطالبات بقوله: "انتن مطالبات بأن تحققن مستوى علمي رصين اضافة الى ان تكون كل واحدة منكن زوجة صالحة للأسرة واما حنونا ومربية ناصحة، وغدا ستصبحن صاحبات عوائل ومن المؤمل ان تقتدين بالزهراء (عليها السلام) علما وتربية وأخلاقا وسلوكا، وهو الغرض من بناء هذه الجامعات".
ومن المعلوم ان حياة الزهراء (ع) قد حفلت منذ الصبا وحتى الوفاة، بنشاط واضح ومتميز لدعم رسالة الاسلام، فهي ومنذ نعومة أظفارها تحاملت على نفسها، وكبتت دموعها، وانطلقت بعزم ونشاط إلى أبيها تزيح عنه الحزن، وتمسح عن خديه الدموع، وتمنحه الدفء والحنان والحب؛ علّ ذلك يعوّض عنه بعض الذي فقده في أمها خديجة، وكم وجدت الزهراء(ع) نفسها بعد ذلك وهي تنزع الأشواك عن قدمي أبيها، وتمسح الدماء عن رجليه، وتزيل عن يديه ووجهه التراب، وتشاطره ما أصابه من ضر واذى لحق به من ثلة الاشقياء الذين لا يزيدهم حلم الرسول الا عنادا وظلما واستكبارا، ولكنها قطفت ثمار جهدها وهي المخلصة لله تعالى في عملها وما أسعدها يوم رن في أسماعها صوت أبيها (ص)، بلحن عذب يهز القلب ويطرب الفؤاد: (ما أسرع ما أصبحت أم أبيك يا فاطمة!! ) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: ج4/ ص377.
هكذا هو الاسلام الناصع بأحكامه، الواضح بقيمه واخلاقه، انه قد صاغ تلك العلاقة وانبثق منها ذلك الشعاع الذي ينير درب الاحرار اينما حلوا وارتحلوا، بمهر قليل جداً، ووليمة عرس متواضعة، وبأمر من الله سبحانه، تم زواج النور من النور، وضم بيت الزوجية البسيط، فاطمة الزهراء إلى علي بن أبي طالب(ع)؛ ليكون مركز الإشعاع الذي سيستمر العطاء الإلهي من خلاله، فيملأ الأكوان بنور الإسلام والقرآن، بعد أن اكتمل الدين على يدي رسول الله (ص)، وتمت النعمة على المسلمين، ورضي المولى سبحانه وتعالى الإسلام ديناً للعالمين.
دأبت فاطمة(ع) على عملها داخل البيت، تنظفه وترتبه، وتدير بيديها الضعيفتين رحى ثقيلة، لتحصل على طحينها فتعجنه وتخبزه، لتقدمه لبعلها كلما عاد إلى البيت، وتقدم له معه كل وسائل الراحة النفسية والجسدية، والمحبة القلبية، والسعادة في الحياة، وتخفف عنه الهموم، وتغسل عن قلبه صدأ الأيام وخُلف الرجال، وانقلاب الناس على الأعقاب.
ودأب الامام علي (ع) على أن يحوطها بكل العناية والرعاية، ويقدم لها ما وسعه من العون والمساعدة في حصتها من العمل داخل البيت، ولا يخفي عنها ما يكنّه لها من الحب والتقدير والود والاحترام.
وتبلغ ذروة الايمان حدها حينما سأل النبي (ص) علياً (ع) بعد زواجه من ابنته الزهراء: (كيف وجدت أهلك؟) لم يكن جوابه وجدتها جميلة أو وجدتها نظيفة، أو..أو... وإنما كان الجواب بما يليق بالزهراء وعلي، وبما هو الحق والصواب: (نعم العون على طاعة الله) مناقب ابن شهر آشوب:ج3/ ص337.
العلاقة التي تفضي الى طاعة الله هي العلاقة الباقية وما عداها تبقى علاقات تسودها الربح والخسارة، ولا يتسامى منها الا ذلك المقدار الذي يكون مستمدا من قيم واخلاق وفضائل، هكذا ينبغي أن تكون الزوجة المسلمة، وهكذا ينبغي أن يكون مراد الزوج من زوجته؛ طائعة عابدة لله، ومعينة لزوجها وأولادها على طاعة وعبادة الله سبحانه، وبهذه العلاقة وحدها يضمن الشريكان وما يتفرع منهما سعادة الدارين وراحة الأجلين، وهو مسعى أهل الحق واليقين.
أقرأ ايضاً
- ماهي الدلالة والرسالة في بث مقطع فيديوي للقاء المرجع الاعلى بالشيخ الكربلائي
- دور المواطن الكربلائي في التاريخ
- من مواقف النفاق السياسي العلماني