- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
طوفان الأقصى.. الفيضان الذي فاجأ الجميع
بقلم: سيف نايف
في 7 أكتوبر استيقظ المجتمع العربي على عملية عسكرية كبيرة شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية بزعامة حركة حماس وجناحها العسكري كتائب القسام في رداً منهم على الانتهاكات الصهيونية في باحات المسجد الأقصى المبارك والاعتداءات المتكررة على الشعب الفلسطيني في القدس او الضفة الغربية.
سميت العملية بطوفان الأقصى والطوفان بحسب ما جاء في التوراة هو فيضان عظيم أغرق الأرض وغمر اليابِسة، أيام نبي الله نُوح، لتأتي العملية العسكرية كالفيضان الذي أغرق الكيان وباغتهم مبعثراً بذلك كل التحصينات الأمنية الكبيرة التي وضعتها إسرائيل.
بدأ الطوفان بواسطة هجوم صاروخي واسع ومكثف شمل إطلاق 5 آلاف صاروخ لم تستطع القبة الحديدية إسقاط أي منها خلال 20 دقيقة استهدف المستوطنات الإسرائيلية من ديمونا في الجنوب الى هود هشارون في الشمال والقدس في الشرق، بالتزامن مع الهجوم الصاروخي تجاوز الشباب الفلسطيني المقاوم الذي يقسم على 14 مجموعة مهاجمة عبر العربات والدراجات والطائرات الشراعية على مستوطنات ومواقع عسكرية للاحتلال الإسرائيلي في محيط 40 كم في غلاف غزة ليتجاوزوا بذلك الجدار العازل الذي وصفه وزير دفاع الكيان الصهيوني السابق بيني غانتس بـ(الاعجوبة الدفاعية الذكية) ليثبتوا ابطال المقاومة بأن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت.
فبعد تجاوزهم للأعجوبة الإسرائيلية المزيفة سيطرت المقاومة على عدد من المواقع العسكرية في سيدروت ووصلوا أوفاكيم ونتيفوت، ليخوضوا هناك اشتباكات عنيفة في المستوطنات الثلاثة ليتمكن بذلك الشباب المقاوم من أسر عدداً كبيراً من القوات الصهيونية واقتيادهم الى غزة مع تمكنهم من الاستحواذ على عدد كبير من الاليات العسكرية الإسرائيلية، لتغير هذه العملية العسكرية المعادلات الاستراتيجية في المنطقة.
شكلت عملية طوفان الأقصى صدمة كبيرة لدولة الاحتلال وحكومته واجهزته الأمنية والاستخباراتية بعد أن استطاعت ليجن جنون نتنياهو ويعلن عن عمليته العسكرية التي اسماها السيوف الحديدية متوعدة بذلك ابطال المقاومة الفلسطينية بدفع ثمن الهجوم، لكن حكومة نتنياهو تدرك تماماً بأن حركة حماس تمتلك ورقة ضغط مهمة الا وهي الاسرى التي اقتادتهم حماس الى غزة.
اسرائيل قامت بالرد على العملية العسكرية للمقاومة بقصف جوي مدمر فقد استهدف هذا القصف المدارس والاحياء السكنية ومخيمات اللاجئين والبطش بالناس العزل من الأطفال والنساء والشيوخ وتحطيم المدينة وحصارها ومنع دخول المواد الغذائية والادوية وقطع الماء والكهرباء مع اتهامات لإسرائيل باستخدام الفوسفور الأبيض المحرم دولياً متجاوزة بذلك القانون الدولي الإنساني.
لم تكترث اسرائيل لكل الدعوات التي طلبت منهم الى مراعاة قواعد القانون الدولي الإنساني في مواجهة المقاومة الفلسطينية وذلك بسبب سقوط هيبتها جراء عملية طوفان الأقصى التي كشفت الفشل الذريع لمختلف مكونات المنظومة العسكرية والأمنية التي استندت إسرائيل إليها في تنفيذ استراتيجيتها، ما أدى إلى تكبدها خسائر بشرية جسيمة قدرت بمقتل حوالي 1300 شخص في الهجوم واصابة 3300 شخص بحسب تصريح المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، كما تكبد الاقتصاد الإسرائيلي بخسائر كبيرة تقدر بما لا يقل عن 27 مليار شيكل (6.97.5 مليار دولار) حتى الآن.
كما بينت هذه العملية مدى مقدرة الشعب الفلسطيني من التحرر فالدعم الذي كان لحماس في هذه العملية جاء من دولة واحدة ليست بعربية لكنها دولة إسلامية وقوة إقليمية مهمة استطاعت دعم حركة حماس وتحويل مقاومتها من الحجارة الى الصواريخ، هذا يعني لو كان هناك دعماً عربياً كالدعم الإيراني لتغيرت المعادلة بشكل كبير، لا بل ذهب بعضهم الى انتقاد حركة حماس متناسين في ذلك القضية الام الا وهي القضية الفلسطينية، وان عملية طوفان الأقصى لها تداعيات داخلية وإقليمية ودولية كبيرة.
داخلياً فأن 84% من الإسرائيليين يعتبرون أن هجوم السبت فشل للقيادة السياسية بحسب استطلاع نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية وبين الاستطلاع أن 94% من الإسرائيليين يعتقدون أن الحكومة هي المسؤولة عن انهيار منظومة الدفاع في غلاف غزة، ويعتقد 56% من الجمهور أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزير الدفاع يوآف غالانت يجب أن يستقيلا من منصبهم في نهاية الحرب، كما يرى 67% من الإسرائيليين أن الفشل الذريع في هجوم السبت الماضي أكبر من فشل حرب عام 1973.
للصراع القائم تداعيات إقليمية ايضاً فأن زحف الصراع نحو الجنوب اللبناني وسوريا هذا الاحتمالية ستؤدي الى اشعال النار في منطقة الشرق الأوسط واندلاع حرباً لن تنتهي ابداً لكن هذه الاحتمالية ضعيفة لأن الكيان يدرك تماماً بأن دخول سوريا ولبنان الى الحرب سيجعل المعركة أصعب بكثير أصعب بكثير بدخول حزب الله الى المعركة مدعوماً من فصائل عراقية والجيش السوري، ومن التداعيات الإقليمية الاخرى هو تبعثر حلم التطبيع الإسرائيلي العربي، فالهجوم الصهيوني البعيد عن الإنسانية ولد زيادة المشاعر المعادية لإسرائيل في السعودية، التي كانت قطعت شوطاً كبيراً في مفاوضات مستمرة منذ أشهر للتوصل إلى تطبيع تاريخي مع اسرائيل برعاية أمريكية، ليس هذا فحسب بل أن ما يحصل في غزة اليوم متن العلاقة ما بين الرياض وطهران وزيادة التعاون لفك الحصار عن غزة.
اما دولياً فقد تباينت المواقف الدولية فالغرب هاجم المقاومة الفلسطينية اما الشرق فأعربوا عن جهودهم لتحقيق السلام بأنشاء دولة فلسطين ووقف إسرائيل من استمرار انتهاكاتها، فروسيا الاتحادية لم تقف متفرجة بل استمرت في طرق باب الشعب المستضعفة لكسب الوقوف في صفها في صراعها الأيديولوجي مع الغرب، اما الولايات المتحدة الامريكية فتجاوزت صدمة طوفان الأقصى ودعمت إسرائيل بالمال والسلاح لمواجهة حركة حماس، وأكدت مجلة نيوزويك الأمريكية إن عملية طوفان الأقصى قد أجبرت البيت الأبيض على مواجهة احتمال اندلاع حرب إقليمية يمكن أن تستهلك الإدارة الأمريكية لأسابيع وربما أشهر قادمة، وهي أسوأ أزمة سياسة خارجية للرئيس بايدن في الوقت الذي يستعد فيه لخوض حملة إعادة انتخابه، فبايدن اليوم امام عدة تحديات قد تطيح برئاسته في الانتخابات القادمة ففي ولاية حكمه اندلع صراعين كبيرين الأول في أوروبا الشرقية والثاني في الشرق الأوسط فهذا يعني إضافة تمويل جديد يقع علة عاتقه بعد أن مول أوكرانيا بشكل كبير، فضلاً عن زيادة التضخم في أمريكا والاضرار الاقتصادية الكبيرة، لذا فإن تفاقم الصراع سيكون كابوساً لجو بايدن يبعده عن الفوز.