خلّفت الحروب التي شهدها العراق خلال العقود الماضية، تركة كبيرة من الأرامل والأيتام والثكلى، بالإضافة إلى تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية، جعلت للأمراض النفسية والإدمان بيئة خصبة، وإن كان الأمر غير معلن بصورة واضحة إلا أنه بات في الآونة الأخير ينتشر ويسيطر على نسبة كبيرة من شباب العراق، ولعل أبرز ما يقلق المجتمع ملف المخدرات، الذي تعود أسباب انتشاره إلى عوامل كثيرة منها المقاهي غير المراقبة والبطالة والإحباط وانعدام الرقابة الحكومية والعائلية وبعض العوامل النفسية، بحسب مختصين.
الخجل من زيارة الطبيب النفسي
إن التحفظ والخجل من مراجعة الأطباء النفسيين سمة تسود غالبية المجتمع العراقي، ما يجعل المدمن والمصاب عرضة أكثر للخطر وتفاقم حالته الصحية، وربما الموت، إلا أن الشاب (م . أ 23 سنة) تمكن من كسر التقاليد الشعبية الدخيلة، والانتصار على الإدمان بعد أن بدأ رحلته العلاجية في ردهة الأمراض النفسية التابعة لمستشفى الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) التعليمي في كربلاء، حيث يقول لوكالة نون الخبرية، إن "حب التجربة دفعني للمرة الأولى لتعاطي المخدرات وبدأت قصتي في بادئ الأمر عندما نصحني أحد الأصدقاء بإيجاد علاج يساعدني للشعور بالراحة والتخلص من الإرهاق فقدم لي نصف حبة وبعد دقائق شعرت بقوة وراحة بالغة، وفي اليوم الثاني ذهبت عنده وسألته عن أسم الحبة حتى أذهب لصيدلية وشرائها فقال أنا أبيعها لك، وهكذا أستمر الحال لمدة (4 سنوات) تقريباً، بدأت بنصف حبة ووصلت لثلاث حبات يومياً، دون الشعور بالراحة مع زيادة في المصروف الذي وصل نحو (25) ألف دينار يومياً".
ويضيف، أن "الشعور بالإرهاق والسهر والتعب بدأ يظهر عند التأخر عن تعاطي الجرعة، بالإضافة إلى الأمراض، الأمر الذي دفعني لمصارحة أهلي بإيجاد حل لمشكلتي خصوصاً فشلت محاولتي للتخلص من الآفة لكن دون جدوى، فذهبت للمستشفى، وكان الاستقبال والمعاملة مبهرة حقيقةً من حيث الكادر الطبي الذي ساعدوني وساندوني في محنتي كي أتخلص من شبح الإدمان، والأعراض النفسية والانسحابية وأتجاوزها بسهولة، وهناك متابعة واهتمام خاص ونظافة وتقديم ثلاث وجبات طعام، واليوم أنا هنا منذ أسبوعين وأتمنى المكوث أكثر هنا لما لمسته من تعامل ممتاز، وحفاظ على الخصوصية والسرية".
ويتابع حديثه، أن "رسالتي لكل من يفكر بالإدمان المعاناة التي عشتها لا أتمناها لعدوي فاحذر من المخدرات إنها أذية على صحتك ومصروفك ونهايتها إما الموت أو السجن، وأما المدمنين فأنصحكم بالذهاب للمستشفى ولا تخافوا من الفضيحة أو الشرطة لأن تجربتي وتجربة من سبقني أكبر دليل على أن الخصوصية والسرية موجودة في هذه الردهة".
من جهته، يبيَّن مدير إعلام مستشفى الإمام الحسن المجتبى، محمد التقي، لوكالة نون الخبرية، أن "الانطلاق الفعلي والشروع بالعمل في الردهة النفسية جاء في شهر شباط 2022، وتحتوي الردهة على إضافات مختلفة عن باقي الردهات في المؤسسات الصحية الأخرى، إذ توفر خصوصية أكثر للمريض الراقد مع وجود غرف خاصة بعدد (15) منفردة لكل مريض مع مرافقها الصحية ووسائل الراحة كافة، ولا يوجد اختلاط ما بين المرضى، مع توفير وسائل الراحة والأمان، وهناك استمارة البحث النفسي التامة لكل مريض راقد وهذا الملف مؤمن وسري جداً لا يطلع عليه سوى الطبيب المختص والباحث النفسي والمتابع لحالة المريض بسرية تامة".
إقبال متزايد على قسم الأمراض النفسية
ويشير التقي إلى، أن "عدد المرضى الذين يرقدون في الردهات يتراوح شهرياً ما بين (40) إلى (60)، أما الاستشارية النفسية تستقبل يومياً نحو (80) مراجعاً، وأغلب الحالات التي نستقبلها تغادر المستشفى بعد الشفاء بالشكل التام واطلاع الطبيب واللجان المختصة على الحالة، وهناك متابعة للمرضى من قبل الطبيب المختص والباحث النفسي بعد خروجهم".
ويكشف عن الخطط المستقبلية، أن "الفترة القادمة ستشهد إضافة قاعة للألعاب الرياضية، ومؤخراً تمت إضافة صالة للأعمال اليدوية والرسم والأعمال الورقية وغيرها من الأعمال الأخرى، وسيتم توفير مساحات خضراء لتكون متنفساً للمريض الراقد".
وفي ذات السياق، يوضح الباحث النفسي الذي يعمل في الردهة، ناصر فؤاد، لوكالة نون الخبرية، أن "الردهة تستقبل الحالات التي تعاني من المشاكل النفسية والصدمات أو الإدمان وغيرها، وتختلف طرق العلاج ومدته، ولكل حالة نظام دوائي خاص بها، وخلال فترة المكوث في الردهة نقدم جلسات تأهيل نفسية للمريض، وحتى بعد مغادرة الردهة نحدد موعد جلسات لبعض المرضى".
ابراهيم الحبيب – كربلاء
تصوير: عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- "ترتيبات" مع الناتو.. هل وجدت بغداد بديلا للتحالف الدولي؟
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية