حجم النص
بقلم:محمد توفيق علاوي قال أمير المؤمنين (ع) في صبيحة يوم العيد: (اليوم لنا عيد، وغداً لنا عيد، وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد)؛ الموضوع الذي سأتناوله هو موضوع إجتماعي ديني متعلق بألإسلاميين من الفئة السياسية التي حكمت العراق منذ عام ٢٠٠٣ حتى اليوم بمختلف طوائفهم من شيعة وسنة وبمختلف أحزابهم وفئاتهم وتياراتهم؛ من كان يطلب مني مواضيع في الإصلاح الإقتصادي والسياسات المالية والأمنية والإقتصادية، فهذا لن يجده في هذا الموضوع حيث سأطرح تلك المواضيع لاحقاً إن شاء ألله؛ لذلك لا داعي لهذا الإنسان أن يستمر في قراءة هذا الموضوع، لأن الموضوع تغلب عليه الصفة الدينية وهو للمتدينيين ومن في دائرتهم من الصائمين في هذا الشهر الفضيل؛ ألموضوع يتناول ألحكام من الذين يدعون إنهم من الإسلاميين بل كل ملتزم بتعاليم الإسلام حتى ولو لم يكن منتمياً لأحد الأحزاب أو الجهات الإسلامية ممن يعتقد بالمقولة أعلاه (كل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد) من يبتغي طاعة الله لنيل الأجر والثواب؛ وإني في هذه المقالة أريد أن أناقش الإسلاميين حسب متبنياتهم الفكرية، حيث المفسدون من ألإسلاميين يمكن تصنيفهم إلى أربعة أصناف: أولهم وأسوأهم هم الفاسدون الذين يتجاهرون بالفساد فضلاً عن السماح لمن هم في دائرتهم من الطبقة السياسية أو حتى خارجها بألفساد وألإفساد ولكن بشرط الولاء، هذا الولاء الذي يجنبهم المحاسبة ويبرئ ساحتهم حتى ولو سرقوا مئات الملايين من الدولارات، ويبرئ ساحتهم حتى ولو كانوا من المتعاونين مع القاعدة، وبألمقابل فمن لم يضمن ولاءهم فألتهم المفبركة موجودة؛ من تهم الإرهاب والقتل والإغتصاب والفساد والتعاون مع إسرائيل وغيرها؛ هؤلاء لا حديث لنا معهم؛ وفي الحقيقة فهؤلاء يرثى لحالهم لأن حسابهم عند الله عسير إن كانوا لا زالوا يعتقدون بالبعث والحساب بعد الموت. أما الفئة الثانية فهم المفسدون الذين يأخذوا ألأموال لأنفسهم بغير حق بسبب إستشراء ثقافة الفساد، وهؤلاء يرتكبوا الحرام بعلم منهم، وهؤلاء على صنفين؛ صنف يؤمل منهم الخير، فيكون عقابهم في حياتهم الدنيا عظيم، فهم مصداق قوله تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، يبتلون هم والمقربون من أهل بيتهم بمختلف الإبتلاءات في هذه الحياة الدنيا، من الأمراض إلى مختلف المصائب بحقهم وحق أبنائهم وأزواجهم فضلاً عن إبتلاءات أخرى كتفكك عوائلهم وفشل أبنائهم وتشوه سمعتهم وغيرها من الإبتلاءات، ويكون هذا الإبتلاء سبباً للعفو عنهم في الآخرة كما في قوله تعالى {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}. والصنف الآخر ممن لا يؤمل منهم الخير، فيكونوا مصداق قوله تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ () أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود16,15]، فهؤلاء لا يبتليهم الله في الحياة الدنيا، بل يعوضهم عن كل حسنة من حسناتهم من صلاة وصيام وزكاة وغيرها من الفرائض بزيادة الرزق وطول العمر وغيرها من نعم الدنيا، فتوفى كل حسناتهم بنعيم الدنيا وهم فيها لا يبخسون كما قال تعالى، فلا يبقى لهم في الآخرة غير النار وعذاب السعير كما هو واضح من قوله تعالى. أما ألفئة الثالثة فهم المفسدون الذين يأخذوا المال لأحزابهم وكتلهم، هؤلاء قد يعتقدوا إن حسابهم أخف ممن يأخذ المال لنفسه، قد يكون لهذه المقولة بعض الصحة، ولكن حسابهم في الآخرة أيضاً عسير، لأن خصمهم في ذلك اليوم هم الشهداء وجرحى التفجيرات والجياع والفقراء من الأرامل والأيتام وجميع المستضعفين الذين تعرضوا للإرهاب وسلبت لقمة عيشهم لمصلحة هذه الأحزاب التي تزعم أنها إسلامية. أما ألفئة الرابعة فهم أصحاب المناصب من ألإسلاميين على مختلف طبقاتهم من المفسدين ومن غير المفسدين من الذين يعتقدون فيما بينهم وبين أنفسهم أنهم أحق الناس بهذه المناصب لما يتمتعون به قدرات وإمكانيات وكفاءات، وإلإسلام يوجب عليهم أن يتصدوا لهذه المناصب حسب إعتقادهم لأنهم أسلاميون، ولكن في حقيقة الأمر أنهم لا يستحقون هذه المناصب لإفتقارهم للكثير من المؤهلات لهذا المنصب ووجود من هو خير منهم وأكفأ وأحق بهذا المنصب؛ فضلاً عن ألإسلاميين الذين يحققون مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة من خلال مناصبهم أو يعينون أقربائهم وأفراد حزبهم في المناصب بهدف ألإستفادة غير المشروعة، بل جميع مشاعر الخيلاء والعجب والتكبر والغرور بسبب المنصب؛ فما هو رأي الإسلام الذي يرفعوا لواءه بهذا الواقع ؟ قال تعالى في كتابه الكريم {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه7]، السر هو ما يخفيه الإنسان عن الآخرين، أما ألأخفى فهو ما يخفيه الإنسان عن نفسه، حيث لا يعتقد بينه وبين نفسه إنه بفعله هذا أو مشاعره قد إرتكب الحرام، لذلك قال تعالى في وصف الإنسان يوم الحساب {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق22]، حيث يكتشف الإنسان في ذلك اليوم أن نيته في التصدي للمنصب وألكثير من أفعاله وتصرفاته وقراراته وأقواله على المستوى العام بل حتى نواياه ومشاعره لم تكن في سبيل ألله لينال الأجر والثواب على ذلك، بل هو إستجابة لهوى النفس، فيكون مصداق قوله تعالى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}[ألجاثية23]، لم يقل ألله تعالى (لا تتبع الهوى) بل قال (إتخذ إلهه هواه) وهي أعلى درجات ألإنحراف عن ألإسلام حيث يشبهها الله بالشرك حين يكون (هوى النفس) هو إله ألإنسان وليس الله. ما هو تقييمنا للحكام في اليابان الذين لا دين لهم على سبيل المثال، الحاكم هناك يحب وطنه ويخلص في خدمة شعبه ويتمتع بأعلى درجات النزاهة والكفاءة، تلك هي نفسها شروط الحاكم في الإسلام، لقد نقلت إلي مقولة السيد السيستاني أعزه ألله (أريد حاكماً يعرف كيف يدير البلد وليس حاكماً يصلي صلاة الليل)، إن هناك شبه إجماع بين علماء ألمسلمين وبالذات علماء خط أهل البيت (أن الحاكم الكافر العادل أفضل من الحاكم المسلم الظالم). إن عين الظلم أن يفسد الحاكم ويغض طرفه عن السراق المفسدين الذين يسرقون أموال الشعب ويفرض على القضاء تبرئة الأرهابيين من المتعاونين مع القاعدة ما دام ولاءهم له، ثم يتهم الأبرياء بمختلف التهم الباطلة. ليعلم المواطن الشريف إنه إن إنتخب الإسلامي غير الكفوء وغير النزيه بنية القربى إلى ألله فإن عمله ليس فيه أي قربى إن لم يكن آثماً، وإنه مأجور لو إنتخب الحاكم المخلص والنزيه والكفوء والمحب لبلده ولشعبه سواء كان شيعياً أو سنياً، مسلماً أو مسيحياً، عربياً أو كردياً أو تركمانياً، هذا هو الإسلام الحق، وليس مقولات المشعوذين (إن لم تنتخب القائمة الفلانية فأنت آثم)، لأنه بتلك الشعارات الكاذبة وصلنا إلى هذا الواقع المزري. إن ألإسلام صفحته ناصعة البياض كبياض الشمس في رابعة النهار، ولكن هؤلاء شوهوا ألإسلام وشوهوا صورة الإسلام، وأستطيع أن أقول بكل ثقة إن تشويههم للإسلام قد لا يقل عن تشويه داعش للإسلام، لإن القاصي والداني يعلم إن داعش فئة ضالة خارجة عن الإسلام، أما هؤلاء فقد خدعوا الناس، وإضطر الناس أن يهتفوا (بإسم الدين باكونا الحرامية)، فألكثير من هؤلاء الذين يزعمون أنهم إسلاميون فإنهم في حقيقة الأمر أبعد الناس عن الإسلام، بل شوهوا ألإسلام ودمروا العراق وأفقروا العباد وكانوا هم السبب لتعميق الطائفية في العراق بشيعتهم وسنتهم، وسياساتهم كانت السبب الأول لدخول داعش إلى العراق وبسبب سياساتهم الهوجاء قتل عشرات الآلاف من الأبرياء خلال السنين العجاف لحكمهم الجائر. لم أجد غير هذه الموعظة ونحن في الأيام الأخيرة لشهر الصيام الفضيل وعلى أبواب عيد الفطر المبارك لكي أعظ نفسي أولاً، والمتصدين من حكامنا وكافة العاملين في مؤسسات الدولة ثانياً وأبناء شعبنا من المواطنين الشرفاء ثالثاً.
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!