بقلم: القاضي عامر حسن شنته
بينت وكالة (EPA) وهي أحدى الوكالات البيئية البارزة التي تعمل على رصد الواقع البيئي ومؤشرات التلوث في العالم، أن بغداد تقع على مؤشر الخطورة،وأن هوائها غير صحي.
وذلك يعني ان الواقع البيئي في بغداد يسير في اتجاهات خاطئة. وان المدينة تُستنزف بيئياً،وتواجه خطراً محدقاً يهدد صحة ساكنيها،ويطيح بجودة العيش فيها.
بغداد التي يصفها الكتّاب بأنها المدينة التي أجمع المؤرخون والرحالة على أنها المدينة التي ليس لها نظير في مشارق الارض ومغاربها،(سعة وكبراً وعمارة، كثرة مياه، وصحة هواء).
بغداد التي لم تتسم يوماً بالعشوائية في تخطيط عمرانها، أو تحسين بيئتها مُذ كانت. ودونك كتاب (دليل خارطة بغداد المفصّل، في خطط بغداد قديماً وحديثاً) لمؤلفيه الدكتور مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة، لتدرك ما أعنيه. أو ماجاء في قانون التصميم الاساسي لمدينة بغداد رقم (156 لسنة 1971). وما تضمنه ملحق القانون من رؤية تفصيلية لواقع مدينة بغداد حتى عام 1990.
وإذا كان النظام الدكتاتوري البائد قد أجهض فرص التنمية الكبيرة لبغداد، والعراق عموماً نتيجة لحروبه العبثية. فإن الحكومات الحالية مدعوة الى إستئناف العمل بتلك الرؤية والعمل على تحديثها وتطويرها لحماية بيئة بغداد والعراق وتحسينها.
والبيئة كما ورد تعريفها في قانون حماية وتحسين البيئة هي (المحيط بجميع عناصره الذي تعيش فيه الكائنات الحية والتأثيرات الناجمة عن نشاطات الانسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، وعناصرها (الماء والهواء والتربة والكائنات الحية).
وقد أوجد قانون حماية وتحسين البيئة عدد من الآليات التي تسهم في حماية البيئة، منها قياس الأثر البيئي للمشاريع، ونظام المراقب البيئي والشرطة البيئية ، والالتزام بالتصاميم الاساسية للمناطق الحضرية وحماية الاراضي من (الزحف العمراني)، وعدم الاضرار بالغطاء النباتي. غير أن الواقع يسير على العكس من ذلك تماماً.
فقد أنتشرت في السنوات الاخيرة،ظاهرة إنشاء المجمعات السكنية الكبيرة في وسط المناطق المكتظة اساساً في بغداد. وتشكلت تجمعات بشرية جديدة، أضافت أعباءً بيئية كبيرة على المدينة وساكنيها وبناها التحتية.
تلك المجمعات السكنية أرهقت بغداد بيئياً وزادت من مشاكلها. ولم تسهم في حل مشكلة السكن بسبب أسعارها الباهضة، فسكنها أصحاب الدخول المرتفعة، ودفع ثمن أعبائها البيئية فقراء المدينة، بسبب الضغط الكبير على شبكات الماء والصرف الصحي والكهرباء والطرق.
في مظهر واضح من مظاهر غياب (العدالة البيئية)، والتي تعني أن جميع الناس بغض النظر عن أية أعتبارات أخرى، لهم الحق في العيش والعمل في مجتمعات أمنة وصحية وخالية من الظروف البيئية الضارة.
وأن لهم الحق في هواء نظيف، ومياه شرب أمنة، والترفيه في الهواء الطلق، والتخلص من النفايات. ان تحقيق العدالة البيئية في بغداد،يتطلب التخفيف من الأعباء البيئية الواقعة على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، والمناطق الأشد فقراً، والأكثر اكتظاظاً بالسكان.
والعمل على تحقيق الرؤية التي وردت في قانون التصميم الاساس لمدينة بغداد بعد تطويره. والذي يجب أن يراعي الحفاظ على شخصية المدينة كونها عاصمة العراق ومركز (ديني وثقافي وتجاري وسياحي). عن طريق إحداث زيادة كبيرة في المناطق الخضراء،ومناطق التسلية والمنتزهات، وملاعب الاطفال.
وإعادة النظر في الأصناف السكنية بخصوص كثافاتها ومواقعها. والعمل على تحديث نظام النقل في مدينة بغداد، من خلال الإسراع في تنفيذ مشروع مترو بغداد الذي أعلن عنه مؤخراً. ونقل المصانع والمعامل الى خارج حدود المدينة. وتحسين منظومة الكهرباء للتقليل من نسب التلوث الناجمة عن استخدام المولدات الكهربائية.
وتفعيل الآليات المنصوص عليها في قانون حماية وتحسين البيئة. مع زيادة (الوعي البيئي) لعموم الناس،عن طريق برامج التوعية البيئية في مختلف المؤسسات والنشاطات المجتمعية والصحافة ووسائل الاعلام.
والتي تأتي تزامناً مع المبادرة التي اطلقتها اليونسكو مؤخراً، بعنوان (صحافة من أجل الكوكب)، التي تهدف الى مواجهة التحديات البيئية وكيف يمكن للصحفيين ان يقوموا بادوار مساندة ومدافعة عن البيئة عن طريق التوعية البيئية.
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟