يتصاعد الجدل في العراق حول تهريب النفط الأسود وسط اتهامات بتورط جهات متنفذة في عمليات منظمة تحقق أرباحا بمليارات الدولارات سنويا. ويُعد الفارق الكبير بين السعر المحلي المدعوم والسعر العالمي المحرك الأساسي لهذا النشاط.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن خط التهريب يبدأ بمنح وكالات شراء، ويُستخدم ميناءا أم قصر وخور الزبير لنقل الشحنات إلى ميناء جبل علي، حيث يُرجح تكريرها في مصفى الرويس.
الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، كشف في منشور له عبر “فيسبوك”، عن خط تهريب النفط الأسود من العراق إلى الإمارات العربية المتحدة، قائلا: “وفقا لمصدر مطلع، بدأ خط تهريب النفط الأسود بمنح وكالات لجهات معينة لشراء النفط الأسود بالسعر الرسمي المدعوم وهذه الوكالات تبيعها بضعفي السعر الرسمي إلى شركات ثانوية”.
وأضاف المصدر أن “تلك الشركات الثانوية تقوم بنقل النفط الأسود عبر الصهاريج من المصافي إلى ميناءي أم قصر وخور الزبير ومن ثم تنقل عبر الناقلات إلى ميناء جبل علي في الإمارات”، مرجحا أنها “تذهب إلى مصفى الرويس في الإمارات الذي يكرر النفط الأسود ويحوله إلى مشتقات نفطية بيضاء”.
والنفط الأسود، منتج نفطي ثقيل، يسمى زيت الوقود عالي الكبريت، ويستعمل في توليد الكهرباء وتشغيل منشآت صناعية وانتاجية مختلفة، وتؤكد مصادر برلمانية وحكومية ومتخصصة بالنفط، أن كميات كبيرة منه تقدر قيمتها بثلاثة مليارات دولار سنويا، تهرب عن طريق شبكات تهريب مدعومة من متنفذين في السلطة.
الخبير المرسومي أشار إلى أن “شركة سومو كشفت رسميا عن قيام 11 ناقلة بحرية سبعة منها معروفة وأربعة مجهولة بتهريب كميات كبيرة من المنتجات النفطية، وتحديدا النفط الأسود باستخدام ميناءي أم قصر وخور الزبير وفي المياه الإقليمية العراقية”.
وأوضح أنه “من المعروف أن العراق ينتج سنويا نحو 18 مليون طن يصدر منها رسميا أكثر من 12 مليون طن فيما يجري استهلاك وتهريب المتبقي منه”، مرجحا أن “السر في تهريب النفط الأسود يتمثل في الحصص التي تستلمها المصانع الانشائية وبالذات مصانع الطابوق والإسمنت التي يزيد عددها الحقيقي عن 1000 مصنع التي تستلم يوميا أكثر من 9 ملايين لتر من النفط الأسود، فضلا عن أعداد كبيرة من المصانع الوهمية التي تستلم كميات أخرى منها وبأسعار مدعومة حكوميا، قدرها 100 الف دينار للطن الواحد لمصانع الطابوق و150 الف طن لمصانع الإسمنت”.
وبين المرسومي أن “تلك الأسعار لا تشكل سوى 20٪ من سعرها في السوق العالمية، وهذا الفارق السعري الكبير هو الذي شكل حافز مهما لشبكة كبيرة من المهربين تستخدم الصهاريج لنقل النفط الأسود من المصافي والمصانع إلى الموانئ العراقية ومنها إلى الخارج باستخدام ناقلات النفط محققة أربحا هائلة تصل إلى مليارات الدولارات”.
وتشكل معامل الأسفلت المؤكسد والصفوة البيضاء، ومعامل الجص والطابوق والثرمستون، التي تقوم شركة توزيع المنتجات النفطية الحكومية بتجهيزها بالنفط الأسود وبأسعار مدعومة، إحدى “بوابات هدر المال العام والفساد” وفقاً لمصادر عديدة.
ويبلغ سعر اللتر الواحد من النفط الأسود 150 دينارا، بعد أن كان 100 دينار، بسبب عمليات التهريب، بحسب أصحاب المعامل في العراق.
وشخص عضو لجنة الطاقة النيابية عدنان الجابري في تصريح سابق، سر عجز الحكومة في ضبط هذا الملف قائلا: “عمليات تهريب النفط الأسود أسهمت بخلل تجهيزي نتيجة اضطراب النقل الرسمي للنفط فشركة سومو تدفع 33 دولارا مقابل نقل الطن الواحد فقط، بينما يتم نقل الطن الواحد من النفط الأسود أو الخام المهرب بـ 135 دولارا، وبالتالي يفضل أغلب أصحاب الصهاريج الأهلية التوجه للعمل في نقل النفط المهرب”.
واتهم الجابري “دول جوار” دون أن يسمها بتشجيع عمليات تهريب النفط الأسود، لأنها تحقق لها أرباحا كبيرة، على حد قوله، مؤكدا أن “هذا التشجيع “هو سر عجز الحكومة عن النجاح في مكافحة التهريب وحسم الملف”، داعيا إلى بذل جهود أكبر لإنهاء التهريب والسيطرة على معابره باجراءات حازمة “فلا مجاملة على حساب اقتصاد البلد”.
وينتج العراق من خلال مصافي النفط في الوسط والشمال والجنوب إلى جانب المصافي الاستثمارية العديدة، نحو 55.900 متر مكعب يوميا من النفط الأسود، بينما يقدر حجم استهلاكه المحلي بـ 31,362 متر مكعب يوميا، وفقا لدائرة البحوث والدراسات في مجلس النواب العراقي، أي أن الحاجة المحلية لا تتجاوز 55% من الكميات المنتجة.
وفي آب 2024، كشف مصدر في رئاسة الوزراء رفض الإشارة إلى هويته، عن نجاح الحكومة العراقية في توفير قرابة 5 مليارات دولار لموازنة الدولة، وذلك من خلال ”تطبيق معايير في عملية تجهيز معامل الإسفلت المؤكسد، ومنع عمليات التهريب وعدم الموافقة على تجهيز أي معمل غير ملتزم بالتعليمات الخاصة”.
ونشر مركز الدراسات البرلمانية في أيار 2023 ورقة بحثية حملت عنوان: “تهريب المشتقات النفطية.. الكميات المصادرة وآليات التهريب“، جاء فيها أن العراق يعاني من تهريب النفط الخام ومشتقاته مما يؤثر على الكميات المتوفرة في السوق المحلية وبالتالي على المستهلك، إلى جانب أثر ذلك على مجمل الحركة الاقتصادية الداخلية، باعتبار النفط هو المصدر الأساسي لدعم الموازنة العامة.
ووفقا لما ورد في الورقة البحثية، فأن مديرية شرطة الطاقة، كانت قد أكدت لمجلس النواب عدم قدرتها على تحديد كميات النفط الخام ومشتقاته التي يتم تهريبها، مشيرة إلى ما تم مصادرته في 2023 والتي بلغت كمياتها حينها (الفصل الأول من العام) 475.798 لترا.
لكن المديرية ذكرت أن تحقيقاتها “لم تثبت تهريب النفط ومشتقاته إلى دول الجوار”، بل أظهرت أن “معظم عمليات التهريب تتم بين المحافظات إلى إقليم كردستان”.
وكشفت المديرية، أن الوسيلة الرئيسية التي تستخدم في التهريب هي الصهاريج المحورة، وأنها تحصل على النفط “بسرقته من خلال خرق الأنابيب النفطية، أو بطرق غير مشروعة من المحطات الرسمية وغير الرسمية ومن الشركات”، ثم يتم نقله من محافظة إلى أخرى وبيعه هناك أو نقله الى إقليم كردستان.
وأكدت المديرية أن عملية النقل تتم وفقا لإجراءات رسمية على الورق ”بتزوير الأختام ومستندات تحميل البوجرات الخاصة بالصهاريج، وبذلك يتم استخدام طرق النقل الرسمية وغير الرسمية كما طرق نيسمية”.
وعدت الورقة البحثية البرلمانية ظاهرة التهريب، بأنها ”جزء من ظاهرة الفساد المركب الذي يعاني منه العراق في مختلف القطاعات”، وأن معالجتها تتطلب “حزمة إجراءات رقابية وقانونية وإدارية”.
يشار إلى أن وزارة النفط قدرت في بيان لها عام 2022، حجم الخسائر المالية التي تتكبدها موازنة الدولة بحدود (خمسة آلاف مليار دينار) سنويا جراء عدم تصدير جميع الكميات المنتجة من زيت الوقود (النفط الأسود) أو بيعه وفقا لأسعار النشرة العالمية، فضلا عن تخصيص جزء منه لتجهيز التجار وأصحاب المعامل بسعر مدعوم.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!