حجم النص
كتب: إياس حسام الساموك مرة أخرى، وقع اعلاميون في أخطاء عندما نقلوا أخباراً تتعلق بالقرارات الصادرة عن القضاء، واخذ البعض يبني على هذه الاخطاء مواقف ويطلق اتهامات قبل أن يعود إلى المراجع القانونية المعتمدة في العراق، وهي التشريعات الصادرة عن البرلمان، أو أن يستشير محامياً أو متخصصاً في مجال القانون. وان حديثي بطبيعية الحال ينصب باتجاه من وقع في خطأ بحسن نيّة، لا من يحاول التضليل والتأثير على الرأي العام بغية مصالح مختلفة منها تأجيج الشارع بالضدّ من مؤسسات الدولة. أغلب عناوين الصحف ما زالت حتى اليوم تطلق خبرا ينطوي على عبارة "براءة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري من التهم التي وجهّها ضدّه وزير الدفاع خالد العبيدي بالفساد، في وقت قياسي لا يتجاوز الساعتين او الثلاثة". دعونا نفصّل كلمات العنوان، لكي نعرف الحقيقة وفقاً للسياقات القانونية، في البداية يجب معرفة نوع التهمة المسندة إلى الجبوري، وهي الابتزاز، لا الفساد كما روّج البعض. العبيدي قال في إفادته بأنه يطلب الشكوى عن جريمة ابتزازه من قبل سياسيين بينهم الجبوري وجميعهم بحسب قوله طلبوا منه عقوداً لحمايته من الاستجواب وهذه العقود أيّ منها لم يبرم، أي أنه اقرّ بعدم وجود فساد. طبقاً للقانون، فأن المحكمة تقوم بالنظر في الدعوى المعروضة امامها بالقدر الذي يطلبه المشتكي، وفي هذه الحالة التحقيق جرى عن ابتزازه في الوقائع التي ذكرها وزير الدفاع، وهي ذاتها التي تطرق اليها خلال جلسة استجوابه مطلع الشهر الحالي، كطلب تعيينات و مبالغ مالية ومجموعة عجلات مرسيدس والعجلات المصفحة، ولم يزد عليها شيئاً أما عن كلمة "البراءة" فهي الاخرى غير صحيحة؛ لأن القرار القضائي صدر وفق المادة 130/ب من قانون اصول المحاكمات الجزائية. بالعودة إلى القانون نجد أن الفقرة (ب) من المادة 130 تتحدث عن نهاية التحقيق في جزأين الاول بالاحالة مع توفر الادلة، والجزء الاخر بغلق التحقيق مؤقتاً لعدم توفر الادلة "الكافية". الفقرة (ب) التي استند إليها القرار تبيّن أن غلق التحقيق واطلاق السراح هو مؤقت لمدة سنتين، والجبوري لا يزال متهماً حتى انقضاء تلك المدة، فاذا توفر دليل جديد يمكن النظر فيه واستئناف التحقيق مرة اخرى، وهي مدة مناسبة لمن يريد التحرّي عن أسانيد لمحاسبة رئيس مجلس النواب عن واقعة "الابتزاز". أي أن الادلة التي قدمها المدعي لا تصلح مع احالة المتهم على المحاكمة لمحاسبته وفق القانون، علماً بأن القرار القضائي هو ابتدائي يخضع لطرق الطعن. وهذا يعني أن الجبوري ليس بريئاً ويجب أن ينتظر سنتين من دون ظهور أدلة جديدة لكي يتحول القرار الصادر بحقه بمنزلة البراءة، ويتم غلق الدعوى نهائياً. في حين أن قرار البراءة وفقاً للمادة 182/ ب تنطبق على عدم وجود أي دليل، او أن فعل المتهم لا يشكل جريمة، أو عند ظهور دليل واضح يفيد بأنه ليس هو من ارتكب الجريمة بل شخص اخر، وفي هذه الحالة فقط يستطيع "البريء" العودة على المشتكي لطلب التعويض لأنه لم يعدّ متهماً، وهذا النوع من القرارات يصدر من محاكم الجنايات والجنح، فلا يحق لقاضي التحقيق الحكم البراءة مطلقاً. ولعل السؤال الابرز الذي يطرح هنا، ماذا قدم وزير الدفاع من ادلة لادانة الجبوري، والجواب واضح، أنهما دليلان لا ثالث لهما، فلم يقدم أي من الوثائق التي صورها الاعلام عند دخوله إلى هيئة النزاهة. الدليل الاول: خمسة شهود، جميعهم بات اسمهم معروفا للرأي العام وهم وزيرا الصناعة والبلديات المستقيلان، ووزير الكهرباء، وقائد عمليات بغداد السابق، ومدير احد التشكيلات التابعة لوزارة الدفاع. وبحسب الافادات فأن جميعهم نفوا امتلاكهم شهادة عيانية أو سماعية عن تورط "الجبوري" بهذه الافعال، بل ان اثنين منهم استنكرا طلب المشتكي سماع اقوالهما عما اعتبراه "صراعا سياسيا داخل الكتلة الواحدة". والدليل الاخر المقدم من قبل العبيدي هو تسجيل صوتي في قرص "مدمج" طوله نحو ساعة ونصف الساعة، "غير مرخص قضائياً"، لحديث داخل الكتلة التي ينتمي إليها المدعي والمتهم بحضورهما. برغم ذلك فأن المحكمة استمعت إليه ولم يتحدث فيه "الجبوري" عن عقود إنما تطرق إلى قضايا سياسية تتعلق بمستقبل كتلته في الانتخابات وهو كلام طبيعي يمكن أن يصدر من أي مسؤول، مع الاشارة إلى أن توجهات محكمة التمييز الاتحادية تفيد بأن التسجيلات الفيديوية والصوتية قرينة لا تصلح وحدها للادانة عن الجريمة بل تحتاج إلى دليل واضح يدعمها. اما عمّن يدعي بضرورة تحليل الصوت العائد للجبوري للتأكد من صحته، فلا داعي من هذا الاجراء لأنه اقرّ قضائياً بأنه هو من تحدث في التسجيل. وبالتالي نحن أمام دليلين، وهما شهود أنكروا قيام المتهم بالفعل، وتسجيل صوتي غير مرخص لم يتطرق فيه المتهم ايضاً إلى الابتزاز وهو قد جرى تسريبه إلى الاعلام ويمكن للجميع الاطلاع عليه. كما صوّر البعض بأن الهيئة القضائية استعجلت اصدار القرار وأوهم الرأي العام بأن الدعوى تتلخص في المدة الزمنية المحصورة بين طلب الجبوري رفع الحصانة عنه وصدور قرار بالافراج عنه، وهذا تصور خاطئ ايضاً. الجواب يكون بالعودة إلى امر السلطة القضائية بتشكيل لجنة هيئة قضائية تحقيقية ثلاثية ومدع عام وقد صدر في اليوم التالي للاستجواب، اي أن التحقيق استغرق نحو اسبوع بداية من الاستماع إلى اقوال المشتكي، والشهود بالاضافة إلى شخص اخر وجدت المحكمة ان الاستماع إلى اقواله ضروري لحسم القضية، فضلاً عن الاستماع إلى القرص المدمج وتفريغه على شكل كتابة والاطلاع عليه مرة اخرى. إضافة إلى أن القضية قد اخذت دورها في هيئة النزاهة بتدوين الاقوال هناك واحالتها على القاضي المختص، واصدار اوامر بمنع سفر واستقدام المتهمين وهي بكتب صادرة من مديرية تحقيقات بغداد التابعة لهيئة النزاهة، وموقعة من قبل القاضي المختص. أن الهيئة القضائية الثلاثية قد خصصت وقتها الكامل لانجاز التحقيق في الدعوى التي هي بالاساس في مرحلة التحقيق ولم تبلغ مرحلة المحاكمة بعد. ولعل المرحلة الاخيرة في التحقيق وبعد استكمال الاجراءات يتم الاستماع إلى اقوال المتهم الذي حضر أمام الهيئة القضائية ودون افادته، وكان لازماً على الهيئة القضائية اصدار القرار وفق الادلة الموجودة. وطبقاً لما ورد، هل من المنطق أن يحاسب القاضي والذي اقسم يمين الحفاظ على العدالة متهم وفق هذه الادلة، وخصوصاً أن الهيئة استكملت كامل الاجراءات التحقيقية قبل الاستقدام ولم يبق لها سوى خياري الافراج أو الاحالة على محكمة الموضوع؟.
أقرأ ايضاً
- نائب عن كربلاء يتوعد شركة تعمل بمشروع كلفته ٤،٥٨٦،٩٥٧،٥٠٠ دينار بإحالة ملفاتها الى النزاهة
- النزاهة العراقية تبحث عن مسؤول "مرتش" في الكهرباء
- وزير الداخلية يفتتح معمل ألبسة منتسبي قوى الأمن الداخلي