بقلم: حسين فرحان
إختار أن لايسجد، أصر واستكبر وتمرد، (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)، لم تنفعه تلك الأحقاب التي أخلص فيها العبادة، فهوى الى الحضيض حين محص بالبلاء..
استعان - محتجا - على الأمر العظيم بقياساته الباطلة ومال الى الكبر والخيلاء والعجب واعتكف في محراب ضلالته وهواه، فصار إبليس الغواية والحاقد الأكبر، باض وعشش وفرخ فملأ الأرض بالمعترضين على حكم الله منذ أن هبطت الأنسانية على الأرض تحمل الأمانة التي عرضت على (السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا).
المثال الحي الشاخص بمكره مازال يرقب حراك جنده وهو الذي أقسم بالعزة أن يقعد على الصراط، يلقي بشراكه فيصطاد من أعانته شقوته واغتر بنفسه ومشى مرحا واغتر بعقله فقاس واستحسن (وَباعَ حَظَّهُ بِالاَْرْذَلِ الاَْدْنى، وَشَرى آخِرَتَهُ بِالَّثمَنِ الاَْوْكَسِ، وَتَغَطْرَسَ وَتَرَدّى فِي هَواهُ)، فرأى فيهم من يتهم الأنبياء بالسحر والجنون، " وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ،،.. ورأى فيهم من اعترض على طريقة نزول القرآن فأعجبه أن ينزل جملة واحدة: " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ".. ورأى فيهم من كانوا ينكرون بعث الموتى كملاحدة هذا الزمان: " وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ " ورأى فيهم من تولى وهو يثرثر بتكرار تهمته الباطلة: "ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ " ورأى فيهم من أدخل الحزن على النبي صلى الله عليه وآله بهذه التهم والأكاذيب " قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ".
ورأى إبليس فيما رأى من صنيع جنده من يأخذ بثياب النبي صلى الله عليه وآله ويجذبه معترضا على حكمه، أومن يقول له بكل وقاحة: (إعدل)، و (يهجر)، ورأى من ينقلب على البيعة ويدعي أن في الوصي دعابة، ورأى من تشدق بأن الأنبياء لا يورثون ورأى مع الأقوال أفعالا تسر ناظريه فحرق الباب وكسر الضلع ولاتدفنوا من لا أحب في بيتي وخيولا أعوجية تطحن الصدر الشريف ورأس على الرماح وسبي وقتل بالسم وحبس بالطوامير المظلمة.
ورأى مذاهب تعمل برأيها وتستأنس برأيه، وتقارن بالمذهب الحق بل تجعله خلف ظهرها.
فرح أبو مرة وقد أضمر البراءة مما يفعله الجند، وانتشى وتمطى وهو يرى مرض الاعتراض يتفشى في حزبه، وكان أشد سرورا وهو يرى أحمق هنا وأبله هناك يبتغي القضاء على بقية الإرث وحملة الرسالة وهو يحمل بوقا يعزف به لحنا غرابيا مقرفا: (أتركوا التقليد.. أتركوا المرجعية..) وأن على المرجعية أن تفعل كذا ولاتفعل كذا.. ويفترض بها أن تقوم بكذا..
لكنه لم يلتفت إلى أن في كل زمان قابض على الجمرة وفي كل زمان يسجر التنور لخراساني يخشى الهلاك ومكي يظهر الطاعة.
((يَا حَنِيفَةُ اُسْجُرِي اَلتَّنُّورَ فَسَجَرَتْهُ حَتَّى صَارَ كَالْجَمْرَةِ وَ اِبْيَضَّ عُلْوُهُ)) فكان الرفض ممن ضعف يقينه وكانت الطاعة ممن محضها وتيقن الحياة الأبدية.
إبليس، رغم فرحه بجموع الحمقى من المتمردين والعصاة قد صعقته الطاعة في مواطن الابتلاء فعاد غريبا وحيدا كما كان حين أبى السجود وسجد ما لايحصى من الملائكة، وقد قطعت أوصاله طاعة رجال اخبر عنهم أمير المؤمنين عليه السلام حين قال: ([ قَوْمٌ ] فِي أَصْلاَبِ اَلرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ اَلنِّسَاءِ سَيَرْعَفُ بِهِمُ اَلزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ اَلْإِيمَانُ..)، حين صدرت الفتوى المقدسة:
(إن من يضحي بنفسه منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضهم فإنه يكون شهيداً إن شاء الله تعالى..)، فكانت الضربة الموجعة للشيطان وأتباعه فعلموا أن غزلهم انتكث وأن هذا الصراع الطويل القديم لم ينتهي بنصرهم مع وجود حماة للشريعة تؤيدهم يد الله وبركات وجود صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.