- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مهرجان بابل والرقص على الجراح..
بقلم: حسين فرحان
عشرون عاما مضت على آخر نسخة من مهرجان المدينة الأثرية ذات الأربعة آلاف ربيعا وخريفا.. هذا ما تناولته الفضائيات في تقاريرها وهي تقدم خبر الترف الحكومي المقرر إقامته عزفا وطربا ورقصا على جراح الأرض الثكلى بأبناءها.. بابل التي تشكو -كسائر محافظات الوسط والجنوب- من نقص حاد في الخدمات ورعاية شؤون الناس فيها، ستحتضن باسم الفن أولئك القادمين من ثلاثين دولة، لا لأجل أن يقدموا فيها العلاج لمريض أو العمل لعاطل أو الحل لأزمة من أزمات البلد.. كل ما سيقدمه هؤلاء طبل ورقص وطرب لا يستقطبون فيه إلا تلك الكائنات التي لا تنتمي للجرح الكبير ولا تمتلك ذاكرة تؤهلها لأن تشعر بمسؤولياتها تجاه بلد حطمته يد الطغاة واللصوص، فصار لعقود مملكة لمؤسس المهرجانات الراقصة المستتر - فيما بعد- بالحملة الإيمانية، كما صار اليوم مغنما وكعكة لسراق الابتسامة من شفاه الطفولة.. الذين لم نر فيهم إلا رب بيت ناقر للدف يعلن عن ترفه الحكومي الذي لا يبرره الفن ولا غير الفن.. فهلا أخبرتنا -أيها المعني بأمر المهرجان- عن الضرورة الملحة لإقامته؟ وهل بلغ العراق حد الامتلاء والتخمة والاكتفاء من كل ضرورات الحياة حتى أعددت العدة للقفزات التي تكسر حاجز الملل من روتين الكفاية والشبع والاستقرار؟.. انظر للخراب من حولك.. ولا تخدع تلك الوفود القادمة لإحياء ليالي مهرجانك وغيره من فعاليات بمظاهر امتدت لها يد الترقيع التي استوزرتها في حكومتك وهي لا تفقه في صناعة الجمال شيئا حيث قالت المحاصصة كلمتها.. انتبه أيها الحاكم لما حولك.. فمهرجانات الغناء والرقص لا تتناسب ودماء الشهداء.. وما زالت الأمة في حدادها ولن ينقضي حزنها حتى ترى أن هذه الدماء قد أزهرت وأثمرت بلدا جديدا يفتخر ببابل الحضارة بسياحة لها وزنها وقيمتها وسط أجواء تتكلم فيها فنون الإبداع والعمارة والنظافة والثقافة والجمال والرقي والتقدم والازدهار.. ولا يشترط وجود المغنين والمغنيات كمظهر من مظاهرها.. إرم بطرفك -أيها الراعي للمهرجان- حيث شئت من هذا البلد.. فلن ترى سوى شعب يساق إلى منتهى الأجل دون أن تكتحل عينه بشيء مما يراه خلف الحدود حيث يحط الرحال زائرا أو حاجا أو سائحا .. ضع لمستك الحكومية على شواطيء دجلة والفرات وأزل عنها درن النفايات ثم قرر أن تقيم المهرجانات.. امنح عوائل الشهداء حقوقهم.. واقض على أزمة السكن.. أعد للمصانع روحها.. أعد للشباب الأمل بمستقبل واعد.. شيد المستشفى والمدرسة والروضة ومدنا جديدة.. انفض الغبار المتراكم على حياتنا واجعل الأرض كسابق عهدها خضراء.. اقتلع ما يهدد سلم المجتمع من سلاح وفساد.. أعد للدولة هيبتها وللقانون سطوته ثم قرر أن تقيم المهرجانات.. أما الآن فلا نظن بنواياك المهرجانية إلا السوء ولا نراه إلا ترفا حكوميا لا قيمة له ولا جدوى، وفيه من الرقص على الجراح الشيء الكثير.. ولربما سيعترض معترض فيقول: ( الحياة ينبغي أن تستمر) فأقول له: (إصنع الحياة أولا ثم اطلب أن تستمر) مع ملاحظة أن استمرارها لا علاقة له بمهرجانات الطرب الوافد من ثلاثين دولة.
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- الضرائب على العقارات ستزيد الركود وتبق الخلل في الاقتصاد