- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الشعائر الحسينية.. دلالات وأهداف ونتائج - الجزء السادس
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
الشعيرة الثالثة: الزيارة
لقد وضع اهل البيت عليهم السلام عنوانا كبيرا يتصدر كل الاعمال الأخرى ويعتبر من اهم الشعائر والذي يتضمن مضامين عالية في الجانب العقائدي والروحي والتربوي. وهو عنوان الزيارة لسيد الشهداء(عليه السلام) الذي حثت عليها الروايات كثيراً حيث ان هناك منجماً كبيراً من الروايات التي اهتمت بهذه الشعيرة دلالة وكثرةً .وتعد ظاهرة الزيارة ممارسة فكرية عميقة تحمل دلالات واسعة .وهذا ما نلاحظة من خلال تناول الموسوعات الحديثية لهذه الظاهرة بشكل مُلفت للنظر وتميزت بها موسوعات الحديث عند شيعة أهل البيت (عليهم السلام)فقد أُلفت الكتب الخاصة بها منذُ بداية عصر الغيبة مثل كتاب كامل الزيارات لأبن قولويه القمي ومصباح المتهجد للشيخ الطوسي وكتاب الأقبال للسيد ابن طاوس والمزار الكبير للشيخ محمد المشهدي. فهذه الكتب وغيرها من الكتب الحديثية تضمنت روايات صادرة عن أهل البيت عليهم السلام في الحث على الزيارة ٠
فأحتلت الزيارة في الفكر الأمامي مكانة مهمة في منظومته الثقافية وهذا يمكن ملاحظته من خلال هذا المنجم الروائي الكبير الذي تضمن روايات تأكد أستحباب الزيارة فأن هذه الروايات بلغت من الكثرة الى حد التواتر .بل أنّ المستفاد من هذه الروايات أنّ الزيارة أصبحت عملاً عبادياً في مفهوم الذهنية الإسلامية وأصبحت من العلامات التي تمتاز بها ثقافة المذهب الشيعي ومن هنا أعتبرت الزيارة للنبي صلى الله عليه واله واهل البيت عليهم السلام في حضور الزائر عند قبورهم وتعاهدها وعند قبور الاولياء والصالحين شعاراً من شعارات المذهب الحق بل اصبحت الزيارة موطناً من مواطن التعبد لله والتي يكون تعظيمها من خلال ممارستها تحصيلاً للتقوى٠
لذا قال البعض من الاعلام انما سميت زيارة (لانها تنطوي على ميل عن عالم الطبيعة ( المادة) والألتفات الى عالم الروحانية). ويقول السيد جعفر المروج (الامامة التي هي اصل من اصول الدين يتوقف التدين بها على زيارتهم فلها دخل في تحقق هذا الاصل الاصيل الذي هو أساس الدين ).
من هنا نستكشف حرص الأئمة عليهم السلام على أهمية هذه الشعائر من خلال زخم التعبئة الواضحة من خلال تكريس الروايات الكثيرة في زيارة الحسين عليه السلام وبيان الثواب الكثير على زيارته وان كان في خوف وانه لا تقية في زيارته (عليه السلام) ، وهذا في حقيقته مسلك اخر من قبل الائمة عليهم السلام تعاملوا به من أجل الحفاظ على الكيان الشيعي من خلال ممارسة ظاهرة الزيارة.
الحث على الزيارة
إن قادة التشريع الإسلامي بدأ بالنبي (صلى الله عليه واله ) وانتهاءً بخاتم الأوصياء الامام الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه). قد اعطوا للزيارة زخماً تعبوياً كبيراً ووضعوا لها الأطر اللفظية الخاصة في صياغة عباراتها.كل هذا لأجل الحفاظ عليها خوفاً من تحويلها الى انماط جافة لا تعدوا لقلقة اللسان .بل ارادوا منها ان تبقى تحتفظ بحيويتها المعنوية التي تحفز ضمير الإنسان ووجدانه وتدفعه الى التفاعل مع مفرداتها التي تشكل محطات روحية وتعبئة عبادية بل انها تعمق الجانب العقائدي في نفس الزائر, وسيأتي بعون الله بيان مقاصد الزيارة في فصل خاص .
فالزيارة اذن ممارسة عبادية ومشروع له وظائف واهداف الغرض منه توسيع ظاهرة ذات ابعاد عبادية لتكون اوسع مما يكون من حالة التعبد في المسجد او في مواسم الحج والعمرة.
لذا نرى ان هناك مجهوداً مكثفة واضحة بشأن هذه الممارسة العبادية من قبل اهل البيت -عليهم السلام - كي تتجذر في نفوس المؤمنين وتبقى محفوظة في وجدانهم وضمائرهم حية يتفاعلون معها ٠ والتي تضمنت من خلال عباراتها( الزيارة) دلالات فكرية واضحة تحمل في طياتها مضامينا عالية من جهة عمق مفاهيمها ودلالاتها، فبعض الزيارات وصفت تلك البقاع بأنها حرم الله، وهذا الوصف يشير الى:
1ـ السعة العبادية من حيث المكان: ومن هذه الروايات هو ما ذكر في كتاب كامل الزيارات:
عن ابي هاشم الجفري قال: دخلت على ابي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام وهو عليل فقال لي :يا ابا هاشم ابعث رجلاً من موالينا الى الحائر يدعوا الله لي .فخرجت من عنده فأستقبلني علي بن بلال، فاعلمته ما قال لي ،وسألته ان يكون الرجل الذي يخرج ،فقال السمع والطاعة ،ولكنني اقول: انه افضل من الحائر، اذا كان بمنزلة من في الحائر، ودعاؤه لنفسه افضل من دعائي له بالحائر، فاعلمته عليه السلام ما قال : فقال لي قل له كان رسو ل الله (صلى الله عليه واله) افضل من البيت والحجر وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر ، وان لله تعالى بقاعاط يحب ان يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحائر منها (والحائر هو مشهد الحسين عليه السلام) ٠
فهذه الرواية الشريفة وغيرها وصفت المشهد الحسيني بمنزلة مكان الكعبة المشرفة .هذاالتنزيل المعنوي من شأنه التوسع المكاني للبقاع العبادية وانها وضعت بمصاف مكة والمدينة وان هذه الاماكن هي حرم الله، كما وصفتها الروايات الشريفة الواردة عن النبي صلى الله عليه واله واهل بيته المعصومين عليهم السلام ، وهذا من شأنه جعل توسع البقاع العبادية لغرض ارتباط الناس بدينها من خلالها وجعلها اماكنا لعبوديةألله عزوجل٠
2ـ التعبئة الروحية في الزيارة: لقد وردت تأكيدات واضحة جدا من قبل النبي(صلى الله عليه واله) واهل بيته المعصومين (عليهم السلام) في نصوص روائية كثيرة، حرصت هذه النصوص الروائية على ايجاد عامل يحفز الانسان لتحصيل مكاسب روحية وعقائديةفي نفوس المؤمنين من خلال ممارسة الزيارة واستيعاب مفاهيمها ودلالاتها التي وظفت هذه الزيارة من اجلها، وهذه المكاسب سيكون لها الشأن والدور الكبير في عملية ضخ معنوي لتربية الفرد الشيعي على القيم الروحية ومحاولة اخراجه من حالة الخمول والكسل الروحي ونقله الى حالة البناء الروحي وانعاشه معنويا كي تضعه على المسار الصحيح،من خلال إيجاد اغراض عبادية وممارسات عبادية اثناء ممارسة الزيارة واستيعاب مفاهيم مفرداتها والتي تتناسب مع التشريعات الالهية ومع خط الايمان بالله ورسوله واهل بيته( صلوات الله عليهم اجمعين ) مفاهيما وسلوكا والاغتراف من فيض حياتهم الروحية والعقائدية والتي تبعث في الإنسان الشيعي الحركة والسلوك القويم لمواجهة اعصار الانحراف الكببر الذي تواجهه البشرية اليوم.
وان نصوص هذه الممارسة لزيارة سيد الشهداء عليه السلام قد تضمنت فقرات اهتمت بتمجيد الله عزوجل وتسبيحه وتوحيده, وهذا من شأنه أن يجذر اهم ركيزة عقائدية في نفس الفرد الشيعي وهي ركيزة التوحيد باعتبارها القاعدة الاساس في هذا الدين العظيم، وهذا أمر في غاية الأهمية ليفتح علاقة الانسان مع عالم الغيب وتجاوز عالم المادة والطبيعة، حيث ان المكان والحيز الحسي سيكون رابطا مع عالم اللامحسوس ويدخل في عملية تصعيد روحي بين العبد وبين ربه تعالى فان جغرافية المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وعرفة ومنى ومشاهد المعصومين(عليهم السلام) تشكل رحلة الانسان الى عالم الغيب والانعتاق من عالم ركام المادة العمياء ، فهذه الجغرافيات الخاصة محطات سفر معنوي للانسان يعرج من خلالها الى ربه تعالى، ولنأخذ هذه الفقرة من بعض النصوص الخاصة بالزيارة التي تتطرق الى هذا الموضوع عبر صيغة الدعاء الواردة في إحدى الزيارات لأمير المؤمنين عليه السلام، المروية في كامل الزيارات(اللهم اني اتقرب اليك بزيارة قبر اخي نبيك ، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره، وانت خير ماتي واكرم مزور)، ففي هذه الفقرة وردت مفردة (عبدك، زائرك، يتقرب اليك) فهي واضحة الدلالة للمسات العبودية والتوجه والتقرب إليه تعالى٠
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة