بقلم: عبد المنعم الأعسم
سنكون موضوعيين اذا ما ابدينا القلق وكومة الاسئلة والخشية من الطمطمة حيال ملف العلاقة بين المركز والاقليم، معبرا عنه في كثرة الزيارات الى بغداد واللقاءات المغلقة بين الجانبين، إذ زادت عن فروض التشاور العادية، مسبوقة بتصريحات رسمية شكلية مكررة، واخرى جانبية (بعضها لنواب) لا تطمئن المراقب على ان الامور تأخذ طريقها الى التسوية وضبط فتيل التوتر.
وسنكون ساذجين اذا ما ناقشنا ملف ميزانية العام 2023 وفصلها الاكثر حساسية الموصول بحصة اقليم كردستان منها على انه قضية حسابات وارقام ونسب وجداول، بخاصة حين انفتح الملف على فاصلة مهمة تتعلق بقضية استخراج وتصدير النفط والغاز وادارة الحقول الجديدة ورسم السياسات المالية العامة وما اثارته من توترات بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان، وسنكون اكثر سذاجة اذا ما فتحنا الملف على احكام الدستور، كمرجعية (وحيدة) لحل الاشكالات العالقة، واستسلمنا لتأكيدات الطرفين التزام تلك الاحكام.
ففي المرة الاولى ستقدم لنا الارقام مؤشرات لموارد مليارية اسطورية تدخل الى ميزانية البلاد لا يصح معها ان نتوقف مختلفين ومتخاشنين عند بضعة مليارات، هي في النهاية لا تخرج عن دورة «الاقتصاد الوطني» في وقت اهدر سوء الادارة وفساد الضمائر واستشراء الجهل المهني اضعاف اضعاف هذا الرقم من المليارات موضع التجاذب.
وفي المرة الثانية، سيكون الدستور حمّال اوجه، ويحمل من التناقضات والنصوص المتضاربة ما يجعل الحق بائنا مع كل طرف، والاكثر من ذلك، ان مواد كثيرة منه تخندقت في ديباجاتها الباردة ولم تتحول، كما يُفترض، الى قوانين تفسح في المجال الى التطبيق، وتسهل ترجمة الاحكام الى الواقع، وتنهي جدلا مضنيا شاء ان ينزلق احيانا الى التهديدات والى خارج فروض الشراكة والمصلحة وحاجات التنمية، فثمة في النصوص الدستورية صلاحيات للسلطة التنفيذية، ونصوص اخرى تحدد صلاحيات الاقاليم والمحافظات، وثمة تداخلات بين الصلاحيات، تُقرأ في الغالب من الزاوية الضيقة، ثم توظف في الصراع السياسي، بعيدا عن روح الدستور ولوازم السياسة الرشيدة.
اقول من السذاجة الاعتقاد بان مثل هذه الخلافات يمكن ان تعالج بالتهديدات والتلويح بالعقوبات، وبكل صراحة، فان بعض التهديدات تنحرف الى لغة تستخدمها الدول في حال اندلاع التوترات فيما بينها، وبعضها يرتد الى النزعة المركزية الواحدية متناسية ان العراق بات دولة اتحادية بالدستور والممارسة والحقائق الشاخصة على الارض، واقول، ايضا، ان الحل المنطقي ينبغي ان يمضي في مسارين، الاول، النأي عن سياسات لي الاذرع وافتعال التوتر في وقت تمر البلاد بعاصفة من التوترات والتحديات المحلية، وثانيا، إعطاء الفرصة لجماعات الخبرة والاختصاص والعقول العلمية والقضائية والاكاديمية المستقلة لكي تدلي برأيها وتقدم حلولا وقائية بديلة عن استعراض القوة، ومن تلويحات قرأناها مؤخرا بالحل العسكري.. وهي الاكثر حماقة من سواها.
استدراك:
«ان علينا تغيير شيءٍ ما في مكان ما.. لنطمئن».
جورج باباندريو
أقرأ ايضاً
- دعوة للمراجعة والتغيير.. عن نظام القبول المركزي في الجامعات العراقية
- الاسوء على المركز والأكثر نفعا للإقليم.. ملاحظات حول الموازنة العامة الاتحادية – الجزء الرابع
- هدوء يسبق العاصفة أم عاصفة إنتهت بهدوء