حجم النص
بقلم: ليث محمد رضا
المارون بتمثال يُكرم الحمار، قرب "باركي ئازادي" في السليمانية يهزون بأيديهم، وقد يبتسمون، متسائلين، ألم يكن القوم يمزحون؟!، ليزدادوا عجبا، وينجلي شكهم بأن الأمر محض عبث، حين يعلمون، أن هذا التمثال هو الثاني الذي شيد بإصرار، بعد أن تعرض الأول للتدمير.
تتضح جدية قيادة "حزب الحمير" في الانطلاق بالعمل السياسي، من خلال موقفها الحازم مع أول اختبار للشكيمة النضالية، برفضها مساعدات مالية من الحكومة قدرها مليوني دينار، منتقدة التخصيصات الهائلة التي تدفع لأحزاب لا تملك أعضاء بمقدار كوادر الحزب الأخذة في الاتساع.
تعمدت التحدث عن هذا الحزب أمام عدد من أعضاء مجلس النواب وقيادات في أحزاب متنفذة، فلمست انزعاجهم من وجوده، خشية مقارنته بأحزابهم، وفعلا المقارنة ليست بصالح أغلب الأحزاب الموجودة داخل وخارج السلطة بمختلف شعاراتها، وإذ يصرخ حانق بأن حزب الحمير لا يمتلك بناء فلسفي- أيدلوجي متكامل، ولا برنامج سياسي- اجتماعي- اقتصادي، فهل كل الأحزاب الموجودة تمتلك هذين الاعتبارين؟.
لم يلبث حزب الحمير أن فتح باب الانتساب لغير العراقيين، ونفذ قراره عمليا بقبول عدد من العمال البنغلادش، وقتها تحدث رئيسه عمر كلول عن أن حزبه لا يميز بين الإنسان وفقا لجنسيته أو هويته الثقافية والفكرية أو الدينية والطائفية"، لافتا إلى أن "الحزب يرفع شعار عولمة النضال من اجل الحمير مما سيجعله حزبا أمميا في نظرته إلى مشاكلها".
كما أن طموحات التوسع دوليا وتصدير الأفكار، لم تغب عن هذا الحزب الفتي الذي تأسس عام 2005، الأمر الذي بدا واضح بعد دخوله على خط التوترات التي تشهدها المنطقة، فيما يبدو سعيا لاستغلال فرص التعددية السياسية في الدول العربية، فبعد مقتل العديد من الحمير في اليمن بسبب أعمال العنف، وكذلك مقتل مجموعة من الحمير في سوريا دون أن يعلموا أن للحمير حزباً بدأ بالمطالبة بمحاكمة دولية للقتلة، وأن عمر كلول ورفاقه منحو الحمار بدلة رسمية مع ربطة عنق.
أجزم بأن هذا الحزب يمتلك مقومات الاتساع والاستمرار في ممارسة الرفس وسائر النشاط السياسي، ولا أستبعد وصوله إلى مجلس نوابنا في وقت قريب، ليزيد جلساته تشويقا، ولكن ستنعدم فرص هذا الحزب في تحقيق أغلبية برلمانية تؤهله لتشكيل الحكومة، بسبب الازدراء الممنهج والعفوي الذي سيواجه نشاطه، إضافة إلى جانب طبيعة نظام المحاصصة في بلادنا التي يشترط اتشاح الأحزاب بألوان طائفية وعنصرية لكي تتقلد المناصب المتحاصص عليها، وكما هو معلوم فأن "حزب الحمير" ليس طائفيا.
يجدر التنويه بأن الفعاليات والتحليلات السياسية، التي تسقط وتشبه عالم الحيوان بالصراع السياسي في مختلف مستوياته، لم تبدأ منتصف القرن الماضي مع تأسيس "نادي الحمير" في أوروبا برئاسة منظره "فرانسوا بيل"، والذي يمتلك فروع في مصر ولبنان وسوريا، بل الأمر يعود بنا إلى أول كتاباً عربياً مكتمل في السياسة، وأبرز نفائس الأدب الخالد الأوسع انتشاراً في العالم، تحفتنا الشرقية- الإسلامية "كليلة ودمنة" الكتاب الهندي الأصل ، الذي ترجم في العراق إلى العربية في مُنتصف القرن الثامن الميلادي أبان العصر العباسي، بعد أن كان ترجم إلى الفارسية من أصله الهندي، بعد ما بلغ ملك الفرس كسرَى آنوشروان (531-579م) من أمرُه وأراد الاطّلاع عليه للاستعانة به في تدبير شؤون رعيّته، فأمر بترجمته إلي اللغة الفهلويّة، وكان ذلك علي يد أديب عبقريٍّ يُعتبر بحقّ رائد النثر العربيّ، وأوّل من وضع كتابًا عربيًّا مكتملاً في السياسة، هو عبد الله بن المقفَّع.
كليلة ودمنة الحافل بخرافات الحيوان فصل ابن المقفع هدف ترجمته، بأنه قصد به استمالة قلوب الملوك وأهل الهزل من الشبان، ليكثر استنساخه، ولا يبطل على مرور الأيام، داعيا طالب الحكمة إلى إدامة النظر فيه، والتماس جواهر معانيه "ولا يظن أن مغزاه هو الإخبار عن حيلة بهيمتين، أو محاورة سبع لثور، فينصرف بذلك عن الغرض المقصود".
*كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- الشماتة بحزب الله أقسى من العدوان الصهيوني
- مجلس الخدمة واستمرار الترّهل
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر