حجم النص
تحقيق: أحمد القاضي
أصبحت حالات الطلاق بين الزوجين في العراق ظاهرة واضحة للعيان، تنتج بسببها أسرٌ مفككة تعيش ظروفاً صحية واجتماعية ونفسية صعبة، ومع إمكانية إيجاد كل طرف (المطلق والمطلقة) حياته الشخصية الجديدة، إلا أن أكثر ما يعانيه بعد الطلاق هم الأطفال الذين يصبحون في طريق مجهول بعد انفصال الوالدين، وبالتالي ظهور أفراد غير فاعلين في المجتمع ويعانون من المشكلات المادية والاجتماعية، وهو موضوع في غاية الحساسية والأهمية يدعونا إلى الوقوف عنده لمعرفة الأسباب والحلول.
فعن المشكلات التي تعترض الأطفال بعد حدوث الطلاق بين الوالدين، يقول أستاذ علم النفس بجامعة كربلاء الدكتور أحمد عبد الحسين الأزرجاوي لوكالة نون الخبرية ان "الطلاق عملية تفكّك أسري تحدث بإرادة الشريكين (الزوجين) فتعصف بالأطفال وتأخذ بهم إلى قضاء مجهول، فهم لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا لوالدين غير منسجمين".
ويتابع حديثه، إن "ما يترتّب على الأطفال في ظل الطلاق هو شعورهم بفقدان الحرمان العاطفي وافتقادهم إلى دفء الأم وحنان الأب، وهي آثار سلبية تؤثر على نفسية وشخصية هؤلاء الصغار وتؤدي بهم إلى مشاكل لا تنتهي".
وعن كيفية تجنّب الآثار النفسية للأطفال عند حدوث الطلاق، يوضّح الأزرجاوي ان ذلك "يتم من خلال استهجان عملية الطلاق من خلال وسائل الإعلام وتكثيف الوعي الديني وان على الزوجين أن لا يفكروا في ذاتهم فقط، بل ينظروا إلى مستقبل أبنائهم والمعاناة التي سيواجهونها من جراء ذلك"، مبيناً ان "تفكك الأسر يؤدي إلى تهديم المجتمع وامتلائه بالصراعات الداخلية لذلك نوصي الأزواج بأن يكون تفكيرهم في مستقبل أبنائهم أولاً ويفضلوها على مصلحتهم الشخصية".
ضحايا ناتجة عن صراع الأزواج
وتتمثل الآثار الناتجة عن الطلاق على الأولاد كما يبيّن الشيخ الدكتور ليث الصائغ بالضرر "الواقع على الأولاد في البعد عن إشراف الأب إن كانوا مع الأم وفي البعد عن حنان الأم إن كانوا مع الأب، وفي هذه الحالة يكون الأطفال عرضة لوقوعهم تحت رحمة زوجة أبيهم بعد أمهم التي من المستحيل أن تكون بالنسبة لهم أماً فيصبحوا عرضة للانحراف و الجنوح".
ويكمل حديثه ان "عدم الإشراف على الأولاد من قبل الوالدين واهتزاز الأسرة يعطي مجالاً لهم للعبث في الشوارع والتشرد واحتراف مهن محرمة، لأن صدمة انفصال الوالدين تكاد تقتلهم بعدما يفقدوا معاني الإحساس بالأمن والحماية والاستقرار حتى باتوا فريسة صراعات بين والديهم خصوصاً إذا تصارع كلٌ منهما في كسب الطفل إلى جانبه حتى لو أدى ذلك إلى تشويه صورة الطرف الآخر أمام ابنه واتخاذ كل السبل الممكنة، فيعيش الطفل هذه الصراعات بين والديه مما يفقده الثقة بهما ويجعله يفكر في البحث عن عالم آخر ووسط جديد للعيش فيه قد يعوضه عن حب وحنان والديه إلى الوقوع فريسة في أحضان المتشردين الذين يقودونه إلى عالم الجريمة".
الموضوع من نظرة قانونية
ومن المشاكل الأخرى التي تواجه الأطفال بعد انفصال الزوجين هي تمسّك الأم بحضانة أبنائها بعد الطلاق ومنعهم من مشاهدة والدهم، أو خلق صورة سلبية عنه في أذهانهم حتى يتسبّب بنفورهم عنه، خصوصاً وان القانون العراقي لا يطبّق الأحكام الشرعية بصورة كاملة حيث يحكم بحضانة الأطفال للأم دون الأب ولا يحق للأخير سوى مشاهدتهم يومين فقط بالشهر الواحد ويجب أن يكون اللقاء داخل المحكمة أو دائرة التنفيذ وبواقع ساعتين فقط، وهذه الفترة لا تكفي لكي يقف الأب على احتياجات أبنائه ومعرفة مشاكلهم، ناهيك عن الحالة النفسية التي يعيشها الطفل نتيجة لهذا اللقاء العابر مع والده.
ويرى الدكتور حيدر حسين الشمري مدير العيادة القانونية في كلية القانون بجامعة كربلاء لوكالة نون الخبرية "ان "هنالك قصور تشريعي لابدّ من معالجته وهو ان المطلق يكون له الحق بعد اقامة دعوى المشاهدة؛ ان يرى ابنه الذي في حضانة مطلقته مرة واحدة كل اسبوعين يحدّدها القرار بما لا يزيد عن ساعتين اثناء الدوام الرسمي والذي يحصل انه يلتقي بابنه حالياً لدى دائرة التنفيذ وهي دائرة رسمية ومكان يختلي مع ابنه ليتابع أموره ويشرف عليه خلال هاتين الساعتين، فاذا ما علمنا ان القانون دائماً يعتبر الأب الولي على الصغير فكيف يحدث الاهتمام والرعاية بساعتين مشاهدة كل اسبوعين فقد وقد لا تجلبه المطلقة الى دائرة التنفيذ وقد تهرب به والقانون دائماً يحاسب الاب من الاعمال الضارة التي تصدر من الصغير تجاه الغير فما ذنب الاب اذا كان القانون يحاسبه على اخطاء صغيرة الذي هو في حضانة مطلقته فعليه ترى تعديل احكام نظام المشاهدة وجعل الأب أن يأخذ ابنه الى بيته يومين كل اسبوعين لكي يتابعه ويلبّي احتياجاته بكفالة ارجاعه عن طريق ضامن له".
كما يلفت إلى ان "الأمر قد يحدث بالعكس تماماً حيث يحصل الأب على حضانة الأولاد ويمنعهم ويحرمهم من أمهم وحنانها، والكثير من الآباء يضعون أبناءهم عند الزوجة الثانية التي لن تكون رحيمة وحنونة عليهم مثل أمهم".
أطفال مشرّدون لزيجات فاشلة
وفي زيارة سريعة لمحكمة استئناف كربلاء الاتحادية، فاجئنا الباحث الاجتماعي فيها الأستاذ حيدر حسنين مهدي ان "حالات الطلاق في كربلاء بتزايد مستمر لأسباب اقتصادية واجتماعية تحدث داخل الأسرة، حتى وصلت دعاوى الطلاق خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2013 إلى (1200) دعوى وأغلبها تنتهي بالطلاق وتخلّف عنها أطفالاً مشرّدين ينقصهم حنان الوالدين ورعايتهما اللازمة".
ويوضح ان "لحالة الطلاق نتائج سلبية بصورة عامة تؤدي الى التفكك الأسري وكلما كانت المرحلة العمرية للأطفال مبكرة اثناء انفصال الابوين يكون اثرها سلبياً اكثر من ناحية العامل الاقتصادي والدراسي والاجتماعي وايضاً غياب الرقابة الابوية اللازمة لبناء تلك الاسرة البناء الصحيح".
ويضيف، "حتى بعد بلوغ الأطفال سن الرشد فإن بصمات الطلاق تبقى شاخصة وواضحة على شخضية الفرد وحالته النفسية، وتزداد المعاناة مع الفتاة دون الفتى حيث تعيش حالة من النقد المستمر لها بسبب والدتها المطلقة وهو خطأ كبير تتحمله رغماً عنها".
ويتابع حديثه ان "الأطفال يبقون في صراع نفسي مستمر، وينقصهم الحنان اللازم سواء من الأم أو الأب حيث يفكر كل طرف بإسعاد نفسه دون النظر إلى الأطفال والمشاكل التي يعانون منها نتيجة لانفصال الأبوين وبالتالي عدم تنشئتهم التنشئة الصحيحة التي تجعل منهم عناصر فاعلة في المجتمع"، لافتاً إلى أنهم "في مكتب الباحث الاجتماعي يحاولون قدر المستطاع التقليل من حالات الطلاق ومعالجة المشاكل بالتوجيه والارشاد والتذكير بالآثار السلبية الناجمة عن الطلاق وخصوصاً التي يتعرض لها أبناؤهم".
دور مراكز الإرشاد والتوعية
ومع تفاقم مشاكل الأطفال الناتجين عن الأسر المفككة والمنحدرين عن أزواج مطلقين، كان لزاماً فتح مؤسسات ومراكز اجتماعية تخصصية تعنى بهذه المشكلات وتضع الحلول اللازمة لها، ومن هنا أخذ مركز الإرشاد الأسري التابع للعتبة الحسينية المقدسة على عاتقه هذه المهمة الإنسانية في توعية وتثقيف الأزواج ومحاولة الإصلاح بين الزوجين المتخاصمين ومنع حدوث الطلاق بينهما، إضافة إلى الوقوف على مشاكل الأبناء وما يعانونه بسبب انفصال الوالدين.
وتقول السيدة سحر محمد رضا؛ نائبة ومسؤولة مركز الإرشاد الأسري: لوكالة نون الخبرية "يأخذ مركزنا على عاتقه الوقوف على المشاكل التي تعاني منها الأسر العراقي وخاصة التي تحدث بين الزوجين والتي قد تنتهي بالطلاق، ولكننا منذ افتتاح المركز وحتّى الآن استلمنا أكثر من 70 حالة طلاق تمكنا بفضل الله من اصلاح ذات البين بين المطلقين ورجوعهم للحياة الزوجية وعددها تقريباً (50) حالة".
وتشير إلى ان "أكثر حالات الطلاق التي جاءت الينا هي بسبب عوز مادي أو الفساد الخلقي، وقد حرص سماحة الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي جاهداً للقضاء على هذه الحالات من خلال توفير مرتبات شهرية لبعض الأزواج أو توفير فرصة عمل لهم من أجل تمكينه بتوفير احتياجات أسرته وتقليل المشاكل التي تعترضها".
ومن الخدمات التي قدمّها المركز هو تحوّله إلى مكان آمن يلتجأ إليه المطلقون للتواصل مع أبنائهم وهي ما تسمى قانونياً بـ (حقّ المشاهدة)؛ بدلاً من مشاهدة الأطفال الصغار في المحاكم التي تترتب عليها آثار سلبية مضاعفة على الأطفال بعد حدوث الطلاق بين الوالدَين.
وتوضّح رضا انه "قد تمّ الاتفاق مع محكمة كربلاء لتحويل دعاوى مشاهدة الأطفال إلى المركز من اجل الاصلاح في ما بينهم وإرجاعهم الى بيت الزوجية من اجل تربيته وتنشئة اطفالهم تنشأة صالحة"، مضيفةً ان "مركز الارشاد وهو المكان الانسب لمشاهدة الاطفال من قبل ذويهم وذلك لان الدخول الى المحكمة سوف يؤثر على حالة الاطفال نفسياً".
وتبقى مثل هذه المشكلات الاجتماعية قائمة مع تزايد حالات الطلاق في البلاد وهي ما تتطلب جهوداً حكومية من قبل الباحثين ورجال الدين، من أجل وضع الحلول المناسبة لها للحفاظ على الأسر العراقية من التفكك لو أخذنا بنظر الاعتبار الآثار السلبية الناتجة عنها وإضرارها بالمجتمع العراقي.
وكالة نون خاص
أقرأ ايضاً
- علاوي يزور كربلاء ويلتقي بحكومتها المحلية (صور)
- كربلاء.. قرار أمني بشأن سير الـ"تكاتك"
- فيديو:فنانون مشاركون في "صرخة غـ...زة" يلتقون ممثل السيد السيستاني بكربلاء