- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الكهرباء.. الشبكة الذكية والحل المتكامل
بقلم: عبدالحسين الهنين
ليس هناك من سؤال تكرر بيننا كعراقيين أكثر من السؤال عن حال الكهرباء، فمنذ عام 1980 ولغاية اليوم تصدرت الكهرباء هموم الناس وتفاقمت الحيرة بعد عام 2003 بطبيعة أن ما قبلها كانت الهموم مكبوتة ولا يتجرأ أحد على البوح بها رغم أن الطلب على الكهرباء قبل عام 2003، لا يشكل إلّا أقل من 20% من الطلب الحالي، إلّا أن زيادة عدد السكّان وارتفاع مستوى الدخل وبالتالي تضاعف المتوفر من أجهزة تستهلك الطاقة بعدة مرّات جعل الطلب يتصاعد بلا سقف منظور.
ابتداءً، يجب الإقرار بأننا لم نمض في الحلول العملية بما يتناسب مع هذا التحدي بل ساد أسلوب التشكّي وجلد الذات تجاه قطاع الكهرباء وساعد في ذلك المئات من خبراء الظهور التلفزيوني الذين يتحدثون في كل شيء عن الكهرباء باستثناء الأسباب الجوهرية لفشل اكتمال هذه الخدمة بل سمعنا من تحدّث عن مؤامرة كونية ضد منظومتنا الكهربائية، لكننا لم نسمع أبدًا معلومة بسيطة وصادمة في نفس الوقت، مثالها أن وزارة الكهرباء لا تعلم العدد الفعلي للمشتركين المُجهّزين من الشبكة الوطنية.
أكتب هذه السطور، وأعدّها وثيقة يمكن المساءلة عنها لاحقاً، لأنني أدرك حاجتنا الى مواجهة مع البيروقراطية الفاسدة، أو لنقل إنها (المتجمدة) أو(المترهلة) لو أردنا تخفيف الوصف التي تعتمد آلية عقيمة لم ولن تتمكن من مسايرة الزيادة السنوية في ارتفاع نسبة الاستهلاك حيث طغى أسلوب ردّ الفعل على المُعالجات والقرارات لأزمةٍ تتكرر ذروتها مطلع كل صيف، لننتظر القرارات (الثورية) أن تظهر على السطح لعلّها تهدئ من غضب الناس، لكنّ أي مطّلع على تاريخ ملف الكهرباء سيجد حالة من (الاختطاف) يعانيها هذا الملف، بما كدّر الحياة العامة وأثّر على السلم الأهلي وخلق بيئة لجني أموالٍ طائلة، سواء كان خلال القانون أو بالاحتيال عليه، وربما هنا نقترب من السبب الرئيسي الذي يديم هذه المشكلة.
أقول إنّها وثيقة لأنّي أتحمل وِزر ما كُتب فيها ومستعد للمراجعة حولها الآن أو بعد سنوات، لثقتي بما تحتويه فنيًا وإدارياً، ولثقتي بأن التكنولوجيا المتقدمة هي حتمية لا مفر من اللجوء إليها مهما طال الزمن.
لا أقول بأن العراق سيصّدر الكهرباء!، ولن أتمنى إضافة محطات جديدة، رغم أن هناك دبيب توّاق و مستمر للإضافة باعتبارها بيئة لعقود كبرى يحيطها الشك، وتلطخها شبهات الفساد و الهدر، في تعاقدات تحتمي بظل استثناءات مجحفة بحق المال العام، فتحت ضغط الحاجة للطاقة تذهب هذه العقود الى شركات بعينها رغم تأكيداتنا بأن هذا المسار من جانب وزارة الكهرباء يُشبه ملأ خزّان مليء بالثقوب فمهما أضفنا من محطّات جديدة، لن نتمكن من سدّ الفجوة بين حجم الطلب والإنتاج المُتاح.
قبل سنتين ونصف، قبلنا التحدي من أجل الحل الجوهري، الذي لم نتمكن من تحقيقه بسبب الممانعة الهائلة لمساره، رغم إننا كسبنا بعض النجاح في وضع هذا الحل على بداية المسار الصحيح وبلغة الهندسة، فإننا أوصلنا هذا الحل الى نقطة الشروع وضغط زرالـ (Start up)، لأجل أن نحصد النتيجة خلال سنتين، وننتهي من هذه القصّة السخيفة التي اسمها "أزمة الكهرباء".
إنه مشروع الحل المتكامل (Integrated Solution) إنه مشروع الشبكة الذكية (Smart Grid) الذي بتنا نخشى عليه شعبياً، لأن جوقة الفاسدين نجحوا عملياً في تشويه سمعة الفريق الذي يعمل بقوّة عليه. لهذا، نكتب هنا من أجل المكاشفة، وتحفيز أبناء شعبنا لأجل الضغط نحو إنجاز هذا المشروع، حصراً وليس غيره ولا بديلًا عنه، لأنه يمثل حلاً معاصراً لمشكلة متفاقمة، وبصرف النظر عمّن يكون على رأس وزارة الكهرباء. الحل المتكامل الذي يحمل جدولًا زمنياً للتنفيذ لواحد من أخطر الملفات المتعلقة بمستقبل الشعب العراقي.
شبكة الكهرباء الذكية هي عملية توظيف للتكنولوجيا الرقمية لتزويد المستهلكين بالكهرباء عبر الاتصال الرقمي من خلال نظام يسمح للرصد والتحليل والتحكم والاتصال لتحسين الكفاءة وخفض استهلاك الطاقة والسيطرة على المفقودات الفنية والادارية (سرقة الطاقة الكهربائية) وخفض التكلفة وتحقيق أقصى قدر من الشفافية والموثوقية في سلسلة إمدادات الطاقة، وهي تقدم حلولا ذكية للتغلب على نقاط الضعف في الشبكة الكهربائية التقليدية باستخدام العدادات الذكية (Smart Meter)، وهي شكل موسع للتكنولوجيا التناظرية التي تساعد في التحكم في استخدام الأجهزة من خلال استخدام الاتصال ثنائي الاتجاه (Two Way Communication) وبسبب توفر الإنترنت في معظم المنازل الأمر الذي يجعل من الشبكة الذكية أكثر موثوقية من الناحية العملية حيث تنقل أجهزة الشبكة الذكية المعلومات بطريقة تمكّن المستخدمين العاديين والمشغلين والأجهزة الآلية من الاستجابة بسرعة للتغيرات التي تحدث اثناء اشتغال الشبكة الذكية، مما يسمح بإمكانية إدارة الطاقة وتقدير الاستهلاك وادارة التكلفة المرتبطة بها سواء كانت لمنزل معين او لمؤسسة معينة لكي يتم ضبط الاستهلاك مع القدرات التوليدية المتاحة ولأن تزويد المستهلكين بمعلومات حول الاستهلاك ألآني المتاح وأسعار الطاقة وتغيرها مع ازياد الطلب او نقصانه فهو يساعد خدمات إدارة الطاقة في الشبكة الذكية على تقليل الاستهلاك خلال أوقات التكلفة العالية في أوقات ذروة الطلب على الكهرباء والتي تتجسد في ثلاثة اشهر تمتد من 15 حزيران الى 15 ايلول.
كذلك يمكن للشبكة الذكية (Smart grid) ان تُستخدم تقنيات الاتصالات كالعداد الذكي والهاتف الذكي والتي تعمل على تقنية (4G) أو أنظمة المراقبة التي تسمى سكادا (Supervisory Control And Data Acquisition) وغيرها الكثير من الاساليب التقنية لجمع المعلومات من نقاط استهلاك و توليد و نقل الطاقة الكهربائية ومن ثم تعديل عمل الشبكة بناء على هذه المعلومات، ولذلك فأن المعلومات التي يمكن جمعها مثل أنماط استهلاك الكهرباء لدى المستهلك (منازل، معامل...الخ) وأنماط التوليد لمحطات الطاقة سوف تساعد في امكانية اضافة انواع من الطاقة المتجددة مثل وحدات الطاقة الشمسية المنزلية التي اوصيت بها حلا واعدا لأنها لا تحتاج الى شبكة نقل او توزيع على عكس حقول الطاقة الشمسية التي تعمل بطريقة الـ(On Grid)، وان هذه المعلومات المهمة عن أداء الشبكة تمكننا من إدارة الشبكة من خلال أتمتة كاملة لعملية تحسين كفاءة و موثوقية وديمومة توليد ونقل و توزيع الكهرباء ضمن حل متكامل (Integrated Solution).
أخلاقياً وأمانةً، أقول؛ إن ما نتحدث به هو ليس اختراعا جديدا فقد شجعت العديد من المؤسسات في جميع أنحاء العالم على استخدام الشبكات الذكية نتيجة توفر قدرة عالية في التحكم بشكل دقيق و التكيف مع حالات الطوارئ والإعطاب التي تقع في شبكات توليد ونقل وتوزيع الطاقة، لكن استخدام عبارة (التحدي) في وصف هذا المشروع انما يتجسد في تجاوز المصاعب التي وضعت ضده بحسن نية او بدونها، ألأمر الذي دعاني ان اصف المشروع بالعمل الشجاع لأنه يعني منع هدر اكثر من (6B$ ستة مليارات دولار سنويا على ألأقل)، ولذلك فإن نجاحه يعني قصّة نجاحٍ بحاجة الى دعمٍ شعبي وتضامن كي تكتمل.
إن مشروع الشبكة الذكية، هو نتاج عملٍ ميداني أمتد لعامين في أقل تقدير، ولأنني غير مصرّح بذكر أسماء من عمل في الفريق، لذا أتحدث بصفة شخصية عن المشروع، لا لغرض الاستعراض، إنما لتحمّل مسؤولية واعية وكاملة عن نجاحه.
لقد واجه هذا المشروع كمّاً هائلاً من المعرقلات والحجج الإدارية الواهية المستندة الى بيروقراطية متجذرة في إدارة الدولة رغم تأكيد جهات استشارية محترمة من ان ما قمنا به مطابق لأفضل المواصفات العالمية المطبقة في دول متقدمة مثل (المانيا، انكلترا، سنغافورا، اليابان .... الخ)، وبعيدا عن الخوض في الجوانب التقنية التي قد تبدوا غير مفهومة للمواطن البسيط اجد من الواجب ان نبسط الموضوع على القارئ من خلال توضيح المواصفات والمنافع والوظائف التي تتميز بها الشبكة الذكية وهي على سبيل المثال لا الحصر:
1- الحد من الاستهلاك المفرط للكهرباء و أن توزيع الكهرباء المدعوم بالشبكة الذكية يجب ان يستهدف تخفيض الاستهلاك بنسبة تتراوح ما بين 20% الى 30% .
2- تحقيق نظام كامل يشمل حماية الشبكة وصيانتها من خلال نظام (Geographic Information System - GIS).
3- ضمان تزويد المشتركين من خلال الشبكة الذكية بالكهرباء ب 24 ساعة.
4- ان يتم تغطية جميع المشتركين في جميع ارجاء العراق في مدة لا تتجاوز ثلاثة سنوات .
5- ان تتميز المنظومة بالسيطرة على الحمل والطلب.
6- ان تتميز المنظومة بالعدالة في توزيع الكهرباء بين المشتركين.
7- ان تكون المنظومة قادرة فنيا على كشف التجاوزات و سرقة الكهرباء لحظيا (Online).
8- ان يكون الاتصال مع العدادات الذكية بشكل لحظي (Online).
9- ان تتميز المنظومة بنظام مسبق الدفع (Prepaid) ونظام الدفع الاجل (Post Paid) وامكانية تحويلها من نظام الى آخر عن بعد دون تغيير العدادات.
10- ان تتوفر في المنظومة خاصية تغيير التعرفة حسب الوضع المستقبلي وبشكل سهل وعن بعد دون تغيير العدادات.
11- ان تتميز المنظومة بحل مشكلة الاختناقات اينما و متى تحصل.
12- ان تتميز المنظومة بإمكانية حل مشكلة توازن الشبكة واكتشاف الأعطال عن بعد.
13- يتضمن تحديث شبكة التوزيع من نفس واردات الجباية من خلال تحويلها من شبكات هوائية الى ارضية بتكنولوجيا أكثر تقدما وهو يختلف عن مشروع الخدمة والجباية السابق بشكل جذري.
وماذا يعني ذلك ؟ انه ترشيد وحماية للشبكة وامكانية تجهيز الطاقة الكهربائية بمعدلات ثابتة و موثوقة للمواطنين تصل الى 24 ساعة و يعني منع التلاعب بمليارات الدولارات سنويا في قطاع التوزيع و يعني تقليص اكثر من نصف مليار دولار سنويا تدفع لشراء الطاقة من المستثمرين و منع احتكار الشركات الكبرى في فرض سطوتها علينا تحت ضغط الحاجة وتهديد السلم ألأهلي والحد من قبول معداتهم دون نقاش حول الأسعار او المواصفات و مدى ملائمتها لأجوائنا أو وقودنا المتوفر.
وأخيراً أقول في تلخيص لجميع مذكراتي ومطالعاتي الرسمية؛ (إن مشروع الشبكة الذكية، هو أفضل مشروع يشهده العراق منذ أن نصبت الأشغال العسكرية البريطانية أوّل مولد للكهرباء عام 1917. وكان موقعه في السراي قرب بناية القشلة بهدف توفير الانارة للسراي والقشلة والمستشفى المركزي البريطاني في باب المعظم).
المصدر: شبكة الاقتصاديين العراقيين