حجم النص
بقلم: سرى آل جواد
في 17 تموز 2016. وافقت لجنة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، بالإجماع على وضع الأهوار في العراق ضمن لائحة التراث العالمي، كمحميَّة طبيعية دولية. ويشير إدراج أي موقع في هذه اللائحة إلى أنه أصبح ضمن المواقع الفريدة التي يجب الحفاظ عليها وإبعاد خطر اندثارها. وواجب الجهات المسؤولة عن المناطق المدرجة توفير الظروف الملائمة للسياحة العالمية.
لقد أَفْضَت أزمة المياه في العراق إلى إِضَاعَة، خصوصًا في المحافظات الجنوبية جُلّ مساحاتها المائية؛ كونها ضمن محافظات المصب لا المنبع، والعراق أحد دول الشرق الأوسط الذي يعاني من الاثار السلبية الناتجة عن ظاهرة التغير المناخي في العالم, كونه يقع ضمن المنطقة الجافة وشبة الجافة، ومما لا يبعد الشَّك أنّ العراقيين على موعد مع جفاف حقيقي، أَحْدَثَت عدة مؤثرات خارجية وداخلية في نقص المياه العذبة، وتحول هذا النقص الى أزمة حقيقية تنذر بعواقب خطيرة، التي تضغط باتجاه استهلاك المياه الجوفية (والتي تقدر بـ 6 مليارات متر مكعب، وهو لا يعتمد عليها) وأنظمة المياه السطحية المتمثلة بالخزين الستراتيجي في الخزانات والسدود, فضلا عن التغيرات المناخية والتزايد في عدد سكان, والتوسع العمراني إضافة إلى وجود عدد من الصناعات والزراعات مما يتطلب توفير كميات كبيرة من المياه. كل هذه العوامل كانت الأساس في الطلب المتزايد على المياه للاستخدامات البشرية, إضافة إلى ذلك المؤثرات الخارجية حول توزيع مياه نهري دجلة والفرات بسبب إصرار الجانب التركي على احتكار معظم المياه ضمن حدودها السياسية. حيث يقدر تدفق المياه من تركيا هذا العام إلى أقل من 20 % مقارنة بالعام الماضي، فهي سعت إلى انشاء (22) سداً على نهري دجلة والفرات و(17) محطة لانتاج الطاقة الكهرمائية, وأنفاق لنقل المياه, وهذه المشاريع تفوق حاجتها الفعلية, كذلك عمدت إيران إلى قطع مياه معظم الأنهر المشتركة مع العراق وتغيير اتجاه مسارها، وبهذا تقوم الدولتان بضرب المواثيق والمبادئ القانونية، التي تنظم عملية اقتسام مياه الأنهار الدولية عرض الحائط. وفي ظل تلكؤ إدارة الموارد المائية في العراق بات واضحًا النقص الحاد في المياه النظيفة المتوفرة التي تسبب فزعًا في المدن العراقية عامة، والجنوبية خاصةً.
وبحسب تقديرات حكومية، فإن الجفاف اجتاح 39 % من الأراضي العراقية، في حين باتت الملوحة تهدّد التربة في المناطق الزراعية بنسبة تجاوزت الـ 54 %، الأمر الذي تزامن مع موسم مطري منخفض جدًا خلال الشتاء الماضي، وتراجع الخزين بنسبة كبيرة، ووصل تقريبًا إلى أقل من 20 % في جميع السدود والبحيرات، قَدَّرَ مصدر حكومي نسبة الخسائر في المحافظات الجنوبية من مياه الأهوار بنسب عالية؛ ووفقًا لتلك الإحصاءات فإن الأهوار خسرت ما يزيد عن 70 % من مياهها العادية، وهو ما يمهد لخطر التصحر خلال الأشهر القادمة، ففي محافظة ميسان خسرت أهوارها المائية بشكل كامل وبنسبة %100، وفي البصرة ما يقرب إلى %70 وفي حين خسرت ذي قار 40 %، بينما فقدت محافظة واسط %30».
وهذه الخسارة الكبيرة من مياه الرافدين قد تسفر عن سحب هذه الأهوار من لائحة التراث العالمي على خلفية الجفاف الذي اجتاحها، والذي أسفر بدوره عن نفوق الأسماك والحيوانات وتراجع السياحة فيها. وهو ما أدى إلى نزوح اضطراري لمربي الجاموس باتجاه المحافظات الوسطى والشمالية، بحثًا عن المياه بعد جفاف أغلب الأهوار.
كل هذه المخاطر تدعو إلى وقفة جادة من قبل الحكومة لمعالجة هذه الأزمة ولإنقاذ ما تبقى من الرافدين، وأنّ الحلول الدبلوماسية لا تزال هي الأوفر حظًا لحل أزمة شح المياه، ولا بدّ من الوصول إلى تفاهمات مائية بين بغداد و دول المنبع كون هناك مصالح مشتركة، وتغيير السياسة المائية في العراق والعمل على تدوير المياه من أجل الاستفادة من المفقودات، إضافة الى معالجة التغيير المناخي من خلال الاعتماد على الاستمطار، الصناعي كما تعمل به دول الخليج وباقي البلدان.
وثمة وسيلة يمكن استثمارها في الحوار مع دول المنبع تتمثل في اعتماد الورقة الاقتصادية سبيلًا للمواجهة، فحجم التبادل العراقي التركي من جهة والتبادل العراقي الايراني من جهة أخرى يوفّر للمفاوض العراقي ورقة جدّ مهمة في مواجهة هذه الأزمة الخانقة.
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!