- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
رؤية ملامح خطة عراق 2050 بين مواجهة التحديات وتوقعات الانجاز
بقلم: د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عقب الذكرى العشرون لسقوط النظام الدكتاتوري السابق تقدم السيد محمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق برؤية أستراتيجية اوضحت الملامح الاولية لخطة عراق 2050، في جوهرها تمحورت حول أهمية وأولوية إعمار البلاد وتقديم الخدمات العامة لمواطني العراق.
المقدمة للخطاب أكدت بإنه قد "آن الأوان لتضميد الجروح والانطلاق نحو مستقبل زاهر لشعب يستحق كل الخير" من خلال متابعة مسار إستراتيجي يركز على "تحرير الانسان والارض من رجس الارهاب والاستبداد".
مسيرة ترجمت بصياغة دستور جديد لعام 2005 "جعل الانسان العراقي (رجلا وأمراة) محوره الاساسي، فتح الطريق أمام بناء دولة المواطنة، ضمن سيادة البلاد واستقلالها ووحدتها".
لاشك ان للدستور العراقي مكانة محترمة الامر الذي يستوجب الالتزام الدائم بإحترام حقوق الانسان حرياته الاساسية معليا اولوية الهوية الوطنية العراقية في ظل دولة المؤسسات "دولة المواطنة" بعيدا عن دولة المكونات التي تعمد للفرقة والانقسام بدلا من استيعاب وتفعيل دورالطيف الجميل الثري في بناء الدولة.
أصاب السيد رئيس الوزراء الهدف الستراتيجي بالقول أن شروط النهضة متوفرة: "لاتعوزنا الموارد البشرية او الكفاءات العلمية، ولاتنقصنا الثروات الطبيعية وغير الطبيعية، والموقع الجغرافي". مستدركا:إن "ما ينقصنا هو وضع الخطط العلمية والبرامج العملية، وتنفيذها بحزم في كل المجالات".
من منظوري المتواضع يمكنني ايضا أن اتفق مع مضمون المقولة معززا أياها بإهمية ترجمة الافكار والمقترحات إلى تطبيق دقيق وتفصيلي لكافة بنود الخطة الستراتيجية المقترحة لـ"عراق 2050" من خلال تفعيل حقيقي للارادة السياسية القيادية المستقلة والمهنية في توجهاتها على المستويين المركزي الاتحادي والاقليمي للمحافظات.
علما بإن السيد رئيس الوزراء العراقي ومن منظور وطني أكد أهمية الاستمرار بتطبيق صارم لبنود البرنامج الوزاري الذي عد متكاملا هدفه "معالجة أكثر المشاكل إلحاحا" إتساقا مع اولوية التخلص من العقبات التي على رأسها إزالة الفساد المالي والاداري. سياق بلورته مبادرة مبكرة لحكومة السوداني هدفت منذ الايام الاولى لتسنمه إدارة البلاد العمل على ملاحقة "الفساد واستهداف مراكزه وأدواته أينما كانت".
من هنا اعتبر مكافحة جائحة الفساد معركة كبرى لايجوز التهاون فيها وإلا وفقا لوجهة نظر السيد السوداني "خسرنا كل معاركنا الاخرى". لاشك ان الحرب ضد الفساد تعد الوجه الاخر المقابل للحرب ضد الارهاب بكل صوره واشكاله ما يقتضي بالضرورة الاستعداد المستدام للمجابهة الشاملة المستدامة إنطلاقا من المحيط الوطني تفعيلا وتمكينا للموارد البشرية خاصة المؤهلة والمتخصصة تعززها موارد اقتصادية – مالية وتقنية مناسبة.
دور مستقبلي ينتظره العراقيون كافة لأنعاش مكانة بلادنا الجيوسياسية والاقتصادية والتقنية وإنقاذها من حالة الضعف والهشاشة المؤسسية في الاداء والمتابعة في تلبية أحتياجات الفئات الفقيرة ، المحرومة والمهمشة.
ضمن منظور كهذا لابد من تنامي أهمية المواجهة الجادة علميا وعمليا للتحديات الانسانية المستدامة عبر الافادة من عبر ودروس التأريخ السياسي – الاجتماعي تأسيسا لإستراتيجية شاملة واقعية هدفها صياغة منهج جديدا للتفكير لعالم يحمل تغيرات ومتغيرات محدثة سريعة الايقاع أتساقا مع إتقاء حالة عدم التيقن للنتائج المتوقعة خاصة التي تؤثر على السلم والامن المجتمعي والاقتصادي.
من هنا، لابد من الاعتراف بصحة مقولة العالم الفيزيائي الشهير أينشتاين Einstein حول عدم إمكانية إيجاد حلول ناجعة للمشكلات الاساسية التي نواجهها اليوم بنفس طريق أو طرق التفكير التي تم اعتمادها في وقت نشوبها.
إذن كونها إستراتيجية تنموية إنسانية مستقبلية متوازنة ستبدو مع مصداقية "شرعية ديمقراطية الانجاز" صالحة للتطبيق زمانا ومكانا في مختلف مجالات حياتنا. تصور سارع لتأكيده الخبير الاقتصادي في مجال التنمية الانسانية المستدامة جفري ساكس Jeffrey Sachs حيث دعى العالم لبلورة إستراتيجية عالمية تأخذ صورة تحالف عالمي Global Compact يتضمن ابعادا ليست فقط سياسية واقتصادية بل جوهرا ذا طبيعة كونية لاتختص فقط بإستخدام المال على أهميته لتلبية الاحتياجات والمطالب الانسانية بل وبضرورة ترجمة الافكار ومقترحات لحلول الازمات المركبة والمعقدة تغطي ما يلي من مجالات مثل: محاربة الامراض والاوبئة، تنمية العلوم والتقنيات والمناهج العلمية، والاستمرار بخطط بناء رصين للبنى التحتية وخدمات للماء والكهرباء والصرف الصحي وحماية للبيئة بالتوازي مع تعزيز جهود حقيقية مثمرة لمواجهة الفقر والبطالة وانتشار المخدرات وغيرها من الامراض المجتمعية – الاقتصادية من خلال خلق فرص عمل مستقبلية للعمل المنتج والمجزي بل والمبدع أكثر منها الاهتمام فقط بأتساع نطاق وحجم الموازنة التشغيلية على حساب الموازنة الاستثمارية.
إن النجاح وفقا لرؤية جفري ساكس في محاربة الفقر يتطلب إنطلاق حقبة زمنية يسودها تفكير وجهد غير تقليدي جدية وجديدة ترتبط بتغير النسيج الحضاري الذي يحكم عالم اليوم. السؤال بالنسبة لنا في العراق : هل نحن على قدر التحدي الستراتيجي حكومة وشعبا ؟؟ الجواب لازالنا بإنتظار التحقق منه عبرالمضي بشوط إستراتيجي يبتدأ بالمدى القصير ومن ثم المتوسط وطويل الاجل والهدف الانتقال النوعي لعهد جديد بدماء شابة جديدة متخصصة مهنيا وليس فقط أكاديميا الامر الذي يقتضي منا توضيحا متوازنا موضوعيا لجزء محدد من الصورة الكلية للمحاور التالية :
أولا : حيوية تكثيف كل الجهود الوطنية الحكومية وغير الحكومية "الشعبية" لإنجاح الحملة الوطنية بعيدا عن استمرار نظام المحاصصة للنظام السياسي للمكونات تأكيدا لهوية العراق الوطنية التي لابديل عنها مهما كانت أهمية الهويات الثانوية (الدينية – الطائفية – العرقية والقبلية – العشائرية والجهوية).
ثانيا : ضرورة استيعاب وتمكين الكفاءات العراقية المتخصصة من الجنسين لبناء عراق حديث يستطيع التغلب من خلال إدارة وحكم رشيد Good Governanceعلى أزماته السياسية – الامنية ، المجتمعية – الاقتصادية والثقافية والتربوية والبيئية وغيرها.
ثالثا: لابد من إيقاف هدر الاموال وكل انواع الفساد السياسي – الاداري – الاقتصادي والمالي بل و الاخلاقي – القيمي والبيئي الذي لن يتأتي إنجازه إلا من خلال إتساع نطاق الوعي والمعرفة المجتمعية والاعلامية التي تسلط الضوء على مشكلاتنا وأزماتنا بقصد المعالجة السليمة والمحاسبة الجادة والشفافة في إنفاذ القانون وتطبيق برامج عملية وعلمية إحقاقا للعدالة الاجتماعية لمواطني بلادنا الحبيبة الامر الذي يستوجب بالضرورة إعادة الهيكلة وتحصين مؤسسات بلادنا من الامراض المجتمعية والاقتصادية والثقافية الناجمة عن ضيق الافق او محدودية التوجهات التقليدية إتساقا مع إصلاح حقيقي وجذري للنظم السياسية – الامنية - الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية- الثقافية . إذن لابد من تفعيل جاد لدور فاعل ومؤثر مجتمعيا وسياسيا لمؤسسات الدولة الاساسية : (التشريعية ، التنفيذية ، القضائية والسلطة الاعلامية الرابعة بما تمثله من إعلام تقليدي وإعلام جديد من خلال متابعة وتقويم وسائل الاتصال الاجتماعي).
رابعا: أهمية تأسيس بنك للمعلومات عن مختلف مسارات مجابهة التحديات والازمات يستقي معلوماته من مصادرمهنية واكاديمية معتمدا مناهج حديثة جدا للبحث العلمي المزدوج A Mixed Research Approach العلمي الوصفي والكمي خاصة منهج دراسة الحالة Case Study Approach ومنهج النشاط الفاعلActive Research " "الميداني" ليس فقط تشخيصا للمشكلات والازمات بل وضرورة عاجلة لطرح افكارا ومقترحات وحلول جادة معمقة تلبي كافة إحتياجات ومطالب الشعب العراقي خاصة التي تختص بالفئات الهشة المهمشة والضعيفة من الفقراء والمحرومين. لعل نموذج طرح موازنة لثلاث سنوات (2023 -2026) مسألة تستدعي قبل تطبيقها الاستناد لوجهات نظر المتخصصين ليس في علم الاقتصاد والمالية العامة بل وبالعلوم الانسانية - الحياتية كونها ستنعكس ولاشك في آثارها الجيلية – إن أيجابا أم سلبا- على مستقبل مجتمعنا العراقي بكل طيفه الجميل.
خامسا: إن برامج الاصلاح الجادة والمهنية لابد أن تتم في مجالات التنمية الانسانية المستدامة حيث يفترض أن تستقطب ادوارا مؤثرة للكفاءات المتخصصة الفاعلة للقطاعين العام والخاص تعمل في ظل تشريعات قانونية حكيمة وشفافة أوإجراءات عقلانية متنورة تهدف لبناء عراق حديث بمكنته إستمرارالتكيف مع متغيرات العالم الخارجي بيسر وفقا لمبدا المصالح المتبادلة أو معادلة الكسب المتبادل Win-Win Equation الامر الذي يقتضي الاعتناء بتاهيل واستقطاب الكفاءات التفاوضية لحل أزمات مركبة من نماذجها : الامن الاقليمي والمياه مع دول الجوار (تركيا ، ايران وسوريا) والتغيير المناخي القاسي بيئيا كنتيجة لافتقاد الاحزمة البيئية الخضراء وبالتالي أنتشار الجفاف والعواصف الترابية في ظل درجات حرارة تتجاوز الخمسين مئوية.
أخيرا : إن بناء عراق الغد يفترض أن يتم وفقا لمعطيات إستتباب الامن والاستقرار وصولا لحالة الامن الاجتماعي والاقتصادي هذا من جهة ووفقا لمقاييس ومؤشرات التقدم والانجاز الحقيقي في عالم الاقتصاد والتنمية الانسانية المستدامة . لعل من المناسب الاشارة إلى إن صناع القرار في العراق لابد أن ينفتحوا على العالم الخارجي خاصة المتقدم منه للاستفادة من تجاربه وخبراته الناجحة إستثمار لجهد وطني لايقل أهمية من كفاءات عراقية اثبتت وطنيا وعالميا جدارتها هي إما مهجرة أو مهمشة أو معرضة للمخاطر الانسانية المستمرة مهددة كرامة الفرد والمجتمع ولاتسمح بتوفر ربما بأدنى شروط المناخ السلمي الحقوقي والعادل للتقدم العلمي والتقني بل وحتى للعيش الامن الكريم والمكرم.