تنتظر أم همام (26 عاما)، بقلق وتوجس، القرار الذي ستعود به المحامية الموكلة عنها في قضية الطلاق التي رفعتها منذ خمسة أشهر، نتيجة للمشاكل التي عصفت بحياتها الزوجية.
وتقول أم همام، إن زواجها تم بعد قصة حب بدأت في الجامعة وانتهت في محكمة محافظة واسط، بسبب تكرار الخيانة من قبل الزوج، الأمر الذي أجبرها على التمسك بقرار التفريق، حتى وإن اضطرها الأمر التنازل عن حقوقها.
ووفقا لإحصائيات مجلس القضاء الأعلى المنشورة على موقعه الإلكتروني، فإن العام 2023 سجل معدلا مرتفعا بحالات الطلاق حيث بلغت لغاية شهر تشرين الثاني الماضي 68.049 حالة، أي بمعدل نحو 206 حالة في اليوم، وما زالت إحصائية الشهر الأخير من هذا العام كانون الأول الحالي، لم تصدر بعد، في حين بلغت إحصائية العام الماضي 65.802 حالة، أي بمعدل 180 حالة طلاق في اليوم.
وفي مكان آخر من محكمة واسط، انسابت دموع علي اللامي (32 عاما) وهو يودع أطفاله، بعد انتهاء وقت المشاهدة الشهرية المخصصة له، ويشير إلى أن "الندم لن يجدي نفعا، فزواجي من فتاة قاصر تلبية لرغبة والدي، انتهى بالطلاق والتفريق، وكان الأطفال هم الضحية".
ويدعو اللامي أقرانه من كلا الجنسين إلى "التحلي بالصبر في اتخاذ قرار الزواج أو الطلاق، وعدم اتخاذه بعجالة".
ومنذ سنوات عدة شخّص متخصصون تزايد معدلات الطلاق في العراق عاماً بعد آخر، وقرعوا جرس الخطر إلا أنه لم يتم اتخاذ أية معالجات لهذه الظاهرة، وحددوا عدة أسباب لتنامي ظاهرة الطلاق، أبرزها الزواج المبكر والوضع الاقتصادي ومواقع التواصل الاجتماعي وتدخلات ذوي الزوج أو الزوجة أو الأصدقاء بحياتهما الخاصة.
أكثر من سبعة آلاف دعوى للتفريق تلقاها المحامين في محافظة واسط، حُسم منها 2160 دعوى خلال العام 2023، يقابلها قرابة الـ11 ألف حالة زواج، مشكلة يرجع أسبابها رئيس اتحاد الحقوقيين في واسط، حركات العبودي، إلى عدم "النضج الكامل" لدى الطرفين قبل اتخاذ قرار الزواج.
ويضيف العبودي، أن "الإجراءات المتبعة في التفريق بين الزوجين، وبالرغم من مرورها بمراحل عديدة ومحاولات ثني الطرفين عن المضي بالطلاق، إلا أنها لا تشكل مانعاً من تحقق التفريق إلا في حالات قليلة".
ويرى العبودي، أن "انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وغياب اللقاءات الأسرية، والعوامل الاقتصادية، كلها أسباب فاقمت من مشاكل الطلاق".
كما أن حالات زواج القاصرات تفاقمت وفقاً لمسؤولين في وزارة الداخلية، إلى نحو 50 بالمئة عما كانت عليه عام 2011، ما نجم عنه ارتفاع حالات الطلاق والعنف الأسري وزيادة معدلات الانتحار.
وبحسب نتائج المسح الوطني للمرأة العراقية، الذي تم تنفيذه بالشراكة مع الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط الاتحادية وهيئة إحصاء إقليم كردستان، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان مكتب العراق للعام 2021، بلغت نسبة النساء اللواتي تزوجن قبل بلوغهن سن الـ18 عاما 25.5 بالمئة، بينما أظهرت نتائج المسح أن نسبة المؤشر نفسه في كردستان بلغت 22.6 بالمئة.
مسؤولة شعبة تمكين المرأة في محافظة واسط، نادية الشمري، توضح أن "واسط تعتبر من المحافظات التي سجلت أعداداً خطيرة في حالات الطلاق، لذلك بات إعداد برامج تدريبية في إدارة الحياة الزوجية، وجعل اجتيازها جزء من شروط عقد الزواج، عامل سيسهم في عدم الوصول إلى الطلاق".
وتتابع "المحافظة وضعت خطة لنشر موظفات خضعن لتدريب بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، للتحذير من مخاطر الزواج المبكر، أو الذي يتم خارج المحاكم".
وتحذر الشمري "من العواقب الأخرى التي تعقب قضايا الطلاق، من قبيل أوضاع الأبناء في المدارس والمشاكل الاجتماعية التي تواجههم، إضافة إلى المشاكل التي تنشب بين ذوي المطلقين والتي وصلت في بعض الأحيان إلى مراحل متقدمة".
وكان المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، حذر العام الماضي، من خطورة تدهور الوضع الاقتصادي والذي بدوره أثر بشكل كبير ومباشر في ازدياد نسب الطلاق بشكل غير مسبوق، وأكد أن العامل الاقتصادي يشكل ما نسبته قرابة 50 بالمئة من حالات الطلاق وأخرى بسبب زواج القاصرات والتعامل السيئ لمواقع التواصل الاجتماعي وبدورنا نطالب الحكومة إيجاد الحلول المناسبة للحد من هذه الظاهرة.
الباحث الاجتماعي، وشيوخ العشائر، ورجال الدين، عناصر يعتبرها الناشط المدني في واسط تمار كاظم، من الممكن أن "تشكل حواجز صد أمام الطلاق، إذا ما أخذت أدوارها بشكل صحيح وفي وقت مبكر، قبل تراكم الأمور".
ويؤكد كاظم، أن "الطلاق بهذه الأعداد في المجتمع العراقي، أمر يستدعي أن يأخذ كل من المؤثرين دوره في تغيير نمط وثقافة الزواج ومعايير اختيار الشريك".
وينبه إلى أنه "على ذوي الطرفين العمل على التهدئة، وتحكيم العقل والمنطق في حل المشاكل الأسرية، والتركيز على مفهوم تقبل عيوب الطرف الآخر، والعمل على تقويمه، بدلاً من الدخول في دوامة الخلافات التي تؤدي بكل الأحوال إلى التفريق".
يذكر أن مجلس القضاء الأعلى، وبحسب بيان العام الماضي، أكد على أن الحد من انتشار ظاهرة الطلاق يحتاج إلى جهد كبير وتعاون من جميع الجهات المسؤولة إلى جانب دور التشريعات، ولاسيما أن القانون العراقي لا يجرم الطلاق خارج المحكمة، لكن تجريمه خارج المحكمة هو أحد الحلول المساهمة في الحد أو إغلاق عدد كبير من حالات الطلاق، بالإضافة إلى تشريع قانون يمنع زواج القاصرين خارج المحكمة وتغريم من يقوم بهذا الفعل ومعاقبته.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل تنجح "الدورات الإلزامية" للمقبلين على الزواج بالحد من تزايد الطلاق؟
- ما سبب تصاعد معدلات الجريمة في العراق؟
- الأطفال ضحية للعنف الأسري.. حالات تتفاقم وقانون مؤجل