مع بدء وزارة المالية، تنفيذ القروض التي وردت في الموازنة الاتحادية، والخاصة بمشاريع بنى تحتية، يبرز تحد حول حجم هذه القروض الكبير الذي أقر في الموازنة، وما إذا كان سيشكل إرهاقا للبلد ويكبله بالديون، ووفقا لنواب ومتخصصين، فأنهم رهنوا نجاح هذه القروض بذهابها لمشاريع حقيقية ومنتجة حتى تتمكن الدولة من تسديد قيمتها، وليس "سرقتها" كما لمحوا، رغم أنهم اختلفوا بجزئية حول حجم القروض، فمنهم من وجدها "كبيرة" والآخر وجدها "جيدة" مقارنة بالناتج المحلي العراقي.
ويقول النائب علاء الحدادي، إن "العراق يمتلك اتفاقيات قديمة منها القروض البريطانية واليابانية منذ عام 2017، حيث كانت الموازنة تثقل في تلك الفترة بسبب هذه القروض وخاصة البريطاني، حيث كانت فيها فقرات لسداده، وهو مخصص لتنمية المشاريع الخدمية".
ويضيف الحدادي، "هناك الآن مشروع في بابل قيمة القرض فيه لم يتم صرفها على المشروع بالكامل، ومن ثم عادت الدولة لطلب قروض أخرى لذات المشروع"، مبينا أن "هذه القروض تأتي بسبب العجز الكبير في الموازنات، وهنا لا يوجد خيار أمام الدولة سوى الاقتراض لتمويل المشاريع".
ويؤكد أن "الإيرادات النفطية جيدة حاليا، ولا اتوقع أن القروض ستتسبب بأزمة أو عجز حقيقي كما جرت في السنوات السابقة عندما انخفضت أسعار النفط بشكل كبير"، متابعا "أما بالنسبة للديون الداخلية، فهي كانت واحدة من الأسباب التي تزيد من نسبة العجز، فنحن بحاجة إلى إدارة مالية صحيحة لاستبعاد أي أزمة مالية".
ويلفت إلى أن "ما يعاني منه العراق، هو أن الموازنة التشغيلية بلغت نسبتها 65 بالمئة، والاستثمارية بين 15 - 20 بالمئة، في ظل حاجة البلد إلى مشاريع وبنى تحتية، وعلينا أن نقلل من الموازنة التشغيلية ورفع الاستثمارية".
وخلال الفترة الماضية، أعلنت وزارة المالية عن توقيع اتفاقية قرض تمويل مشروع تحسين ماء السماوة مع اليابان بقيمة 300 مليون دولار، كما وقعت اتفاقية قرض تمويل مشروع صيانة محطات الطاقة الكهربائية مع بنك JPM بقيمة 257 مليون دولار.
كما وقعت الوزارة قبل أشهر قليلة، إتفاقية بين العراق واليابان لتنفيذ مشروع تطوير مصفى البصرة ضمن القرض الياباني، بقيمة 1200 مليار دولار.
وتضمنت موازنة العام الماضي والعامين المقبلين، العديد من المواد الخاصة بالاقتراض الخارجي، منها الاستمرار بالاقتراض وفقا لاتفاقيات سابقة، إلى جانب اقتراض جديد من مؤسسات دولية وحكومات مختلفة، وقد بلغت بعض أقيام الاقتراض أكثر من 3000 مليار دولار.
يذكر أن تطوير قطاع الكهرباء في العراق، دائما أبرز ما يتم الاقتراض لأجله وهو ما تضمنه الموازنات السابقة، وكان آخرها موازنة 2021، حيث تضمنت بنودا عديدة حول صيانة محطات الطاقة الكهربائية، منها قروض بضمانات مؤسسة الصادرات الدولية بقيمة 145 مليون دينار، و100 مليون دولار، فضلا عن تمويل صيانة محطة الدورة في بغداد بمبلغ 301 مليون دولار.
من جانبه، يبين النائب ثائر مخيف، أن "العراق يفتقر لثقافة الاستثمار، فالقروض التي تمنح عادة ما يتم استخدامها لإغراض في غير محلها ولا يتم استثمارها في مشاريع اقتصادية، ما يؤدي إلى خسارة للطرفين، الطرف المُقرض والطرف المستفيد من القرض".
ويضيف مخيف، أن "الاستثمار يجب أن يكون من أجل النهوض بالبلد عبر دعم مشاريع صناعية وزراعية وغيرها، ولتحقيق ذلك يجب أن تكون هناك رعاية جادة من قبل الدولة لتحقيق عائد مادي يضاف إلى النفط"، مبينا أن "غياب التنوع الاقتصادي داخل العراق يجعل من القروض غير مفيدة، لأن القطاعات الإنتاجية غير النفطية متوقفة ولا توجد مشاريع يمكن استثمار القروض فيها".
يذكر أن هذه الموازنة الثلاثية، ونتيجة لقيمة الرواتب المرتفعة جدا، بسبب التعيينات الجديدة، أدت إلى تقليص الموازنة الاستثمارية بشكل كبير، ويؤكد متخصصون بالاقتصاد أن هذا الأمر سيجبر الدولة على الاقتراض.
يذكر أن مستشار رئيس الوزراء للشؤون الفنية، محمد الدراجي، ورئيس لجنة مراجعة القروض الأجنبية الخارجية للعراق، أكد في تصريح صحفي يوم أمس الاثنين، أن العراق دخل بعد 2003 موجة جديدة من القروض الخارجية والاستدانات جرَّاء انخفاض أسعار النفط وعدم كفاية الموازنة في أغلب الأحيان، مبينا أن القروض موزَّعة بين وزارات ومحافظات مقابل مشاريع، ومهمة اللجنة التي شكلت حصر القروض ومعرفة ما هي المشاريع أو الوزارات أو المحافظات التي استفادت منها وماهو حالها.
إلى ذلك، يوضح رئيس مؤسسة العراق المستقبل للدراسات الاقتصادية منار العبيدي، أن "القروض لا تحسب بقيمتها، بل بقيمة ناتجها المحلي الإجمالي، حيث لا توجد أية مشكلة لدى الدولة بتسديدها، لذلك نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية الناتج المحلي فيها حوالي 30 تريليون دولار وقيمة القروض الملزم سدادها حوالي 30 ترليون دولار، فالأهم في ذلك الأمر كله هي نسبة القروض للناتج المحلي الإجمالي".
ويؤكد العبيدي "بالنسبة للقروض التي سحبتها الدولة العراقية مقابل الناتج المحلي الإجمالي، تعتبر معتدلة، وذلك لان حجم القروض هي حوالي 60 مليار دولار، منها 40 مليار دولار هي قروض داخلية من البنوك العراقية، وبالتالي حجم القروض الخارجية مقارنة بالناتج المحلي لا يعتبر رقم مرتفع".
ويوضح أن "العراق لديه الفرصة التي تؤهله بأخذ المزيد من القروض بدون أية مشاكل، لكن الأساس أن هذه القروض ينبغي أن يتم إنفاقها لأمور استثمارية وليس تشغيلية، وذلك لأن الامور الاستثمارية ستخلق عائدا للدولة من خلالها يتم تسديد القرض، فالأمر يختلف إذا أخذ العراق قرض لإنشاء معمل بقيمه مليار دولار وبعد تشغيله يمكن للمعمل أن يسدد قيمة القرض، أما إذا سحب العراق المليار دولار من أجل دفع رواتب الموظفين، فبالتأكيد أن الدولة لا تستطيع أن تخلق ناتج محلي، لذا سيكون هناك عبء إضافي في عملية الإستدانة".
وبلغت قيمة موازنة العام الحالي والعامين المقبلين، 198 تريليون دينار (نحو 150 مليار دولار) لكل عام، وتم بناء الموازنة على سعر 70 دولارا للبرميل، فيما بلغت نسبة العجز فيها 63 تريليون دينار.
يشار إلى أن أعلى موازنة في تاريخ البلد، كانت في عام 2012، خلال تولي نوري المالكي لدورته الحكومية الثانية، بواقع 118 مليار دولار، وعدت في حينها بـ"الموازنة الانفجارية".
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- "ترتيبات" مع الناتو.. هل وجدت بغداد بديلا للتحالف الدولي؟
- عائلة بارزاني على المحك.. هل تطيح "الرئاسة" بأحد أولاد العم؟
- سعر النفط بموازنة 2025.. طبيعي أم يؤدي لأزمة؟