بقلم:الدكتور طلال قائق الكمالي
لعل بعض الناس يقع في لبس عندما يفكر في تحديد مفهوم للوطن، فيذهب بعضهم الى ان الوطن يُنظر إليه كمسقط لرأس الانسان ومحل ولادته، ويرى بعض آخر أنه مكان استقرار الانسان ومما يربطه به من عمق تاريخي وعادات وتقاليد مشتركة.
في حين أرى أن الوطن يمثّل المساحة المادية أو المعنوية التي يفتخر بها الإنسان بموجب انتمائه لمدرك فكري واحساسه لوازع وجداني.
ويتجلى لنا ذلك عندما نستذكر الأيام التي تحتفي بها الشعوب والأمم وطنياً قديماً وحديثاً، إذ نجد أنّ القاسم المشترك لها ينبع من كونها ولدت من رحم واحد مخاضها حراك فكري وقيمي تلاقح من قبل، على وفق رؤى كونية متعددة تسعى جميعها الى سعادة الإنسان بالخير واطمئنانه بدفع الشر.
وفي مراجعة الى أعيادنا في الإسلام نجد حقيقة ما أدعي، لذا كان من اكبر أيام الأعياد واعظمها مبني على اصطفاء الله تعالى إليها – بقرينة قول المعصوم: اللهم بحق هذا اليوم الذي جعلته عيداً - اي أنها أيام فخر وعزة وكرامة - إذ جاء الإكبار لسلوك سوي حصيلة صراع فكري ونفسي توّج بإمضاء الله تعالى لمن انتصر في معركة الامتثال لأوامره جل شأنه لتفرز لنا الغث من السمين.
ومن هنا يمكننا إدراك حقيقة أن العيد وطن عبر التأمل في قول المعصوم عليه السلام في دعاء يوم العيد ممثلاً في قوله: اسألك (ان تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمد وآل محمد، وأن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمد وآل محمد) ليتضح لنا أن معيار العيد جلب الخير ودفع للسوء، وهو معيار الوطن نفسه كما أشرنا من قبل، فهو فاصل ما بين ملتقى الغنى بالخير، وملتقى الغربة المتمثل بالفقر عن تلك القيم والفيوضات المادية والمعنوية ذات الشأن الرفيع، ولعل قول أمير المؤمنين عليه السلام: الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة، مصداقاً لكل ما تقدم.