- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الجواز القانوني للتدريس الخصوصي
بقلم: القاضي حبيب إبراهيم حمادة
يمثل النظام التربوي او التعليمي داخل الدولة انعكاسا لمدى التطور العلمي والحضاري والثقافي لها، الأمر الذي كان دافعا للحكومات المركزية والمحلية في كافة الدول الى الاهتمام الجدي والواسع بذلك النظام لما له من آثار مهمة داخل الدولة وخارجها وعلى الفرد والمجتمع على حد سواء، سيما انه العنصر الاساس في تحقيق النمو والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، إذ أن استثمار رأس المال البشري انما يعد عنصرا جوهريا لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة ويرتب آثاره المستقبلية لإحداث تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية داخل الدولة من خلال بناء جيل واعٍ قادر على ادارة الدولة وخدمة المجتمع فيها بكافة الجوانب لذا فقد كان من المفترض ان يكون التعليم الحكومي على قدر عال من السمو والرقي، بحيث يمكن الاستناد اليه في تحقيق الغاية منه، وهذا هو الحال في العديد من الدول ومن ذلك دول شرق اسيا التي حققت نجاحا باهرا بكافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية، والقول بخلاف ذلك انما يرتب آثاره السلبية الحالية والمستقبلية على مصير الدولة.
ورغم ان التدريس الخصوصي لم يكن وليد المرحلة الحالية، كونه كان معروفا سابقا عندما يلجأ الملوك والحكام والأمراء وغيرهم من الأثرياء من إحضار المدرسين لدورهم بغية إعطاء الدروس لأولادهم، كما ان بعض الطلبة قد توجه إلى التعلم عبر التدريس الخصوصي في ستينيات القرن الماضي من اجل التقوية في بعض المواد الدراسية، الا ان ذلك كان بشكل فردي ومحدود بخلاف عما هو عليه الحال في الوقت الحاضر والمتمثل بعزوف الكثير من الطلبة من التعليم الحكومي والتوجه صوب التدريس الخصوصي او ما يعرف بـ(دروس التقوية) بدلا عنه سيما بعد تحسن الحالة الاقتصادية لعوائلهم.
إن توجه الكثير من الطلبة نحو التدريس الخصوصي وبشكل ملفت للنظر في السنوات الماضية بدلا من الاعتماد على التعليم الحكومي المجاني، كان لاسباب ودوافع متعددة من اهمها التدني الحاصل في التعليم الحكومي وقلة الأبنية المدرسية الأمر الذي كان سببا في اتباع الدراسة بنظام الفترتين او ثلاث فترات ضمن المدرسة الواحدة، وكثرة عدد الطلبة في الصف الواحد الآمر الذي يقف مانعا من السيطرة عليهم او إيصال المعلومة بشكل واضح لهم وعدم وجود الدعم المادي والمعنوي للمعلمين أو المدرسين خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للموظفين الآخرين في الوزارات الأخرى وضعف أداء بعض الكوادر التعليمية كونهم حديثي العهد في التدريس اضافة لسوء الإدارة في بعض المدارس لقلة الخبرة الواجب توافرها لدى المكلفين بذلك وعدم اكمال المنهج الدراسي في وقته المحدد واتباع طرائق التدريس التقليدية وعدم مواكبة التطورات الحاصلة في الاستفادة من التطورات العلمية والتكنولوجية لخدمة العملية التربوية عموما وتعدد الأدوار الامتحانية الى ثلاثة ادوار أحيانا إضافة إلى عدم المتابعة الجدية لأولياء الطلبة مع ادارات المدارس الحكومية والاعتماد على متابعة المدرس الخصوصي لأبنائهم بدلا عنهم عند ممارسته لعمله في اعطاء الدروس الخصوصية وغيرها.
وللتدريس الخصوصي العديد من الايجابيات والسلبيات بذات الوقت، اذ تتمثل ايجابياته كون المدرس الخصوصي يتمتع باحترافية وخبرة واسعة في التعامل مع طلبته وكيفية إيصال المعلومة لهم بطرق مبسطة وميسرة باذلا في ذلك جهودا مميزة بغية الحصول على نتائج جيدة لهم سيما ان اغلب المدرسين الخصوصيين هم من المتقاعدين او من المتفرغين تماما لذلك العمل دون الارتباط باعمال اخرى، اضافة الى ان الانخراط بالتدريس الخصوصي انما يشعر الطلبة بالثقة الكاملة وتعزيز الفهم والتركيز لديهم سيما ان هنالك تواصلا مباشرا بين المدرس والطلبة طيلة الوقت اذ ان هنالك مرونة كاملة بوقت الدراسة وضمن مواعيد مناسبة للطلبة واولياء امورهم، والخروج من الروتين اليومي في تلقي الدروس اضافة الى امكانية المدرس الخصوصي الناجعة في توقع الاسئلة الامتحانية التي يمكن ان ترد في الامتحانات الوزارية وتحقيقه نسب نجاح عالية، وقد ثبت ذلك من الواقع العملي عند اعلان نتائج الامتحانات الوزارية موخرا، كما يمكن ان يكون ذلك التدريس هو الحل الامثل لذوي الاحتياجات الخاصة وتجاوز الصعوبات التي تعتريهم في التدريس الحكومي.
اما سلبيات التدريس الخصوصي فانها تتمثل كونه يرهق كاهل اولياء الطلبة بمبالغ مالية عالية رغم ان العديد منهم من ذوي الدخل المحدود خاصة ان كان لدى العائلة اكثر من طالب واحد بذات المرحلة، وكذلك التعارض الذي قد يحصل بين التدريس الخصوصي والحكومي بطرق التدريس او وقته بشكل قد يشتت فكر الطالب ويزيد من صعوبة الدراسة لديه والاهتمام بالتدريس الخصوصي على حساب التدريس الحكومي بالاعتماد على الاول بشكل مطلق وارهاق المدرس الخصوصي ان كان احد الكوادر التعليمية الحكومية وقلة الخبرة لدى بعض المدرسين واهتمامه بالجانب المادي على حساب المستوى العلمي للطلبة وكذلك العبء الحاصل على العائلة في تنظيم الوقت للطالب بين التدريس والخصوصي والتعليم الحكومي.
وقدر تعلق الامر بالجواز القانوني للتدريس الخصوصي، فأن ممارسة ذلك العمل من قبل بعض الأساتذة العاملين في التعليم الحكومي بدون موافقة مراجعهم الادارية انما يثير المسؤولية الانضباطية والجزائية لهم، اذ ورد النص صراحة في المادة (٥) من قانون انضباط موظفي الدولة رقم ١٤ لسنة ١٩٩١ على ان "يحظر على الموظف ما يأتي:
اولا: الجمع بين وظيفتين بصفة اصلية او الجمع بين الوظيفة وبين اي عمل آخر الا بموجب احكام القانون......)، وبالتالي فان عمل الموظف العام في التدريس الخصوصي محظور بموجب احكام القانون، سيما ان وزارة التربية قد منعت منعا باتا كافة الكوادر التعليمية من ممارسة التدريس الخصوصي بعد الدوام الرسمي مع وجوب تنظيم تعهدات خطية بذلك وفق ما اشار اليه الاعمام الصادر من وزارة التربية المرقم ٩٦٣ لسنة ٢٠١٧.
اما بالنسبة للمدرسين الخصوصيين غير المرتبطين بوزارة التربية بالرابطة الوظيفية او العقدية، فان المادة (٣٠/ اولا/ ب) من قانون وزارة التربية المرقم ٢٢ لسنة ٢٠١١ قد اشارت صراحة على أن (للوزير منح الشخص الطبيعي او المعنوي العراقي اجازة فتح...ب_ معهد اهلي لتعليم اللغات الاجنبية او لتعليم المهن او لدورات التقوية للمواد الدراسية المنهجية...) واستنادا للنص المذكور فان التدريس الخصوصي او ما يعرف بمعاهد دورات التقوية انما هو جائز قانونا بشرط الحصول على إجازة وزير التربية بذلك متى ما توافرت الشروط الواردة في المادة (٣/ب) من نظام التعليم الأهلي والأجنبي المرقم (٥) لسنة ٢٠١٣، سيما ان احكام النظام المذكور تسري على المؤسسات العراقية والأجنبية في العراق ومن ضمنها معاهد التعليم المساعدة والمهنية والتثقيفية ومدارس ذوي الاحتياجات الخاصة، لذا فان وجود معاهد للتدريس الخصوصي دون الحصول على الاجازة المقررة قانونا انما يثير المسؤولية الجزائية للعاملين فيها.
واذا كان قانون وزارة التربية والأنظمة الصادرة بموجبه قد اجازت ممارسة التدريس الخصوصي في المعاهد المعدة لذلك وفق شروط محددة بذلك، الا ان القانون المذكور لم يتطرق الى حالة ممارسة التدريس الخصوصي الفردي من قبل المدرسين غير المرتبطين بوزارة التربية بأية رابطة قانونية داخل دورهم أو ضمن أبنية مستأجرة من قبلهم لهذا الغرض، وهذا ما هو حاصل في الواقع العملي حاليا وبأعداد كبيرة وبكفاءات واجور متفاوتة، اذ ان القانون لم يشر صراحة الى جواز او منع المذكورين من ممارسة مهنة التدريس الخصوصي، وازاء عدم وجود المنع او الحظر من اداء ذلك العمل فان الأصل فيه هو الإباحة خاصة ان دخول الطلبة في دورات التقوية لديهم يكون اختياريا وليس اجباريا كما ان البعض منهم من يستخدم طرق التدريس الحديثة والعلمية ويواكب التطورات الحاصلة في مجال استخدام الانظمة الالكترونية في القاء المحاضرات على الطلبة وقد اثمرت جهودهم في تحقيق نسب نجاح عالية لطلبتهم وبمعدلات عالية الامر الذي يوجب الاستفادة من خبراتهم في تطوير العملية التربوية وتنظيم عملهم بنصوص قانونية صريحة كان يتم السماح لهم بتأدية ذلك العمل بإشراف وزارة التربية.
أقرأ ايضاً
- الأطر القانونية لحماية البيئة من التلوث في التشريع العراقي
- الاستزراع القانوني في ظل التعددية القانونية
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي