فالمستويات المائية المتراجعة بفعل الجفاف المزمن وسوء الإدارة، ترافقت مع تلوث متزايد ناجم عن تصريف مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية والطبية إلى مجاري الأنهار، ما جعل المياه الجارية، بحسب نواب وخبراء، “غير صالحة للاستهلاك البشري”.
وفي ظل استمرار التراجع الحاد في الإيرادات المائية القادمة من دول المنبع، يحذر مختصون من اقتراب البلاد من أزمة وجودية قد تجعل من الحصول على كوب ماء نقي تحدياً يومياً للمواطن العراقي.
وفي هذا السياق، كشف النائب يوسف الكلابي، في حديث متلفز، أن “العراق يواجه كارثة مائية حقيقية، وهي أن المياه الجارية في الأنهر باتت غير صالحة”، مشيراً إلى أن “لجنة الزراعة والمياه والأهوار واللجنة المالية، وضعتا مسودة إعلان حالة الطوارئ المائية”.
وتابع الكلابي: “المياه التي تجري في نهري دجلة والفرات مياه مسمومة، تمرّ بأكبر حالة سمّية في تاريخ العراق”، داعياً إلى “اعلان حالة الطوارئ لمواجهة تداعيات الأزمة المائية”.
وانتقد أداء الحكومة في تعاملها مع الملف المائي، مبيناً أن “وزارة الموارد المائية حظيت بأضعف تمويل للحكومة، حيث نفذت وزارة الموارد المائية أسوأ تطبيق لخططها، ما يشير إلى عدم اهتمامها بهذا الملف”.
“الكارثة الأكبر” على حد قول النائب، أن “هذه الشحة ليست وليدة اليوم، فجرس الإنذار دق منذ خمس سنوات، حتى وصلنا اليوم إلى الإنذار الأحمر”.
وأشار الكلابي، إلى أن “خطة الطوارئ سيتم إرسالها إلى وزير الموارد المائية لعرضها على مجلس الوزراء، وتتضمن ثلاثة محاور أساسية، اولا، دعم مالي مطلق، يمكنها من تنفيذ خطة الطوارئ، وثانياً وقف التلوث لقيام وزارتي الصحة والبلديات بدورهما في منع إطلاق مياه المجاري والمستشفيات داخل نهري دجلة والفرات، وثالثاً تعويض الفلاحين بتخصيص مبالغ مالية لتعويض الذين لن يتمكنوا من الزراعة”.
في المقابل، أدلى خبير المياه البروفسور نظير الأنصاري، تصريحات مقلقة حول تفاقم أزمة المياه في البلاد، محذراً من أن الوضع قد يتدهور بشكل كبير ليؤثر مباشرة على مياه الشرب.
وخلال حديث متلفز، أوضح الأنصاري، أن “استمرار الوضع على ما هو عليه، سيعني بالضرورة مواجهة مشكلة حقيقية حتى في توفير مياه الشرب النقية”.
ورداً على سؤال حول السيناريو المتوقع وموعد اشتداد الأزمة في حال استمر “التماهُل وعدم الاكتراث” قال الخبير المائي، إن “السيناريو المتوقع الوصول إلى نقطة يهدد فيها نقص المياه كل شيء، بما في ذلك أبسط الحاجات مثل مياه الشرب”، مشيراً إلى أنه “في حال لم تتساقط الأمطار وظل الوضع على حاله لغاية شهر كانون الأول المقبل، ستكون أزمة كبيرة جداً قد تصل إلى “الكوب”، في إشارة إلى أن الأزمة قد تبلغ ذروتها بحلول شهر كانون الأول المقبل، لتؤثر على توفر كوب الماء الأساسي.
وحذر من تبعات أوسع لأزمة المياه على العراق، ولفت إلى أنه “في حال لم تتوفر المياه، سوف يتحول العراق إلى صحراء”، منوهاً إلى أن “توقعات التقارير للمنظمات الدولية التي تفيد بأنه إذا استمر الوضع كما هو عليه، فبحلول عام 2040 لا تدخل قطرة ماء من دجلة والفرات إلى العراق”.
ويعتمد العراق على مصادر مائية خارج حدوده بنسبة تتجاوز 70 بالمئة من موارده المائية الكلية، وتحديدا من نهري دجلة والفرات القادمين من تركيا وسوريا، ومع تزايد إنشاء السدود الكبرى في تركيا ضمن مشروع “الأناضول الكبرى GAP”، بدأت حصة العراق المائية بالتراجع بشكل متسارع منذ التسعينيات.
وفي السنوات الأخيرة، تفاقمت الأزمة بشكل غير مسبوق، وقد بدأت تركيا بتشغيل سد إليسو على نهر دجلة عام 2020، وهو ما أدى إلى انخفاض كبير في مناسيب النهر داخل الأراضي العراقية، وتبع ذلك تشغيل سد “تشو” وسد “روائي”، وتخطيط لبناء سد “الجزرة”، مما يعني مزيدا من التحكم في التدفقات المائية نحو العراق.
ورغم الاجتماعات الرسمية والاتفاقات الفنية، لم تُثمر جهود التفاوض العراقي عن ضمانات دائمة أو ملزمة لتحديد حصة مياه مستقرة، بل اكتفت تركيا غالباً بـ”دفعات مؤقتة” من المياه لتخفيف الأزمة، وهي دفعات محدودة وغير كافية وفق مختصين.
ومنذ عام 2021، يواجه العراق موجة جفاف غير مسبوقة، هي الأطول والأشد خلال القرن الحالي، وقد أدى هذا الجفاف إلى انخفاض مستويات المياه في السدود والأنهر إلى مستويات حرجة، وتراجع المساحات الزراعية بنسبة تجاوزت 60 بالمئة، وجفاف أكثر من 80 بالمئة من مساحة الأهوار المسجلة ضمن لائحة التراث العالمي، ونفوق أعداد ضخمة من الجاموس والأسماك وانهيار الحياة البرية، ونزوح آلاف العائلات من مناطق الأهوار إلى أطراف المدن.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!