حجم النص
بقلم: نــــــــــــــزار حيدر ليسَ من السّهولةِ بمكانٍ أبداً ان نغيّر عقليّة الجيل الحالي من الزّعماء لاقناعِهم باهمّيةِ وضرورةِ تبنّي مبدأ تداول السّلطة كأسلم إسلوبٍ وارقى اداةٍ من أدوات الديمقراطيّة، او حتّى تغيير خلفيّاتهم مثلاً واستبدالها بأُخرى ليس لها القابليّة على الالتصاق بالكُرسي! فالحكمةُ تقول [مَنْ شَبَّ على شَيْءٍ شابَ عليهِ] و [العادةُ التّي في البدَنِ لا يُغيّرها الا الكفنِ] خاصةً وان هذا الجيل من الزّعماء تحديداً عاشَ ظروفاً قاسيةً للغايةِ ولذلك فهو يعتبر انّ وجودهُ في السّلطة هو أبسطُ ثمَنٍ يقبضهُ مقابل التّضحيات الجسيمة التّي قدّمها في العقود الماضيةِ ليرى هذا اليوم الموعودِ ليجدوا أنفسهم في السّلطة! فكيف سنقنعهُم بأنّ هذه النتيجة التي نعيشها اليوم هي ثمرة تضحيات كلّ العراقيين وليس فئة دون أُخرى أو أسرة دون سواها أو حزب دون آخر، ولذلك، فكما يحقّ لهم ان يتمتعوا بالنتيجة فانّ من حقّ الآخرين ان يتمتعوا بها كذلك؟!. انّهم يمتلكون اليوم كلّ أدوات القوّة والجبروت، فالسّلطة والقانون والمال والاعلام وشبكة العلاقات الإقليميّة والدّولية، كلها بأيديهم ورهن إشارتهم، فكيف يمكننا ان نقنعهم بترك السّلطة وإفساح المجال للآخرين؟!. وما العمل، إذن، لتغيير الواقع المؤلم والمريض والمرّ للانتقال الى مرحلةٍ جديدةٍ لا تلتصق فيها مؤخّرة الزّعيم بالكُرسي؟!. في البدء يجب ان نفهم حقيقة في غاية الأهميّة بهذا الصّدد، الا وهي انّ المجتمع يتحمل المسؤولية الكبرى في هذه الظّاهرة، التصاق مؤخّرة الزعيم بالكُرسي، فلو لم يجد الزعيم شعباً يصفّق ويغنّي له (بالرّوح بالدّم) على الفاضي، ولو لم يجد شعباً يلهث خلف سيّارته كالحيوانات السّائبة لمجرّد انّهُ أعلن عن زيادة الرّواتب مثلاً او تعطيل الدّوام الرّسمي او ما أشبه، ولو لم يجد شعباً يؤلّههُ لطولهِ او لعُرضهِ او لأُسرتهِ او لحزبهِ او لتعبيراتهِ الانشائية التي تسلب عقول السّذج، لما سمحَ لخلفيّتهِ ان تلتصق بالكُرسي!. تعالوا، إذن، نحقّق الخطوة الاولى والّتي تتمثل في تغيير العقليّة وطريقة التّفكير وفهم الامورِ، فكيف نحقق ذلك؟!. برأيي؛ أنّنا يجب ان نبدأ من مرحلةِ الطّفولةِ المُبكّرة لنُعلّم الجيل الجديد الذي سيقود البلد في المستقبل القريب، وبالتّالي نغيّر المجتمع، فنعلّمهُ ما يلي؛ أولاً؛ ان السّلطة شأنٌ عامٌّ لا ينبغي لأحدٍ ان يحتكرهُ او يستأثرَ به، فلكلِّ مواطنٍ الحقّ في ان يكونَ لهُ دورٌ فيه، الامر الذي يتطلّب تغيير المفاهيم من قبيل انّ الدولة تختلف عن العشيرةِ، فإذا كان من الممكِن ان تبقى مشيخةِ العشيرةِ محصورةً في شخصٍ او أشخاص يتداولون الزّعامة العشائريّة أباً عن جدٍّ، فانّ الدولة ليست كذلك. كما ان الدولة ليست حزباً، فاذا كان من الممكن ان يتداولَ شخصٌ او أشخاصٌ زعامة الحزب أباً عن جدٍّ او ان يمكث زعيم الحزب في منصبهِ عدّة عقود من الزّمن، فانّ الدولة لا يمكن ان تُقادَ بهذا الشّكل أبداً، خاصةً في ظلِّ مفاهيم النُّظُم الديمقراطية، والذي يُعتبر فيها مفهوم تداول السّلطة حجر الزّاوية في استقرارِها وتطوّرها وتقدّمها. ثانياً؛ انّ التعدديّة والتّنوّع القائم على أساس التّعايش والتّعاون والتّكامل، مفاهيم حضاريّة عظيمة لا ينبغي التّفريط بها ومحاربتها والتقاطع معها، وانّ من ابرز أدوات الحرب على هذه القيم والمفاهيم هو احتكار الحقيقة والاعتداد بالنّفس والقدرات، والّتي تنتهي الى احتكار السّلطة والتصاق خلفيّة الزّعيم بالكُرسي. ثالثاً؛ انّ التّطور سُنّة الحياة والتوقُّف تأخُّرٌ في حقيقةِ أمره، ولا يمكن تحقيق التطوّر الا بضخّ دماءٍ جديدةٍ وطاقاتٍ خلّاقةٍ مُتجددّة في قيادة وإدارة الشَّأن العام، ولذلك فان التشبُّث بالسّلطة هو أَخطر الأدلّة على عدم الإيمان بالتّطوّر، لانّهُ يخلقُ سُقُفاً محدّدةِ الأبعاد يخشى الآخرون تجاوزها ولذلك يحجُمون عن التّفكير بطريقةٍ جديدةٍ لتحقيق الإبداع، فلن تجدَ عندها أيّة حالات خلّاقة تنهض بالبلد وتأخذهُ الى المستقبل. وليس عبثاً أبداً او صُدفة ان اتّفقت كلّ النُّظُم الدّيمقراطية في العالم على تبنّي مبدأ التّداول السّلمي للسُّلطة، والحرص الشَّدِيد على افساح المجال للاجيال الجديدة من الشّباب المتعلّم ليتبوّأ المقاعد الأماميّة في الدّولة، فلقد لمسَت فيه أسلوباً عصرياً وحضارياً لضخّ الدّماء الجديدة في الدّولة ومؤسّساتها، وبالتالي رفد الدّولة بكلّ ما هو جديد من أفكارٍ ورؤى وعلى مختلف الاصعدة. رابعاً؛ إحترام الدّستور والقانون وعدم التحايُل عليه والالتفاف حولهُ بطرق شتّى. انّ الالتزام بالدّستور والقانون يُساهم بدرجةٍ كبيرةٍ في الاستقرار السّياسي، خاصةً مع كلّ مرحلةٍ انتقاليَّةٍ في السّلطة، فسوف لن نشهد أيّة صراعات لا حزبيّة ولا فئويّة على السّلطة، الامر الذي سيُساهم بدرجةٍ كبيرةٍ في استقرار التّنمية وتطوّرها وتقدّمها. قد يخسر أحدنا شيئاً اذا التزم بالدستور واحترم القانون، الا انّهُ سيربح أشياء كثيرة جداً، انّهُ سيربح الوطن والاستقرار والتنمية المستدامة. خامساً؛ انّ القيمة الحقيقيّة بالانجاز وليس بالموقع او بالعنوان، كما انّ {قِيمَةُ كُلِّ امْرِىء مَا يُحْسِنُهُ} كما يقول الامام أَمير المؤمنين (ع) وليس في اسمهِ ورسمهِ وانتمائهِ وهويّتهِ وعمرهِ وتاريخهِ ودينهِ ومذهبهِ، فالانجاز هو الذي يجب ان يكون المعيار في تقييم النّاس وليس ايّ شَيْءٍ آخر. سادساً؛ انّ السّلطة وسيلة لغايةٍ أسمى وهي ليست هدفاً أبداً، انّها وسيلةٌ لتحقيق العدالة الاجتماعيّة التي تتحقّق بها الكرامة الانسانيّة لكلِّ مواطنٍ بغضّ النّظر عن اي شَيْءٍ. يَقُولُ عبد الله بن عباس، دخلتُ على أَميرِ المؤمنين صلواتُ الله عليهِ بذي قار وهوَ يخصِفُ نعلهُ، فقالَ لي: ما قيمةُ هذا النّعلِ؟ فقلتُ: لا قيمةَ لها! قال: {والله لَهِيَ أَحَبُّ إِليَّ من إِمرتِكُم، إِلاّ أَن أُقيم حقّاً، أَوأَدفعَ باطلاً}. لذلك، ينبغي ان نفهمَ جيّداً ان الزّعيم الفاشل، تحديداً، اذا تشبّث بالسّلطةِ والتصقت مؤخّرته بالكُرسي، فهو يُتعامل مع السّلطة كهدفٍ وليس كوسيلةٍ او اداةٍ لتحقيقِ الأهداف السّامية. انّ استغلال السّلطة لتحقيق مآرب واهداف خاصّة، شخصيّة كانت او حزبيّة او عائليّة او عشائريّة او مناطقيّة، او لتحقيق الإثراءِ الفاحش او للسّطو على خيرات البلاد ونهب ثرواتها لصالح زبانية الزّعيم او حزبهِ او عشيرتهِ، يتقاطع مع المفهوم الحقيقي لها، ولذلك يتعلّم الطّلاب في الغرب فلسفة العمل العام الذي يتطلّب التّفاني والتّضحية والمُثابرة من أَجل تحقيق الصّالح العام، امّا عندنا فلقد تكرّست كلّ المفاهيم غير السّليمة التي تتعلّق بالسّلطة ولذلك يسعى اليها الجميع لأنّهم لا يَرَوْن أنفسهُم ولا يقدِرون على تحقيق مصالحهم الّا بها ومن خلالها!. سابعاً؛ الزُّعماء ليسوا أكثر من موظّفين في الدّولة يتقاضَون رواتبَ مقابل الخدمة التي يقدّمونها للمواطن، فهم ليسوا أنصاف آلهة ولا وُكلاء الله تعالى في أَرضهِ، وهم ليسوا ملائكة او مخلوقات (غير شَكل) وهم ليسوا أفضل المواطنين، بل قد تكونَ قيمةُ بعضِهم أتفه من جَناح بعوضة او ساقِ ذُبابة أو عفطة عنزٍ. انّ الاعتقاد بأنّ الزّعيم أكفأ المواطنين وأقدرهم على الإنجاز وأكثرهم قيمةً، هو تفكيرٌ منحرف، ينبغي تصحيحهُ، فكم من زعيمٍ ساقهُ القدر الى موقعهِ في الدّولةِ؟ او ساعدتهُ الظّروف لتسنّم منصبهِ فيها؟ او حملتهُ صفاتٌ مثل الوصوليّة والطّاعة العمياء والولاء المطلق و (عبادةُ العجلِ) والصّنميّة ليتبوّأ محلّه في الدّولةِ! وكم من زعيمٍ ينطبق عليهِ قول المثل [مِنْ قِلّةِ الخَيلِ سَدَّوا عالكلابِ سْروج]؟!. لا ينبغي تقديس أحدٍ منهم أبداً، وإِنّما احترامَهُم على قدْر نزاهتهِم وإنجازاتهِم ونجاحاتهِم، فليس بين الزّعيم والمواطن علاقة خاصّة او صلة قُربى الا الإنجاز والخِدمة.
أقرأ ايضاً
- القصف الذي أراح بايدن
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء