- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أَلعِراقِيُّونَ أَوْلَى شُعُوبِ الأَرْضِ بِالْإِصْلَاحِ
حجم النص
نـــــــــزار حيدر ١/ لقد شَهِدَ الْعِراقُ واحدةً من أَعظم النّهضات الاصلاحيّة الحقيقيَّة في التّاريخ، وذلك في كربلاء في عاشُوراء عام ٦١ للهجرة. فعندما رفضَ الحُسينُ السِّبط (ع) بيعة الطّاغية المستبدّ الأَرعن الطّليق ابن الطّليق يزيد بن مُعاوية ابن آكلةِ الاكباد، أرادَ أَن يحتفِظ لنفسهِ بحقِّ الاختيار، لينطلقَ مِنْهُ الى الاصلاح الشّامل وعلى مُختلفِ الأَصعِدةِ وعلى رأسِها الصّعيد السّياسي، من خلال تغيير الحاكم الظّالم. فعندما ينزو على السُّلطة، وهي حقٌّ عامٌّ لا يجوز لأَحدٍ التَّصرُّف به من دونِ إِذن الشّعب، طاغوتٌ قاتلٌ أَو فاسدٌ فاشلٌ أَو جاهلٌ أَحمقٌ، فلابدَّ من نهضةٍ شعبيَّةٍ عارمةٍ تُزيحهُ عن السُّلطة وتمكِّن المؤهَّل بالمعايير السّليمة لتسنُّم الموقع، وهذا ما أَراد تحقيقهُ الحُسين السِّبط (ع) عندما رفضَ البيعة قائلاً {مِثْلِي لا يُبَايِع مِثْلَهُ}. ثانِياً؛ وعندما يمتلك العراقيّونَ كربلاء وعاشوراءَ والحُسين (ع) ثمَّ نرى كلَّ هذا الفساد والفشل وعلى مُختلفِ الاصعِدةِ! فهذا يعني أَنّ هناك خللاً في فهمِ كربلاء وفِي وَعْي عاشُوراء وفِي التشيُّع للحُسين السِّبط عليه السّلام. على العراقييّن الذين يحتضِنونَ كربلاء بين أَضلُعِهم ويحمِلون عاشُوراء في قلوبهِم والحُسين السِّبط (ع) في عقولِهم ومشاعرهِم! سيرةً ومسيرةً ومنهجاً، أَن يُعيدوا النَّظر في هذا الوعي والفهم ليجِدوا السَّبب الحقيقي وراء كلَّ هذه المشاكل السّياسية والأخلاقيّة والاجتماعيّة والتربويّة التي يعيشونها! فليس من المعقولِ أَبداً أَن تبقى كلّ هذه المشاكل من دونِ أَن نقتربَ أَكثر من الحُسين السِّبط (ع) لنستنطقَ نهضتهُ الاصلاحيَّة العظيمة لنعرِف الحلول لمشاكلِنا، فإلى متى الاسترسال؟!. ثالثاً؛ لقد علَّمتنا عاشُوراءُ أَنّ الاصلاح جُهدٌ مُتراكم يعتمدُ الصِّدق والوفاء والنُّموذج الصّالح والوضوح في الرُّؤية والاستقامة، ولذلك فأَنا اعتقدُ بأَنّ سبب فشل كل محاولات الاصلاح السّياسي على وجهِ الخُصوص لحدِّ الآن هو بسبب غَياب هذهِ العوامل والمقوّمات، فالجهد الاصلاحي عندنا موسميُّ لا يتراكم بشَكلٍ صحيح ليُنتجَ واقعاً جديداً على الارض، كما انّ لغَياب النُّموذج الصّالح الفعّال والمؤثِّر في صفوف السياسيّين ساهمَ بشَكلٍ كبيرٍ في فشلِ مشاريعِ الاصلاحِ، فضلاً عن أَنّ غَياب الوضوح في الرُّؤية والأهداف والأَدوات وفِي كلِّ شَيْءٍ هو الآخر أَضاع لحدِّ الآن فُرص نجاح مشاريع الاصلاح، ودليل ذلك التخبُّط الذي يلفَّها. امّا الوفاءُ فهوَ المقوِّم الغائب دائماً! فهو القتيل الشَّهيد أَبداً في كلّ مشاريع الاصلاحِ!. وبالنّسبةِ لدور غَياب الاستقامة في منهج الاصلاح فلسنا بحاجةٍ الى إِثباتهِ، فعندما يُغيِّر [المصلِحون] ولاءاتهم بين ليلةٍ وضُحاها ولا يثبُتون على إِتّجاهٍ بل إِنّهم يلهثونَ وراءَ مصالحهِم الخاصَّة والضيِّقة، فانّ كلّ ذلك دليلُ غَياب الاستقامة في المنْهَجِ الاصلاحي، ولقد رأَينا مَن أَطلقَ على نَفْسهِ تسمية [جبهةُ الاصلاحِ] تحت قُبّة البرلمان كيفَ انفرطَ عقدهُم وتجرَّدوا عن كلّ الشّعارات بمجرّد ان لوَّحوا لهم بالحمراءِ والصَّفراء!. رابعاً؛ كَذَلِكَ علَّمتنا كربلاء أَنّ المرء بمواقفهِ وليس بعناوينهِ وانتماءاتهِ وزيّهِ وموقعهِ الرَّسمي وما الى ذلك، فكم من [سيِّدٍ] استعبدتهُ دناءة نَفْسهِ في كربلاء كعُمر بن سعد قائد جيش البغي، وكم من [عبدٍ] حرَّرتهُ نَفْسَهُ الأَبيَّة في كربلاء كالحرّ الرّياحي!. تاسيساً على ذلك ينبغي لنا ان نأخُذ بنظرِ الاعتبار هذه الحقيقة دائماً عند تقييم المسؤول! فلا ننظر الى زيِّهِ فننخدعَ بعمامتهِ! والى إِسمهِ وأُسرتهِ فيخدعنا موقعها في التّاريخ! والى حزبهِ فتُبهرُنا تضحياتهِ عن تلمُّس الحقيقة! وإِنّما ننظر الى إنجازاتهِ اليوم ومواقفهِ الآن، فاذا فعلنا ذلك، فعندها سوف نُحسن التّقييم، فلا نغضَّ الطّرف عن مسؤولٍ فاسدٍ وفاشلٍ لمجرَّد أَنّهُ ينتمي الى التشيُّع أَو أَنّهُ يُشارك مواكب العزاء أَو يُقيمها في مكتبهِ المغصوب أَو ما الى ذلك! أَبداً فكلّ هذه ليست معايير حقيقيّةٍ وإِنّما المعيار الحقيقي هو الانجاز السّليم الذي يخدم النّاس ويحمي دماءهُم وأَعراضهم ويحمي مُستقبل أَبناءهم ويُساهم في بناءِ البلد، والّا فلقد عشنا ورأينا نماذجَ تافهة من هؤلاء الفاسدين والفاشلينَ إِحترقت جِباههُم من أَثرِ السّجودِ! ولكن وبسبب دناءة النّفس أُركِسوا فيها! وها هو ربّ العزّةِ {يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} لأَنَّ {مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا}.