هشام الفتلاوي
ضمن باب (رب مشهور لا أصل له) مبدأ (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما)، والذي يظن الكثير انه حديث نبوي شريف ويستشهد به. وهو مبدأ من المباديء الجاهلية التي قومها وصلحها نبي الرحمة (صل الله عليه وعلى آله وسلم) اذ قال وعلمهم ان ينصروا أخاهم الظالم بمنعه وحجزة عن ظلم العباد..ولكن وكما حال الكثير تركوا (منعه عن ظلم الناس) وأخذوا فقط نصرته حتى وأن كان ظالما..وهنا المفروض أن يكون الانتصار للظالم بمنعه عن الظلم ولكن التعصب الاعمى والمفاخرة والتباهي بكثرة العدد والقوة ونصرة الظالم كي يقال اننا أقوياء..وهذه من مبادئ الجاهلية والتي اعتبرها الاسلام عنصرية مرفوضة شرعا وقانونا..وأقصد بالإسلام جميع الاديان السماوية وأخرها دين محمد (صل الله عليه وعلى آله وسلم)..ومن الامور السلبية هناك من يلتزم التزاما أعمى بتقاليد وأعراف مخالفة للضوابط الشرعية والقانونية ويعتبرها من المفاخر مثل (النهوة...الثأر...الاعتداء على الضعفاء والمظلومين. الفصلية...الخ)..وهذا مامشهور عند البعض والذي لا أساس له ولا صحة له سوى العقلية الجاهلية والولاء الاعمى للتقاليد البالية ممن فهم خطأ النظام العشائري دون الرجوع الى حكم الله وحكم القانون المنضبط بشرع الله. ومرفوضة لكونها عنوان واضح للتمزق والتفرقة والتناحر والتمايز والاستعلاء وهذه الصفات لاترقى الى الصنف البشري.
اما الجانب الايجابي والذي ينادي به الشرع والقانون هو عبارة عن أطار تنظيمي أداري يعتمد على التكافل بين افراد القبيلة او العشيرة والتي يسهل من خلالها توجيه المنحرف والمسيء..لكون القبيلة او العشيرة لديها سلطة أدبية اعتباريه غالبا ما تجعل الفرد الاصيل يحترم ما يصدر عنها..وهذا لا يتحقق الا بوجود الجانب القيادي للقبيلة أو العشيرة فهو السبب الرئيسي في نجاح اي مجهود لصالح القبيلة أو العشيرة وينعكس ذلك على البلد او الامة..فأن كان سلبيا انحرفت القبيلة او العشيرة عن مسارها وأصبحت لقمة سائغة لكل من هب ودب..أما ان كان ايجابيا فستكون النتائج مبهره ومفرحة..لكون هناك من القبائل او العشائر التي نجح معها رئيسها الوارث للرئاسة أبا عن جد ويطلقون عليه (صاحب الحظ والبخت) وهذا ماأسماه اصحاب الاختصاص برئاسة المثابة كما أشرنا سابقا..وهناك من القبائل والعشائر التي ينجح مع رجال تثبت الايام والاحداث أنهم أكثر الناس حرصا على مصلحة عشائرهم وأفرادها وبمرور الزمن يعتبر عندهم رمزا من رموزها ويفتخرون به..وهذا ما أطلق عليه أصحاب الاختصاص برئاسة الخدمة..أما من جاء وبغفلة من الزمن وبمساعدة قوى خارجة عن القبيلة او العشيرة وبدأ ينخر ويفرق بعشائر العراق الاصيلة وبمساعدة شيوخ الغفلة هم أسباب تفرقة المجتمع وهم أسباب الفتن النتنة والعنصرية والعصبية المقيته..يبقى السؤال عن دور قبائلنا وعشائرنا هل هو سلبي أم ايجابي؟
أذلال المسببات
ومن الامور السلبية والتي يجب الوقوف عندها ومحاولة أذلال المسببات التي تدعوا البعض الى انتهاجها موضوع الفصول العشائرية..والتي ذهب البعض لعمل قوانين خاصة به وهذه من السلبيات التي يعاني منها المجتمع العراقي وسببها كثرة من يدعي رئاسة الافخاذ او العشائر او القبائل دون تدقيق وتمحيص وسؤال..والتي يؤدي بدورها الى زيادة الشرخ بين الفرد وعشيرته مما تؤدي الى عدم ثقة الفرد بمرجعياته العشائرية..وكما ذكرنا في منشورات سابقة ان القبيلة او العشيرة لديها سلطة أدبية أعتبارية غالبا ما تجعل الفرد الاصيل يحترم مايصدر عنها.وهنا ربما يجد القارىء التناقض بين الرأيين..فنقول وللتوضيح.. التناقض غير موجود لكون الاول يصدر من اناس بعيدين كل البعد عن المفاهيم العشائرية وقوانينها (السانية) وتصرفاتهم تناسب مايبدر منهم وفق المفاهيم التي اسسوها فتجد عدم الاحترام للكلمة وعدم احترام من يوكلهم للحديث عنه وعدم احترام من يذهبون اليهم بصورة مسرحية مضحكة مبنية على الاتفاق بين الاطراف..وهنا من المؤكد ان الفرد الذي يتبع هكذا مرجعية لايثق بها ولا بتمثيلها.
اما الرأي الثاني والذي أشرت اليه بالفرد الاصيل الذي يحترم مايصدر من عشيرته او قبيلته لأنه من المؤكد لا يذهب لهؤلاء..بل يذهب لأصحاب الرأي والقرار النابع من الاصول والتقاليد والاعراف المنضوية تحت الشرع الاسلامي والقانوني التي تنادي باحترام الانسان كإنسان ونصرة المظلوم وعدم معونة الظالم بل على العكس تقف بوجهه الى ان يترك ظلمه والى كل مامن شأنه احقاق الحق.اذا الخلل ليس بالقوانين العشائرية بل الخلل بمفاهيمنا ان اسقطناها على مفاهيم القوانين العشائرية..وهذه ليس فقط في العشائرية بل نجدها في كل قوانين ودساتير الكون..وحتى في مفاهيم الديانات السماوية والنابعة من مصدر واحد وهو رب الارباب وخالق الاكوان..فنجد الاختلافات والتناحر بسبب اسقاط مفاهيمنا على مفاهيم الاديان..والسؤال ماهي المسببات التي تجعل البعض ان يذهب الى الرأي السلبي الاول؟هل بسبب الخلافات الشخصية والتي تنعكس على افراد العشيرة والقبيلة؟هل السبب عدم وجود قيادة متفق عليها في العشيرة او القبيلة؟هل السبب سياسي ؟هل السبب شخصي مادي؟هل السبب عوامل خارجية لتفتيت وتفرقة المثابات التاريخية؟وان حاولنا ان نبحث بالسؤال الاول لوجدنا ان الخلافات الشخصية تزيد من عدم التزام الفرد بقوانين (سانية) القبيلة او العشيرة لكون الخلافات من نتائجها زيادة عدد رؤساء العشيرة او القبيلة الواحدة.. وبالنتيجة لايستقر الفرد على رئاسة واحدة فتراهم يتغيرون بحسب متغيرات الظرف الذي هو فيه وهذا بالنتيجة يقلل من مكانتهم الاجتماعية وتكون الكلمة مشتتة بين هذه الاعداد.وهذا يفتح الباب على مصراعيه للذي يطمح ان يكون هو صاحب الكلمة وان يتولى الرئاسة والسلطة في العشيرة او القبيلة لما تحمله هذه الصفة من وجاهه اجتماعية وغالبا يكون القصد منها شخصي ومادي..علما ان اصحاب الصنعة والاختصاص قد بينوا انواع الرئاسات بالنسبة للقبائل او العشائر:-
1- المثابة..وهي ان يكون متوارثها ابا عن جد (اي الرئاسة)
2- الخدمة..ان يخدم عشيرته او قبيلته ويعمل على رفع المكانة الاجتماعية وفق اسس الشريعة والقوانين
3- الاحتيال..الذي لاتتوفر فيه الشروط اعلاه ويحاول بكل الطرق زرع الفتن والخلافات بين ابناء العشيرة والقبيلة وهذا من السلبيات وهي مانتحدث عنها..
لكون البعض يستخدم الاحتيال وبمساعدة المال لشراء ضعاف النفوس لتأييد شخص معين على حساب اسم العشيرة والقبيلة دون النظر الى سمعة واخلاقيات وحرص المتصدي لهذا الامر على العشيرة او القبيلة. فأصبح اي فرد يطلق على نفسه صفة (شيخ) ويجمع ضعاف النفوس وتواقيعهم ويرسلها الى حكوماتهم والتي وللأسف بعضها يساعد على هذه التفرقة وبعد حين تراه يترشح ويصبح (شيخ فخذ او عشيرة او قبيلة) ويصرف له راتب ويأتي اصحاب الاقلام الرخيصة وكما وصفهم الاستاذ الدكتور علي الوردي (وعاظ السلاطين) ويكتبوا ويؤلفوا مايشاء اصحاب المال..ونرى ان العشيرة الواحدة ازداد عدد شيوخها عند البعض الى (25) شيخ او اكثر وكما يقول المثل (من كثر الطباخين خربت الطبخة).فالكثرة تقلل بالهيبة والاحترام وبنفس الوقت تقلل من تأثير القبيلة او العشيرة على محيطها لعدم وجود قرار موحد يسري على الكل..وهذا بدوره يؤدي الى الفوضى الغير مسؤولة ممن ينتهجون هذا النهج..وهنا نتمنى على اصحاب القرار بقبائل وعشائر العراق الانتباه لهذه السلبية..
السلبية العشائرية والواقع السياسي
وهنا نأتي على سبب أخر من مسببات السلبية العشائرية وهو (الواقع السياسي)..ربما يكون لدى البعض ان الواقع السياسي ليس له تأثير على سلبية العشائر.. او ليس من أسبابها.. ولو دققنا النظر جيدا بتاريخ العشائر على مر الحقبات السياسية لوجدنا ان الواقع السياسي من الاسباب التي لها تأثير مهم ومباشر لخلق السلبية العشائرية وربما يكون تعمدها من بعض الحكومات لفرض ابجدياتها وأوامرها وسيطرتها على المجتمع..فأن فقد الفرد الامن والتهاون في الجرائم مهما كان حجمها وتحويل مجراها للوساطات العشائرية والمعرفية وكذلك التهاون في مجرى القضايا وعقوبة المجرم وتحويل العقوبة على المظلوم وأن اضفنا اليها الوضع الاقتصادي السيء في المجتمع والفرد..(لكون اقتصاد الفرد المتردي له انعكاسات اقتصادية سيئة)..فالبطالة وفقدان العمل وارتفاع الاسعار وفقدان المورد المالي كلها تؤدي الى حالات نفسية وفراغ وحاجة للفرد مما يجعله يبحث عن طرق لتمويل نفسه وأسرته..وهناك من يتبع طرق سيئة لكونه فاقد الحس الاخلاقي والديني وأن فقد الفرد او المجتمع قيمة التكافل الاجتماعي (مساندة الجماعة للفرد أو الفرد المقتدر للجماعة) والتي اصبحت قليلة جدا في المجتمعات العشائرية بل حتى في الواقع السياسي فنرى المسؤول تناسى الامانة التي هو فيها امام من هو مسؤول عنهم..وهنا المسؤول ربما يكون رجل حكومي او فرد من العائلة او من القبيلة وأن صح التعبير (كل من له مسؤولية تجاه الاخرين)..فأن فقدان الفرد لهذه الامور المهمة يدع الباب مفتوحا امام ضعاف النفوس بالاعتداء على الاخرين لكونه يعتبر نفسه فوق القانون كونه ابن العشيرة الفلانية وعشيرته لها نفوذ وسلطة ولن ينفذ القانون بحقة عقوبة كون اخيه او ابن عمه او احد ابناء عشيرته سيستخدم (الواسطة) لإخراجه من العقوبات ولكون القانون لايحمي المواطنين من انفسهم بل يسمح لهم الدخول في الاخطاء وفي نفس الوقت لايحمي الابرياء من الاعتداء عليهم من قبل هؤلاء تحت مسمى (خلافات عشائرية) مما يؤدي الى ظهور العنف بقيادة شخوص اطلقوا على انفسهم مسميات (شيخ) وبحماية هذه الظروف المصطنعة والذي يزيد (الطين بلة) ظاهرة الاعلام الرخيص الذي يعلن ويروج لهؤلاء من خلال تركهم الاصلاء والسعي ورائهم مقابل المال وربما وهو الاكيد نشر القيم الفاسدة التي تبدر من افواه انصاف الرجال فضعف مايقدمه الاعلام من توعية وضعف التوجيه الاسري والتوجيه الديني والاخلاقي والتي كلها تدخل ضمن الواقع السياسي تؤدي الى ظهور السلبيات العشائرية..اذا الدور هنا على رؤساء وزعماء ومفكري ومثقفي العشائر ولاننسى الدور المهم للخطاب الديني ان يحذروا المجتمع من هذه الظواهر السلبية وتحديد مرتكبيها وتقويم مايمكن تقويمه منهم وأعادتهم الى جادة الصواب عن طريق انسانيتهم والمحبة والتآخي والتراحم..
أقرأ ايضاً
- التفكير الإيجابي بنسخته الاصيلة عن خاتم النبيين (ص)
- عشرُ حقائقَ مُرّة عن العمل والتفكير الاقتصادي في العراق
- لا قيمة لجميع التحالفات وعلى الكتل التفكير بدور المعارضة