علي الشاهر
لا أبتعد كثيراً عن الحقيقة لو قلت أن شخصية المنقذ العالمي، أو منقذ آخر الزمان قد تمّ استثمارها سينمائياً بصناعة أفلام تتناول عن مجيء مخلّص عظيم لإنقاذ البشرية من القتل والدمار والخوف والجوع، وبداية ربما كانت مع الـ (سوبر مان) وبعدها جاءت شخصيات أخرى مثل (بات مان) و (سبايدر مان) دخلت لمجال السينما تحكي موضوعاً واحداً بدراما مغايرة وتقنيات مختلفة، لكن الظاهر هي ذات الدلالة الدينية لظهور المخلّص (الإمام المنتظر)، والذي اتفقت حوله الديانات السماوية والمعتقدات الدينية الأخرى، سواء أنه في الإسلام هو الإمام المهدي بن الحسن العسكري، وعند المسيحيين فهو النبي عيسى المسيح، وهكذا لكل ثقافة ودين ومعتقد شخصيتهم التي يؤمنون بها وبظهورها آخر الزمان لتخليص الأرض من شرورها.
في البداية كانت الأفلام تتناول شخصية ذات طباع جيدة وسمعة عالية ومحبوبة بين الناس، لكنّه لا يظهر لهم على الشكل الذي اعتادوه وإنما يبقى مختفياً خلف قناع أو لباس، بمعنى أنه محجوب عنهم لكنّه قريب منهم ويغيثهم كلّما مروا بسوء، لكنّ هذا الأمر لم يبقَ على حاله، فقد تبدّلت هذه الشخصيات بأخرى ذات كاريزما مخيفة وتمتهن أعمالاً مشينة وربما تتجاهر بالإلحاد مثل شخصية (فتى الجحيم)، بمعنى أن لا داعي من أن يكون هذا المخلّص العالمي بهذه الصفات السيئة على أنه يؤدي ما عليه من مهمة (إنسانية) عظيمة!! وربما ظهر في المسلمين من أدّعى المهدوية وهو في أرذل العمر والأخلاق، وبالتالي يصر منتجو الأفلام على تجريد هذه الشخصية من كل صفات الأخلاق والإيمان حتّى لا يرتبط فعلها بالخالق والدين بحسب نظرتهم للمعتقدات والأديان التي ابتعدوا عنها كثيراً، ولكنهم في نفس الوقت نجحوا في صناعة رموز جديدة سحرت لبّ المتابعين والمشاهدين وربّما صارت جزءً من حياتهم وثقافتهم، وبالتالي الابتعاد عن جوهر المنقذ الحقيقي الذي هو حقيقة عظيمة يؤمن بها المسلمون وينتظرون أمر الله تعالى ليحكم الأرض ويملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
ما يسعى له اليوم السينمائيون ليس أمراً عبثياً بقدر ما أنه مقصود وهنالك أموال طائلة تصرف على مثل هذه الأفلام، وبالتالي هي تعمّق الابتعاد عن الخالق وقدرته العظيمة في إنزال خيره وأمنه وبركاته على بني البشر، وأيضاً رفض فكرة المنقذ العالمي دينياً، وتقبّلها مهما كانت عليه، وبمرور الوقت سيحظى القائمون بما أرادوا تحقيقه باستثمار الفن السينمائي الأقرب إلى المتلقّي، وبالتكرار وصناعة مثل هذه الشخصيات الوهمية ستكون تدريجياً بديلاً أكيداً للشخصية السامية وجوهر وفكرة المخلّص أو المنقذ الذي سيظهره الله تعالى آخر الزمان، وربّما الهدف الأكبر هو مسح مثل هذه الفكرة من ثقافة ومعتقدات الناس وتصبح شيئاً عادياً بالنسبة لهم ما دامَ هناك من يمكن أن يؤدّي دور الإنقاذ.
أقرأ ايضاً
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي
- فلسطين والجامعات العالمية والصدام الكبير
- ايهما اكثر تأثيرا على الاقتصاد العالمي .. حرب روسيا اوكرانيا ام حرب غزة ؟