- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ما يُطبَّق وما لا يُطبَّق من أحكام قانون الإدارة المالية الإتّحادية رقم 6 لسنة 2019
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
يتعامَل "صُنّاع القرار" في العراق مع الأطر القانونيّة (وأحياناَ الدستورية) وفقاً لرغباتهم، وبما يخدم مصالحهم (بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر)، قبل أيّ اعتبارٍ آخر.
واستناداً لهذا "المنهَج" ذاته، تتعامل الحكومة العراقية (والقوى السياسية الداعمة لها) مع أحكام القانون رقم 6 لسنة 2019، تماماً كما تتعامل مع "الديموقراطيّة" بشكلها العراقي العجيب والمُلفّق والمُلتبِس.
فالديموقراطية بالنسبة لهذه "القوى" هي انتخابات فقط، بشرط أن تكون هي الفائزة فيها، وعندما تفوز ستكون هذه الإنتخابات نزيهة، لأنها ستمنحها الشرعية الدستورية للحكم والهيمنة على مصادر السلطة والنفوذ والثروة، وإذا لم تفُز فيها، فإنّ الإنتخابات ستكون مُزوّرة، بل أنّ "الديموقراطية" ذاتها ستصبح فجأة غير صالحة كنمط للحكم، في مجتمعٍ قائم على القيم الدينية، والرعاية البطريركية، ويحنُّ أفرادهُ دائماً إلى دكتاتورية الحاكم المُستبّد (عادلاً كان أم غير عادل).
والآن، ضَع أمامك جريدة الوقائع العراقية، العدد 4550 في 5-8-2019، وأقرأ معي أحكام مواد القانون رقم 6 لسنة 2019 التي سأعرضها عليك، لنكتشف معاً تلك الإنتهازية السياسية التي تُبيح لنفسها تطبيق ما تريد من مواد (إذا أرادت)، وتتجاهل ما لاتريد من مواد، لأنّها تُلزمها (قانوناً) بما يتعارض مع مصالحها (وهذا هو ما تريدهُ وتسعى اليه في نهاية المطاف من وراء امتثالها، او عدم امتثالها لأحكام القوانين النافدة).
أوّلاً: ما لا يُراد تطبيقه من مواد القانون، وأهمّها:
1- المادة-1-ثانياً، وتاسعاً، وحادي عشر، التي تؤكّد على الإلتزام بمبدأ "سنوية الموازنة".
2- المادة-4- أولاً: التي تُلزِم الحكومة بإعداد الموازنة العامة على أسس تضمن استقرار الاقتصاد الكلّي.. و مواجهة التحديات والمخاطر المتوقعة، وتقليل التقلبّات في الانفاق الحكومي.. والكفاءة في تحصيل الإيرادات في ضوء تنبؤات معتدلة لأسعار النفط.
3- المواد من 5 إلى 11، وكلّها تنصّ على توقيتات محددة لإستكمال كل مرحلة من مراحل إعداد الموازنة العامة، من أعداد الموازنات التخطيطية لوحدات الإنفاق، ولغاية ارسالها مشروع قانون الموازنة إلى مجلس النواب لمناقشته والمصادقة عليه.. وكلّها تمّ ضربها عرض الحائط، ولم يلتزم بها لا مجلس الوزراء، ولا مجلس النواب، ولا أيّة وزارة (أو جهة حكومية) معنيّة بهذه التوقيتات على الإطلاق.
4- المادة-6- رابعاً : التي لا تُجيز أن يزيد العجز في الموازنة التخطيطية على 3% من الناتج المحلي الاجمالي.
وبهذا الصدد فإن العجز في مشروع قانون الموازنة المُقترَح للسنة المالية 2023 يبلغ 63 ترليون دينار، وهو يشكّل ما نسبته 23% من الناتج المحلي الاجمالي للعراق المُقدّر بـ 270 ترليون دينار (208 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي) في عام 2021.. أي أن العجز هنا هو أكبر بـ 20% من العجز المسموح به بموجبب المادة أعلاه.
5- المادة-17- ثانياً: التي تنصّ على وجوب تسوية السلف (الدفعات المُسبقة) في سنة مالية معينة، خلال السنة المالية ذاتها.
6- المادة-19- ثانياً: التي تُلزِم الحكومة بتوفير الفائض في الإيرادات(بعد تغطية العجز الفعلي إن وجد) في "صندوق سيادي" لاستخدامه في موازنات السنوات التالية.
ثانياً: ما يُراد تطبيقه من مواد القانون:
تعتبر الحكومة أنّ تنفيذها لأحكام المادة -4- ثانياً من هذا القانون، يُعد إنجازاً غير مسبوق في التاريخ المالي للعراق. ونصّ هذه المادة يشير إلى أن "لوزارة المالية الاتحادية إعداد موازنة متوسطة الأجل لمدة ثلاث سنوات، تُقدّم مرّة واحدة وتُشرّع.. وتكون السنة الأولى وجوبية، والسنتين التاليتين خاضعتين للتعديل.. الخ.
غير أن العمل بموجب هذه المادة مشروط ومحدد بأحكام مواد سابقة عليها ولاحقة لها، تتجاهلها الحكومة، كما يتجاهلها المدافعون عنها (وبينهم خبراء ومستشارون وأكاديميّون) على حدٍّ سواء.
ومن بين هذه المواد، المادة -4- ثانياً، التي تنصّ على ضرورة "اعداد المبادي التوجيهية في ضوء أهداف السياسة المالية المُحدّدة في التقرير المعتمد طبقاً لأحكام المادة (3) من القانون.. مع توضيح المعالم الاقتصادية الرئيسة المستندة إلى خطة التنمية الوطنية... الخ.
والسؤال هو: على أيّ "تقرير"، وعلى أيّة خطة تنمية وطنية، وعلى أيّة مؤشرات واقعية للإقتصاد الكلّي، تمّ إعداد موازنة عامة اتّحادية لمدة ثلاث سنوات؟
وهنا علينا أن لا ننسى، أنّ مجلس النواب كان قد أقرّ بموجب نص المادة -20- أوّلاً قانون "الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية"، كبديل عن الموازنة العامة الإتّحادية للسنة الماليّة 2022، في خطوة كان الهدف منها السماح للحكومة "السابقة" بـ "الإنفاق على مشاريع مختلفة ذات أولوية بهدف تحقيق الأمن الغذائي والاستقرار في البلاد".
وكما تعرفون جميعاً، فقد تحقّق "الأمن الغذائي والإستقرار في البلاد" بموجب أحكام ذلك القانون"الشهير"..
وياله من أمن، ويالهُ من استقرار، ويالهُ من بلد.
(يتبع)..
أقرأ ايضاً
- الضرائب على العقارات ستزيد الركود وتبق الخلل في الاقتصاد
- اكذوبة سردية حقوق الانسان
- القوامة الزوجية.. مراجعة في المفهوم والسياق ومحاولات الإسقاط