وسط أجواء الانسداد السياسي وتعطيل جلسات البرلمان المتكررة، يواجه الاقتصاد العراقي تحديا إضافيا مع تعطيل تمرير قانون الاستثمار الصناعي، بحسب ما أعلنه نائب رئيس لجنة الاستثمار النيابية حسين السعبري، مشيرا إلى أنّ بعض الكتل السياسية تقف وراء عرقلة إقراره.
وفي ظل استمرار هيمنة البضائع المستوردة على الأسواق المحلية وتراجع حضور المنتجات الوطنية، باتت عبارة “صُنع في العراق” شبه غائبة، بعد أن كانت قبل عقود مضت علامة بارزة وصلت إلى أسواق عالمية.
ومع عدم تمرير قانون الاستثمار الصناعي، اتهم نائب رئيس لجنة الاستثمار النيابية حسين السعبري، بعض الكتل السياسية بالوقوف وراء عرقلة إقراره.
وقال السعبري، إن “قانون الاستثمار الصناعي، من أهم القوانين الموجودة في مجلس النواب. حاولنا التصويت على القانون في الجلسات السابقة، لكن هناك اعتراضا من قبل بعض أعضاء المجلس على بعض المواد وفقرات القانون”.
وأضاف، أن “اللجنة عقدت جلسة نقاش مع النواب المعترضين وإيضاح أهمية القانون للاقتصاد العراقي، وان الإشكال الموجود هو عدم معرفة بعض أعضاء البرلمان بخصوص التمليك في داخل البلدية، لكن للأسف بعض الأعضاء يدفعون بعدم اقرار القانون”.
وأوضح، أن “التمليك داخل البلدية اشترط أن يكون للمناطق والأحياء الصناعية، وبسعر 50% من سعر السوق السائد، وهذا رقم يساهم في إيرادات مالية، وأن القانون اشترط أن تكون المناطق الصناعية بموافقة وزارتي الصحة والييئة”.
وتابع، أن “قانون الاستثمار يحتوي على امتيازات كبيرة من إعفاء من الكمرك والضرائب لمدة 12 عاما، بعد أن كانت 10 سنوات، وذلك للحفاظ على أموال المستثمر الخارجي والاحتكام للقانون الدولي، إضافة إلى اعطاء امتيازات كثيرة من ضمنها تمليك في خارج المدن”.
واستطرد، النائب السعبيري، بالقول: إن “المواد والفقرات الموجودة في قانون الاستثمار المعطل، كثيرة، وهدفها إعادة شعار صنع في العراق، ويعود البلد منتجا وليس مستوردا”.
وكانت مصادر مطلعة من داخل مجلس النواب، كشفت في 15 أيلول الجاري، أن “بعض القوانين المدرجة على جدول أعمال الجلسة، وتحديدا اتفاقية الاستثمار مع السعودية وقانون الاستثمار الصناعي، كانا سببا في تعطيل جلسة اليوم”.
وأضافت، أن “فشل الجلسة يعود إلى منع رؤساء الكتل نوابهم من الحضور، فيما كان البعض الآخر منشغلا بالتحضير للانتخابات”.
ويعيش العراق منذ عقود حالة من الركود والشلل التام في القطاع الصناعي العام والخاص، باستثناء بعض المحاولات الخجولة التي لا يمكنها ان تجعل منه بلدا صناعيا رغم توفر المواد الأولية والخبرات والبنى التحتية التي تصلح لشتى الصناعات.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي بدأت الصناعة العراقية بالاندثار بسبب الحصار الدولي الذي أطاح باقتصاد الدولة، ما أدى إلى انتكاسة خطيرة انعكست آثارها على المصانع والمعامل والورش وتضاءلت فرص الإنتاج إلى حد كبير لتصل إلى مرحلة الكساد التام في عام 2003، حيث تم فتح أبواب الاستيراد على مصراعيها، إلا أن مختصين يؤكدون أن هناك إرادة سياسية تتعمد تعطيل الإنتاج المحلي.
وكان عضو لجنة الصناعة البرلمانية ياسر الحسيني، أكد في وقت سابق، أن “هناك إرادة سياسية هي من عطلت منذ سنين طويلة الصناعة المحلية المختلفة وهي ما زالت تعطل تلك الصناعة، إضافة إلى إرادة خارجية سياسية واقتصادية تعمل على هذا التعطيل”.
وتحوّلت الصناعة العراقية إلى “سلعة” سياسية يحاول رؤساء الحكومات حصد إنجاز إعلامي بها ورفع رصيدهم الشعبي فقط، بحسب ما يرى مراقبون، ويؤكدون غياب أي حلول حقيقية لدعمها، سواء بفرض ضرائب على البضاعة المستوردة أو المساهمة بتسويقها داخليا، أكدوا أن دعم هذه الصناعة وخاصة الكهربائية سيشكل موردا ماليا كبيرا للدولة.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، قال في 2 آيار 2023، خلال مؤتمر الاستثمار المعدني الذي أقيم في بغداد، إن “العراق قادر على إنتاج صناعة وطنية تضاهي ما ينتج في الدول العربية.. ولن نبقى متفرجين ببقاء العراق سوقا استهلاكية بل سيكون هنالك إنتاج وطني”.
يشار إلى أن العراق يمتلك شركات رسمية ما زالت فاعلة ومنتجة، مثل النسيج والصناعات الكهربائية، التي تحمل أسماء “عشتار” و”القيثارة” لمنتجاتها، فضلا عن المواد الغذائية، مثل الألبان.
جدير بالذكر، أن أغلب هذه المنتجات المحلية تباع في مراكز الشركات، أو مكاتب محدودة فقط، ولم تصل للسوق للمحلية، التي تزخر بالبضائع المستوردة.
يشار إلى أن معامل الفوسفات والأسمدة والطابوق والمعجون والأدوية، كلها متوقفة أو شبه متوقفة، رغم أنها متداخلة بالقطاع الزراعي والصناعي.
ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!