ابحث في الموقع

خطابات النار: الطائفية والقومية تعود إلى المسرح الانتخابي

خطابات النار: الطائفية والقومية تعود إلى المسرح الانتخابي
خطابات النار: الطائفية والقومية تعود إلى المسرح الانتخابي
بقلم: سيف الحمداني

في كل دورة انتخابية جديدة، يُفترض أن يتعلم السياسي العراقي من تجارب الماضي، لكن يبدو أن بعضهم لا يتقن سوى إعادة إنتاج ذات الخطابات التي أحرقت البلاد أكثر مما وحدتها. اليوم، ونحن على أعتاب انتخابات جديدة، تتصاعد منابر التحريض الطائفي والقومي من جديد، وكأننا أمام مسرح يعيد عرض المسرحية ذاتها مع تغيّر بسيط في الممثلين.

الخطاب الطائفي ليس مجرد كلمات، بل هو مشروع كامل لإعادة تقسيم وعي الناس وفق حدود الدم والانتماء المذهبي. والسياسي الذي يرفع هذه الشعارات يعلم جيدًا أن جمهوره المرهق من الفقر والخذلان يحتاج إلى “عدو” يعلّق عليه أزماته، لذلك تُستحضر الطائفة حين تغيب الخدمات، وتُستعاد القومية حين تفشل السياسات.

في الآونة الأخيرة، لاحظ المتابعون ارتفاع حدة العبارات المتشنجة على المنصات الإعلامية، وتبادل الاتهامات بين أطراف متنافسة في بغداد والمحافظات، إلى حدّ استخدام ألفاظ غير مرغوبة في الخطاب العام، ما يعكس هشاشة المشهد السياسي وضعف الالتزام الأخلاقي لدى بعض المرشحين أو داعميهم. وهذا الانحدار في مستوى الخطاب لا يمس فقط السلوك الانتخابي، بل يهدد بنسف ما تبقى من ثقة الجمهور بالعملية السياسية.

الأخطر أن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صارت مسرحًا لهذا التوتر، إذ تُبثّ مقاطع ومقابلات تؤجج المشاعر بدلاً من تهدئتها، ويجري تداولها بسرعة البرق. فبدلاً من أن تكون الحملة الانتخابية فرصة لتنافس البرامج، تحولت إلى ساحة لإعادة إنتاج الانقسامات القديمة.

إن استخدام الطائفية والقومية كوقود انتخابي لم يعد مجرد تكتيك سياسي، بل أصبح وسيلة بقاء للبعض في ساحة فقدت فيها الثقة بالمشاريع التنموية والإصلاحية. وهذا السلوك يعمّق الشرخ بين المكونات، ويجعل الانتخابات أشبه بحلبة صراع رمزي لا حوار وطني.

لقد آن الأوان أن يواجه المجتمع هذا الانحدار بموقف واضح. فالمثقف والإعلامي ورجل الدين وحتى الناخب العادي، مطالبون اليوم بعدم تكرار أخطاء الماضي، لأن الصمت أمام هذا الخطاب هو مشاركة ضمنية في استمراره. فبلد أنهكته الحروب والانقسامات لا يحتمل مزيدًا من التحريض.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
كلمات مفتاحية
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!