ابحث في الموقع

العادات والتقاليد بين الحكم الشرعي والتقبل الجمعي

العادات والتقاليد بين الحكم الشرعي والتقبل الجمعي
العادات والتقاليد بين الحكم الشرعي والتقبل الجمعي
بقلم: حسن كاظم الفتال

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) ـ البقرة /170 

       

تمهيد 

إن الخوض في سبر غور العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية يلزمنا أحيانا أن نتوقف عند بعض المفترقات  ونتأمل قليلا ثم نتجه بالتدريج إلى بوابات لنلج منها إلى ميدان العادات والتقاليد إذ أنه ميدان واسع المديات تتداخل به المعاني وتتشابك أحيانا الرموز وليس ثمة مجتمعٌ يخلو سفره من مدونات للعادات والتقاليد والإعتزاز بها خير اعتزاز 

ولعل المفترق الأول هو تعريف علماء الاجتماع لمكونات العادات والتقاليد وبيان التعليلات ووضع التحليلات لها.

فقد يعرفها علماء الاجتماع بأنها مجموعة أمور يرثها الإنسان من الآباء والأجداد ويتأثر بها غاية التأثر بل ينصهر أحيانا بها ويعدها موروثات ثقافية ويعتاد عليها وربما تتحكم بنشئته فيرتكز عليها في تكوينه العقلي والنفسي. 

وكم توارثت الأجيال أعرافا وعاداتٍ وتقاليد تمسكت بها بقوة وتعاطت معها دون أن تتخلى عنها وهي ربما لم تعلم شيئا عن كيفية نمو جذورها وسبب ارتكاز المجتمعات السابقة عليها وهذه الظاهرة لا تقتصر على شعب أو مجتمع أو أمة معينة إنما تشترك بها شعوب كثيرة.

وعلم الإجتماع لعله يتصل بجوانب كثيرة في حياة الإنسان ويعده العلماء بأنه توجه أكاديمي يدرس الظواهر الإجتماعية المتعلقة بالبشر سواء بشكل مجموعات أو مجتمعات ويشخص التفاعلات الإجتماعية ويهتم بالقواعد التي ترتكز عليها المجتمعات ويدرس العمليات الإجتماعية التي تربط وتفصل الناس ليس فقط كأفراد لكن كأعضاء جمعيات ومجموعات ومؤسسات . وثمة حقيقة لعلها ثابتة تشير إلى أن علم الإجتماع معني بالاهتمام بسلوك المجتمع وأن علماء الإجتماع أكثر حرصا من سواهم بالدعوة إلى تطبيق التنظيم الإجتماعي والتقسيم الطبقي وقدرة التنقل الإجتماعية والعلاقات العرقية والدينية وهم تواقون إلى أن يحققوا نجاح ما وضعوا من نظريات بشكل عملي ملموس وبتطبيقها تطبيقا حقيقيا صحيحا. 

فمثلما تنخر آفة الوباء العضوي في جسد الفرد وتنهكه أو تهلكه فإن آفة الوباء الإجتماعي تنخر جسد المجتمع وتعرض كيانه إلى الإنهيار وما أن يبدأ البعض بالإنقياد إلى المغريات أو الأوهام والسراب الخادع يبادر بالإنسلاخ من القيم والمبادئ كلما حدث ذلك تتفاقم الأزمات وتندحر المجتمعات وتنهار أو تسير إلى الهاوية.

غالبا ما يطرح الواقع العام المعيش أسئلة حتى حين لا يحظى باستجابات وردود سريعة ووافية إنما يمكن حتى للفرد العادي أحيانا الإجابة عنها عمليا أو نظريا سرا أو علنا ظاهرا أم باطنا وهكذا. 

كيف ينسلخ الأفراد من مبادئهم وقيمهم ؟ ولماذا يحصل ذلك ؟ ما هي الحصانة الإجتماعية وكيف يمكن للمرء أن يحرزها ؟

كيف يمكن للفرد أن يحصن نفسه بمناعة عقائدية أو أخلاقية أو حتى عرفية تفرضها عليه الرقابة الإجتماعية ؟ 

ما هي الرقابة الإجتماعية وما هي آثارها ومحصلاتها ؟

الظواهر الإجتماعية ما مصدر ظهورها ؟ 

ما هي وجهة نظر الشريعة الإسلامية من علم الإجتماع ؟ 

الخلافات الإنسانية الإجتماعية بين الأفراد لماذا يتعذر أحيانا عمل إصلاح ذات البين وتتعقد ولا يسهل حل عقدها ؟ 

نشوب الخصومات بين الأقارب لِمَ يكون أحيانا أسرع منه مما هو بين الغرباء ؟ وربما عندما تنشب تكون أشد ضراوة .وتكون ملامح اشتداها أكثر ظهورا وكذلك ربما يتعذر إيجاد حلول سريعة أو مناسبة لها ؟

بماذا يفسر علماء الإجتماع مثل هذه الظاهرة ؟

علم الإجتماع وجدلية المظاهر

الكثير منا فضلا عن أنه يجهل الخوض بدقة في جزئيات جوهر علم الاجتماع فهو لعله لم يفقه منه إلا اسمه بل لا يميل للتعرف على بواطن مفرداته .

ولو اتيح لبعضنا أن يتعاطى مع حقيقة هذا العلم فليس إلا بواسطة ما يطرق اسماعنا أحيانا من مصطلحات تطرح أو نظريات يتم تبسيط مكنوناتها من أجل أن يتيسر التعرف عليها إما سمعا أو مشاهدةً أو قراءة ما يكتب وليس بالضرورة أن تُوَفَر للأفراد فرصة تطبيقها تطبيقا فعليا حقيقيا صحيحا .. 

أو بالطريقة النمطية السائدة التي يتم التعاطي بها مع الكثير من الظواهر أو الممارسات وغيرها وبصيغ السطحية والقشرية 

كيف يمكن للمرء أن يحصن نفسه من الآفات الإجتماعية؟ 

احتمالية صيغ التآخي بين القانون والعرف

معظم المجتمعات تسعى لتحديد وتخصيص ووضع علامات فارقة تصفها وتميزها عن سواها ـ حتى لو كانت هذه المجتمعات منغلقة على نفسها وذلك ما يكون نادر الحصول ولكل قاعدة معاكساتها ـ والعلامات الفارقة هذه يقرها أو يفرضها المجتمع نفسه إذ هي نتيجة تشريع وعملية تطبيق فعلي صادق للمفاهيم الانسانية وتؤكدها مصداقية الحرص على تحسين السلوك الإجتماعي واعتماد المعايير والضوابط التي تتحكم بالقيم المجتمعية ووضع وتسمية محددات اعتبارية معينة تكون هي الحاكم والقاضي.

ومن نافلة القول أن نشير إلى أن قسما من العادات والتقاليد يرتبط ارتباطا كليا بالتشريعات القانونية أو يلتقي معها في محددات معينة إما أن تُكْتَسَب العادة من بعض نصوص بنود القانون وتشريعاته وربما العكس القانون تستند بعض تشريعاته أو نصوص بنوده إلى عادات واعراف متداولة مقبولة يقرها العقل الجمعي فيختارها القانون ليضيفها أو يثبتها في البنود وعند ذاك يكون أكثر قوة وفاعلية في تطبيقاته . لذا نلاحظ المجتمعات التي تتماشى تشريعات عاداتها وتقاليدها مع النصوص القانونية نوعا ما تكون أكثر استقرارا واطمئنانا وسلامة وثقافة يعمد البعض لأن ينسلخ من واقعه الحقيقي ويتخلى عن المعتقد مما يجعلنا نتساءل : ما هي اسباب الانسلاخ من المعتقد أو من الإصول والتخلي عن بعض القيم والمبادئ ؟ 

بعض العامة يستخدمون في وصفهم للفرد المنفتح صاحب الصدر الرحب وصاحب المعاشرة الطيبة والتعامل الخلقي الجيد بأنه إجتماعي ما المقصود بذلك ؟ 

لم يختلف سلوك الإنسان الريفي عن سلوك الفرد المدني ؟ 

هل أن التقدم في العمر له الأثر في تغيير سلوك الإنسان ولماذا يحصل هذا التغير كلما تقدم العمر ؟ 

مما لا يرقى له الشك ليس فينا من لا يدرك أن دستور حياتنا هو القرآن الكريم وقد أطلعنا على مفاهيمه ومعانيه ومقاصد نصوصه أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين مما ورثوه وورثوه لنا مما يلحظ للرفعة السمو.

اثر الترابط الزمكاني للمورث الديني  

وإن عظمة القرآن وقدس وجلالة آياته المحكمات وتأويلاتها وتبيان مدلولاتها من ظاهر منطوقها وما أظهره الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم كل ذلك ارتبط بحقيقة ما يطلق عليه الموروث الديني وهذا الموروث الديني راح يفيض على الناس أعظم الدروس وأبلغ العبر وارتبط ارتباطا مباشرا بسياقات حياة الإنسان مما دعا لأن نعتز غاية الإعتزاز بهذا الموروث.

ولا شك أن الأمم مجبولة أحيانا على الإعتزاز بموروثها الديني وتعدُّه جزءاً من المنظومة الثقافية والمعرفية التي تحتفظ بها فضلا عن أنها الهوية التي تحدد ما يتبنى هذا المجتمع من سلوكيات وأخلاقيات وأدبيات تدعو للإعتزاز. ولعل ذلك يوحي بأن الموروثَ يحق لدلالاته أن تأخذ دور الوصاية على الإنسان من أجل أن تتحكم بسلوكه وتقوِّمَ فيه أيَ اعوجاج ولعلها تتدخل في صناعة البيئة التي يعيشها المسلم.

ويحدد طبيعة العلاقات بين الأفراد وتعامل الأفراد مع ما ومن حولَهم من الأشياء وعند الإبحار أو التوغل في ادبيات الشعوب نلاحظ قلما تجد أديبا أو مثقفا أو حتى فردا عاديا يتحدث دون أن يشير في حديثه إلى الموروث الديني وإلى العقيدة والعادات والتقاليد وكم تختزن ذاكرته الكثير من النصوص ويصر أحيانا على أن هذه النصوص أو الأحاديث التي تلمح إلى الموروث ليست مجردَ أقوال عابرة بل هي نصوص يتحتم على قارئها وسامعها أن يلتزم بمضامينها ومدلولاتها. 

إذن هل للمسلم الذي يزعم التمسك بدينه لكنه يتصرف بما يوحي بأن تصرفه هذا لا يمت للإسلام بصلة . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (خيركم من دعا إلى فعل الخير).

وقال صلى الله عليه وآله: (خير الناس من نفع الناس) أو (خير الناس من تحمل مؤونة الناس) والتعامل الإسلامي يعني روح َالتعامل الإنساني 

إذن لِمَ لا تندمج الأفعالُ والأقوالُ لتصب في مصب المصداقية ؟ 

 هل يدل ذلك على الإزدواجية ؟ أم غياب التوازن واستقلال الشخصية ؟ أم اضطرارية المكانِ والزمانِ والحدث والمحدث ؟ 

لِم ندعو الآخرين للإصلاح ولا نلتمس الإصلاح لذاتنا أحيانا ؟ 

ما مدى تأثير الطبع والتطبع على سلوكيات المرء وتصرفاته ؟ وما هي الإنعكاسات السلبيةُ منها على المجتمع ؟

ماذا نعني بالثقافة الإسلامية هل هي التدرج بمنهجية التعليم الأكاديمي العلمي الحوزوي ؟ أم هي الإكتفاء بمعرفة بعض الأحكام الشرعية ؟ أم التعرف على كل ما ورثه الإسلام من قيم سماوية ؟

ملتقيات التمسك بالهوية المجتمعية

نجد أحيانا أن بعضنا يسهب في الثناء والمديح على المجتمعات غير الإسلامية ويجتهد كثيرا في إيجاد عبارات الذم على ابناء جلدته أو عقيدته . لماذا يحدث ذلك ؟ وهل هي حقيقة ذات مصداق؟ 

حين تغيب الرقاباتُ القانونية والعرفية والمجتمعية والضغوطات الخارجية. هل يخضع المسلم للرقابة الذاتية ؟ أم تغيب عنه أيضا ؟ .وإذا غابت فما هو السبب ؟ 

ما الذي سبب ضياع َالمسلمِ لهويته وفقدانَ رموزها وطمسَ معالمها ؟ 

هل أن الإنسلاخ من ماهية الهوية وأصالتها تعني ثقافة ؟   

لِم حين يبتعد بعض المسلمين عن بلادهم ويتجهون إلى بلاد المهجر ينفذون ويطبقون القوانين كاملة ؟ ويتحلون بانضباط تام ؟ ولكنهم ينسون ذلك لمجرد عودتهم ؟ 

هل أن الثقافة أصبحت تمثل مجردَ مفردة تتداولها الألسن ؟ أم أنها شعور وتوجس وقناعة تحث الفرد على ممارسة عملية أخلاقية تعكس أبهى صورِ الحضارة ؟ 

إن من أولويات مقاصد التشريعات الإسلامية صيانةَ الفرد وحمايتَه وإنقاذَه من الوقوع في شرائك المفاسد التي تخلف نتائجها الضررَ الجسيمَ على الفرد والمجتمع 

والشرع يخاطب العقول ويتناغم مع عظمة كيانها الجوهري وينيرها بإشراقاته الوضاءة أكثر فأكثر ويتعامل مع الأحداث والمستجدات المتطورة ويرشد لها الفرد فيسلكُ سبيلَ الأمن والأمان والإطمئنان . أما العرفُ فاستعمالاته أحيانا تشغلُ مساحةً واسعةً في التعامل بين الأفراد بسبب ميله وإنحيازه إلى العاطفة والمزاجات .

وإن الشريعة أقرت الكثيرَ من الأعراف خصوصا تلك التي تبرز مكارمَ الأخلاق إنما نبذت البعضَ منها ورغم ذلك لا يتحرز البعض من ممارستها . 

الإلتزام ببنود التشريعات الإسلامية يبعد الفرد عن الأخطاء ومن ثم الوقوع في هاوية المهالك أو المخاطر بينما التمسك ببعض الأعراف يسبب المخاطر . 

لذا نجد إن القوانين التي تعتمد في بنودها سياسة العرف وتوضع على أساس التعامل العرفي للمجتمع كثيرا ما تخضع إلى تغييرات وتعديلات متعددةٍ ومتكررة بسبب تحكمِ الوضعِ العرفي عكس القانون الشرعي الثابت.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
كلمات مفتاحية
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!