تنطوي شخصية القائد على مواصفات وملكات حددها العلماء المعنيون في بحوثهم ودراساتهم، منها على سبيل المثال، الحكمة المقرونة بالحزم، والتوازن، والانبساط، والقدرة على التعامل بحنكة مع الازمات، وقوة الشخصية، والثقة المطلقة بالنفس، والصبر، والابتعاد عن العزلة، ومشاركة الجماهير في همومهم وتطلعاتهم، وبعد النظر، وما الى ذلك من صفات ومَلَكات لابد من توافرها في شخصية الانسان لكي يتسنى له قيادة الآخرين.
ويؤكد العلماء المعنيون أن الزعماء والقادة هم نتاج العوائل الديمقراطية، بكلمة أوضح، ان المحيط العائلي الذي يسمح بتداول الافكار وتعدد الآراء ويبتعد عن تكريس السلطة في فرد واحد، سيساعد على تطور شخصيات قيادية مؤهَّلة لقيادة الآخرين، ولايمكن للعوائل ذات السلطة الأبوية الصارمة والكابحة للآراء والمواهب أن تساعد على ظهور الافراد القياديين، مضافا الى تدخّل الجينات الوراثية في صناعة القائد، إذن هناك عوامل موروثة وأخرى مكتسبة تؤهل الافراد لكي يكونوا قادة، فيما يُحرم آخرون من التصدي لمهمة قيادة الآخرين.
هنا يتدخل عامل الخبرة في صقل موهبة القيادة لدى الاشخاص، بمعنى أن القائد مضافا الى توافر العوامل الداعمة بشقيها المكتسب والموروث، هناك عامل مهم آخر هو مدى قدرة القائد على الاستفادة من التجارب والدروس والأزمات التي يمر بها هو شخصيا، أو غيره من القادة، ثم يحاول أن يتأملها ويدرسها بتركيز عال، لكي يطور من خلالها حنكته القيادية مع مرور الوقت.
صناعة القرار تحتاج الى مثل هذه الخبرة الكبيرة، وإذا كان النظام الديمقراطي لايعتمد القرارات الفردية، فإن مجموع المشتركين في صياغة القرار لابد أن يتحلوا بمواصفات القيادة الجيدة، صحيح أن نظام المؤسسات الدستورية يمنع تركيز السلطة في شخص واحد، لكن هذا لايعني تسلل الضعف في اتخاذ القرارات الى نفوس الاشخاص القياديين، فإذا ما تطلب ظرف سياسي معين أن يُتَّخذ قرار صائب وسريع ينبغي أن لا تكون الديمقراطية عائقا لمثل هذا الاجراء القيادي الهام، ولابد أن تظهر هنا الملكات القيادية للقائد الأعلى حتى لو كان تحركه وقراراته محكومة بالدستور وسقف الصلاحيات الممنوحة له، فهناك دائما هامش لموهبة القيادة والحنكة والخبرة القيادية، تتيح للقائد أن يتخذ القرار المطلوب من دون التجاوز على النهج الديمقراطي للنظام السياسي.
وقد يُنظّر الى القرارات المتعلقة بقضايا داخلية بعين تختلف عن القرارات الخارجية، فإذا كانت اللامركزية تحد من تفرّد القائد بصنع القرار الداخلي (الذي يخص شؤون الدولة الداخلية) وذلك لعدم تركيز السلطة بيد القائد الأوحد وتنمية المسار الدكتاتوري، فإن الأمر مع القرارات الخارجية قد يختلف أحيانا، خاصة إذا كانت مصالح الدولة مهددة بصورة مباشرة، هنا تتطلب المعالجة تركيزا للسلطة بدلا من تشتيتها، بمعنى أوضح، إذا كان هناك خطر خارجي يتهدد مصالح الدولة الاقتصادية أو غيرها، لابد أن يكون هناك تحرك سريع للمعالجة والتصدي، على خلاف الازمة الداخلية التي تتيح هامشا من التأني والهدوء في المعالجة، واذا كان الدستور وطبيعة الصلاحيات الممنوحة للقائد عائقا أمام تركيز السلطة بيد القائد، فإنها لايمكن أن تكون عائقا أمام شخصيته ومواهبه وحنكته القيادية التي اكتسبها من تراكم الخبرة في العمل السياسي أو سواه.
إن السنوات التسع الماضية بعد نيسان 2003، منحت القادة العراقيين فرصا لاكتساب المهارات القيادية، وتراكمت لديهم خبرات في التعاطي مع عملية صنع القرار، فالشخص الذي يزاول العمل السياسي يحتاج الى الاحتكاك الميداني في ممارسة عمله، لكي يتعلم من أخطائه وأخطاء الآخرين، ويضاعف خبراته مع مرور الوقت، وإذا كان مؤهلا أصلا للقيادة، فإن العمل الميداني المباشر يصقل شخصيته القيادية، ويجعله أكثر حنكة ونجاحا، ولكن يعتمد الأمر على مدى إصرار القائد أو السياسي عموما على تطوير مهاراته القيادية.
وهكذا تكون الخبرة المتراكمة عاملا مهما في نجاح القادة باتخاذ القرار الملائم، لذا يتطلب من الساسة العراقيين في عهد الديمقراطية، أن يضاعفوا من قدراتهم وخبراتهم في عملية صنع القرار، وأن لا تغيب الموهبة القيادية في الازمات والقرارات الملحة، بحجة التحجيم الدستوري للصلاحيات، والدليل على ذلك هناك قادة ناجحون ومتميزون وحازمون في أنظمة ديمقراطية ناجحة ايضا، هذا يؤكد أن الديمقراطية لا تقتل مواهب القادة، ولكنها تحد من تركيز السلطة الفردية، وهناك فارق كبير بين أن يكون السياسي دكتاتورا، وبين أن يكون قائدا ديمقراطيا محنكا.