حجم النص
بقلم: عباس البغدادي حينما تسخن مواسم الذبح والمجازر والإبادة، نتذكر اننا منسيون، بقضّنا وقضيضنا، بأجنّتنا ورضعاننا، أطفالنا وشباننا، نسائنا ورجالنا، شيوخنا وأشلائنا، نتحول الى فائض بشري، نستجدى هنا وهناك اعترافاً بنا كأموات، وليس كأحياء، فلقد تجاوزنا هذا الترف، اذ كنا أحياء في عرفهم ونستحق العيش على ظهر الكوكب لما سهّلوا كل هذا القتل والدمار والذبح! ولَمَا تواطأت مسوخ الوهابية، مع غرب (رولكس والدقة اللامتناهية) ليؤسسوا بين أضلاعنا (دولة) أشبه بمسلخ بشري، يحوّل الضحايا الى أرقام في شريط (عاجل) على شاشات الجزيرة والسي أن أن والبي بي سي و. و..! .. وما أدراك ما (سبايكر)، مجازر بالألوان الطبيعية، وكاميرات متلذذة، ويوتيوب مشحوذ الهمة، ومشهد ترتعد منه استدويوهات الرعب الهوليودي، والنتيجة؛ دموع ونواح وعويل عابر للقارات على الصحفي جيمس فولي وزميله ستيفن سوتلوف، فهل (سقط سهواً)، أم فاصل ونعود؟! 1700 ضحية في ريعان الشباب، عُزّل على رؤوس الأشهاد (اسأل يوتيوب)، هذا الرقم الأولي، رقم الصدمة، ثم تهتكت أستار الجريمة، وفاح الغدر المتأصل، المجرّب في نكبة الموصل، بطعم البعث، وتدحرجت أرقام الضحايا مثلما تدحرجت الجثث الساخنة في قبر دجلة المتنقل، 2000، 3000 أو يزيدون، تعارك المحاصصون على هذه الأرقام، وقالوا انها دعايات الطائفيين، ثم أقسمت الأمهات الثاكلات؛ بأننا نعرف سحنات أولادنا وبصمات وجوههم التي أذابها الرعب، انهم لحمنا ودمنا وفلذات أكبادنا، نُقسم اننا سمعنا استغاثاتهم وأنينهم، وان لا دخل للـ(فوتوشوب) في المذبحة.. ثم يواسيهم سيادة رئيس المجلس بإعطائهم (دقائق) من وقت المجلس الثمين، الغالي، العزيز، المبرمج لجلسات مرتقبة تناقش سلًم رواتب النواب وتقاعدهم وايفادهم وعلاجهم وحماياتهم و.و.و! صرخن الأمهات في وجوه المتحصنين في مجلس النواب من الأعضاء والسادة المحاصصين، قلن؛ نريد (بقايا) أعزتنا، وأن نعرف لهم قبراً، وأن نزورهم كل جمعة لنغسل شواهد قبورهم بدموع عيوننا، ونوقد عندهم شموع الفاجعة، ونقسم لهم؛ بأننا لم ننساكم منذ الرصاصة الأولى التي اخترقت أحشاءكم، مثلما نسيكم عبدة الكاميرات والمايكروفونات والمنصات والكراسي.. وتحدثن الثاكلات؛ لا نريد منكن أثماناً لشباننا الذين رميتموهم صيداً سهلاً لجزّاري الأمس، حلفاء الوحوش اليوم، فكل كنوز العالم لا تساوي قول (يُمّه) منهم! نريد أن تعثروا على أشلائهم، فنحن لا نبذّر بهم كما بذّرتم! نريد منكم، ومن الحكومة، ومن العراق (اعترافاً) بأنه ذُبحوا وقتلوا في مجزرة (إبادة) وليس في حادث سير عابر! كنا نظن انكم (أولياء) دم الضحايا مثلنا، قلتم ذلك حين انتخبناكم وأجلسناكم على هذه الكراسي، قلتم في لافتتاكم؛ نحن معكم ومن أجلكم وندافع عنكم ونلاحق حقوقكم! وهذا أول اختبار لكم، اذ سوّدتم الصفحة، وتعاملتم معنا عند البوابات كأننا نشحذ أشلاء ضحايانا من حضرة جنابكم! لا نريد منكم حزناً مستعاراً أمام الكاميرات، فقط نريد منكم أن (تتفاهموا) مع وكلاء القتلة في سبايكر، والذين يجلسون معكم في المجلس نواباً محصنين، فربما يقايضوكم على تسليم الجثث والأشلاء! عاجل.. رمت إحدى الأمهات الثكلى من الحاضرات في مجلس النواب (شيلتهه) بوجه رئيس المجلس وباقي الأعضاء.. وما يزال السادة النواب محمومين في سجال حول من هو بالضبط كانت تقصده تلك الأم في رميتها تلك، اذ لا يُعقل انها تقصد جميع النواب..؟! * * * تعساً للمرجفين والمترددين والمنبطحين والمتواطئين وسماسرة السياسة، نواباً ومسؤولين، الذين يتحفظون ويتأتِئون ويتلكأون ويسوّفون و(يستخيرون)؛ حينما يُطالبون بإدراج مجزرة سبايكر كإبادة جماعية، وجريمة ضد الإنسانية من جرائم التطهير الطائفي! حتى هذا الحق العرفي والإنساني والقانوني يريدون دفنه مع الضحايا، أليست هذه شراكة مبطنة (غير مقصودة) مع القتلة؟ أم انها مجاملات لا بد منها -كما عهدناها- لوكلاء القتلة، من زملاء الشراكة، والمحاصصة التي زادت إثرها مجازرنا، أم هي محاذير من إثارة حنقهم وغضبهم..؟ أم يريدون من أولياء الضحايا أن يبلعوا آهاتهم ومطالبهم حتى لا يزعجوا وكلاء القتلة؟ لله دَرّ الشاعر أحمد مطر: "أمِنَ التأدّبِ أن أقول لقاتلي عُذراً إذا جرحتْ يديكَ دمائي؟ أأقولُ للكلبِ العقور تأدُّباً: دغدِغْ بنابك يا أخي أشلائي؟". فلعنة الله على المحاصصة وعلى من ابتدعها ودعمها وسلطها على رقاب ومصائر العراقيين. * * * كنّا طوال عقود طويلة مشاريع تضحية لإرواء عطش الطغاة والسفاحين لدمائنا، ومعهم كانوا المتسللين من الإرث الأموي الذين باركوا المقابر الجماعية، المبثوثة في حشاشة الوطن، تلك التي شاهدها العالم وسمع عنها بدم بارد، وهو يلوك مفردات حقوق الإنسان على كرسي هزّاز! انتشلنا الرفات، وشاهد مراسل القناة الألمانية تلك الأم تنوح على (بقايا) ولدها، ويسألها المراسل؛ كيف عرفتِ ان الرفات لولدك؟ أجابتهُ باكية: "شلون ما أعرفَهْ، هذا ابني والله، شفت محبَسَهْ ويّهْ اعظامه، اشتراه آخر مره رحنه للنجف آني ويّاه، مكتوب عليه (يا علي)"... * * * يا لمظلوميتنا، ويا لرخص دمّنا؛ نحن الذين والَينا أهل البيت (عليهم السلام)، وكأن 14 قرناً من التضحيات لم تكفِ لسداد ضريبة ذلك الولاء، حتى القرن العشرين، قرن "حقوق الإنسان" لم يعتقنا، وخصصّ لنا مجازر ومذابح جماعية، وشجّع مسوخ الوهابية ومؤازريهم بأن يعلنوا جهاراً، انهم لا يغمض لهم جفن حتى يروا آخر شيعي صريعاً يتشحّط بدمه، وكانت (فتاوى) الزرقاوي وعتاة مشايخ الوهابية، وشربت سيوف وخناجر الغدر من دماء الأبرياء الزاكية، لم تفرق بين رضيع أو طفل أو امرأة، ولا بين شاب وشيخ طاعن في السن، وكانت الأفراح تقام في مرابع الأمويين الوهابيين، وتوزع الحلوى، والعالم سادر في صمته، وفي تواطئه، ما عدا استنكار خجول هنا، وشجب خالي الدسم هناك! أما من بكيناهم وآزرناهم وضحينا من أجلهم في غزة، فكانوا (يؤبّنون) زرقاويهم، ويثنون على (جهاده وثباته) في جزّ رقاب الرافضة! * * * ان عالماً يعاقب ويجرّم كل من ينكر "الهولوكوست"، ويجبر كل رئيس يزور اسرائيل بأن يضع إكليل زهور في متحف "الهولوكوست" في تل أبيب، ولا يرف له جفن لضحايانا، وآخرهم الذين سقطوا في مجزرة سبايكر بتلك الوحشية، لهو عالم جدير بالازدراء والرثاء! ولا يستحق أن ننتظر عطفه وتمنّنه بـ(الاعتراف) بمجزرة ضدنا هنا أو هناك، عالم لا يستحق منا سوى أن نرميه بالبيض الفاسد. أُقسم ان الدموع التي ذرفها هذا العالم يوماً ما على (ديانا) كأميرة متهتكة قُتلت في حادث سير مع عشيقها، أكثر آلاف المرات من الدموع التي ذرفها على ضحايا (حلبجة)، أو مقابرنا الجماعية، أو مجازر الصهيونية في فلسطين ولبنان، ومجازر الفرنسيين في الجزائر، أو المذابح الجماعية بحق مسلمي بورما، وغيرها كثير! ما أقذر هذا الانتقاء في تصنيف الضحايا؟ فواحد يستحق التأبين والـ(الفزعة) والقَسَم بالاقتصاص من قتلته (قتل الصحفيين الاميركيين مؤخراً مثالاً)، وآخر يستحق النسيان والضياع والشطب (ضحايا سبايكر وأخواتها)! وبالفصيح؛ انه انتقاء يشجع المجرم، ويمهد لمجازر جديدة، ويضج بعلامات الاستفهام؟ والأنكى انه لا يتم الإكتفاء بتجاهل ضحايانا، انما يعاتب السيد أوباما شيعة العراق بأنهم "يهمّشون السنّة ولم ينصفوهم"! فهكذا تقلب الحقائق، ويتحول الضحية الى جانٍ حسب التصنيف الاميركي بماركة "الفوضى الخلاقة"! عراقياً، كل ضحايا الإرهاب والبعث الصدامي، هم من (ضحايانا)، لا فرق بين عرقهم ودينهم وطائفتهم، ونطالب بإنصاف أولئك الضحايا على قدم المساواة. وأن نرّد على طائفيي الذبح ونسفّه منطقهم، لا يعني البتة اننا نفرز الضحايا، انما نسعى لتأكيد مظلومية من يُستهدفون بالنسيان، حتى في المجازر.. حفِظ الله العراق