حجم النص
بقلم:فلاح المشعل توقع الكثيرون أن المظاهرات التي فجرت البلاد من اقصاه الى اقصاه، يمثل سقوطا ً مفاجئا ً للاحزاب الحاكمة والعملية السياسية، وربما الصدمة قد أخرست الأحزاب نفسها وماكان بوسعها سوى الصمت، والتأييد البليد للإصلاح، والذي لايلفت أنتباه أحد جراء صرخات ملايين المتظاهرين ضد أنواع الفساد والجريمة التي أطبقت على البلاد. المظاهرات العراقية المباركة تشكل حدثا ً تاريخيا ً مهما ً، يأتي بعد أثنى عشر عاما ً من بدء تغيير سياسي حمل شعار النظام الديمقراطي والحريات ودولة القانون، لكن في واقع الأمر، كان إنعطافا ً نحو خوانق متعددة للوطن ومشروع إبادة لحياته ومعيشته وأعرافه وقيمه وتراثه وثقافته وتاريخه ومجتمعه المدني..! جاء النظام الجديد برعاية إحتلال امريكي صلف، قاسي وكارثي، حاول استنبات نظام ديمقراطي في تربة غير صالحة، وبإشراف أحزاب دينية _ ثيوقراطية _ تنطوي على نزعات دكتاتورية طائفية بغيضة، لايرد في قاموسها ذكر للدولة المدنية الديمقراطية وحقوق الأنسان وآفاق العفو والبناء وثقافة نيلسون مانديلا، وتلك كانت الجرثومة الأولى لموت هذا النظام " الجديد " وفشله، لم يكن مؤهلا بالمطلق على تكوين رؤيا أو فلسفة وبرنامج لدولة عراقية مدنية ديمقراطية. جاءت الأحزاب المتسلطة والمؤلفة للحكومة بفكرة تقاسم المغانم تحت عناوين المحاصصة، وبدأ مسلسل النهب والتخريب والفساد يطال كل شيء، لم تقدم فرصة للبناء او التطور، بل صارت تأكل من المتوارث من بنى تحتية وخدمية دون قدرة على تحديثها او تطويرها، أبعدت الكفاءات الوطنية العلمية والأكاديمة المبدعة،وجاءت بنمط جديد من زمر أميين وعصابات تتحكم بالوزارات ومؤسسات الدولة، تعقد الصفقات السرية الفاسدة وتتواطئ مع كل فعل من أجل سرقة المال العام، فضاع الحلم العراقي، ونهبت الثروات وتبددت نحو الف مليار دولار، بحراسة أعلى المستويات وخصوصا رئيس الحكومة، الذي كان يتستر على الفاسدين وهم يقيمون في مكتبه أو عوالمه الخاصة. فساد الحكومة العراقية أعطى أمثلة شاذة وغير واردة في تاريخ الفساد السياسي، وإذا استثنينا مظاهر الجوع والفاقة والأمية والإنهيارات الخدمية وتعطل الإقتصاد، فأن اسوأ تجلياتها يتمثل في سقوط ثلاثة محافظات (الموصل وصلاح الدين والأنبار) بيد بضعة مئات لعصابات ارهابية (داعش) وهروب جحافل الجيوش امامها...؟؟؟ جاءت المظاهرات المباركة بدروس مهمة للأحزاب والحكومة ودول الجوار أيضا ً، ولعل أبرزها ؛ * سقوط بضاعة الأحزاب في مشروع الطائفية، وصورة الشعب الموحد ضد الفساد وبدعم المرجعية، كشف زيف وفسادها وفشلها في إدارة البلاد. * بروز طلب مركزي للجماهير العراقية بالحاجة الوجودية لدولة مدنية تكون سمة للعراق الجديد، تخلو من الميليشيات والجريمة والفساد، وماجعل هذا المطلب يتكرس أكثر هو تأييد مرجعية النجف الأشرف له. * عدم القبول بسلطة الأحزاب واختياراتها السيئة لعناصر لاتحمل الكفاءة والأختصاص والنزاهة، بل تطالب بحكومة تكنوقراط غير متحزبة، وقضاء عادل ودستور وطني مستقيم. * شعب العراق شعب وطني غير طائفي، وأن فكرة الهيمنة الدينية والتوارث العائلي لها قد سقطت عمليا ً بهتافات الملايين، الملايين نفسها التي كانت تسير نحو ضريح الأمام الحسين في زيارة الأربعين، وهذا أبلغ درس يؤكد سطحية وجود هذه الأحزاب خصوصا ًفي مدن العمق الشيعي.
أقرأ ايضاً
- ليلة السقوط الحُر Free fall !
- ما زال سقوط الموصل.. إصبع اتهام يُشير الى أطراف محلية وإقليمية ودولية ! - الجزء الثالث
- ما زال سقوط الموصل.. إصبع اتهام يُشير الى أطراف محلية وإقليمية ودولية ! - الجزء الثاني