ابحث في الموقع

الشكوى دفعاً للحسد

الشكوى دفعاً للحسد
الشكوى دفعاً للحسد

ولاء قاسم العبادي


من القناعات المغلوطة و المنتشرة في مجتمعنا العربي هي الشكوى و التفاقر و التمارض دفعا لحسد الآخرين.إذ تعتقد الكثير من النساء بل و من الرجال من يعتقد ذلك أيضا. إن الشكوى هو الحصن الحصين من الحسد. فتراها تشتكي لصديقتها من سوء تعامل الزوج معها دفعا لحسد صديقتها، و تراه يشتكي من هبوط دخله و عدم كفاية مرتبه لأمور المعيشة دفعا لحسد جاره... و هكذا معتقدين إن ذلك سيدفع عنهم الشر و سيجذب لهم الخير!!!!. مع إن نكران نعمة الله (عز وجل) كفران بها قال (تعالى): " يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83) " (1). لو فتشنا عن سبب هذه القناعة لوجدناهم يقولون إن فلانا كان متفوقا في دراسته كثيرا ثم تراجع مستواه الدراسي بسبب الحسد و ما شابه ذلك!!! و تلك كان يعشقها زوجها و لكن أعين الحاقدين دمرت عشهم الزوجي!!!! و ما شابه...

و في الحقيقة نحن مجتمعات تجيد الاتكال على الغير و تفضل الذرائع الجاهزة و الحجج الموروثة و إن كانت مغلوطة بل و إن ساء حالنا كأفراد و إن تدهورت أوضاعنا كمجتمع طالما تخرجنا من دائرة الاتهام و التقصير لأن جل ما يهمنا هو تخدير الضمير. و منع أصابع الاتهام من أن تتوجه إلينا. فنحن من هذه الناحية كما قال (تعالى) على لسان الامم السابقة " وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) " (2).

نعم، إن الحسد حق و إن العين حق و لكن كما قال (تعالى) في كتابه المجيد: " وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) " (3)، فإنه قال أيضا: " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) " (4)، و قال أيضا: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) " (5). و قال (تعالى): " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) " (6). فإن كنا نؤمن بالله حقا و نتعبد بكتابه صدقا فعلينا بالايمان بجميع ما أنزل على قلب رسوله الكريم (صلى الله عليه و آله) و أن لا نجعل القرآن عضين. و إن كنا حقا نبحث عن حل لما نحن فيه علينا أن نبحث بجد عن أسباب المشكلة. فقد نكون نحن السبب و غالبا ما يكون الواقع كذلك. فكم من أبوين أهملا متابعة أولادهما إتكالا على نباههتم و ذكاءهم مما أثر سلبا على مستواهم فتراجعوا القهقرى. و كم من زوج تمادى في أنانيته مستغلا طيبة الشريك الآخر فغير ما في نفسه فغير الله (تعالى) نعمته. و كم... و كم... وكم... و قد يكون امتحانا من الله و اختبارا ليمتحننا و يختبر صبرنا...


*آثار هذه القناعة:

و لهذه الظاهرة آثار أليمة و عواقب وخيمة يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:

أولا: إن الله (تبارك و تعالى) أمرنا في القرآن الكريم فقال: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) " (7)، و قال " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)" (8). فأمرنا أن نتحدث بنعمه و أن نذكر آلائه و كرمه. فإن عصيناه بل و أنكرنا نعمه نكون قد كفرنا بها و العياذ بالله.

ثانيا: إن الله (عز وجل) قد ضمن لنا إن أطعناه و على نعمته شكرناه أن يزيد خيرنا خيرا قال (وهو أصدق القائلين): " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) " (9)، و قال أيضا: " وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) " (10)

ثالثا: إن لكفران النعم آثارا وخيمة فهو لا يمنع الزيادة كما روي عن الامام علي (عليه السلام): " من لم يشكر النعمة منع الزيادة"(11) فحسب بل و يعرض النعمة الى الزوال كما قال (عليه السلام): " من لم يحط النعم بالشكر لها فقد عرضه لزوالها "(12) و قال: "- من قل شكره زال خيره " (13)

رابعا: هذه القناعة إذا تجذرت عند الانسان فإنها ستودي به الى سوء الظن و اتهام الأقربين حتما. لأننا علمنا إن من يكفر بالنعم يعرضها للزوال حتما. فإن زالت أعاد حساباته و راجع من إطلع عليها من الناس ليتهمه بأنه سبب زوالها. و بما إن مثل هكذا تفكير غالبا ما يحجم صاحبه عن أن يُطلع على نعمه الا الأقربون ففي الحال هذه إن زالت النعمة لم يجد سواهم فيتهمهم بالحسد.

خامسا: إتهام الأبرياء و بهتهم و هو جرم عظيم يعاقب عليه الله (تعالى) بالعذاب الأليم. روي عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): " من بهت مؤمنا او مؤمنة او قال فيه ما ليس فيه اقامه اللّه تعالى يوم القيامة على تل من نار حتى يخرج مما قاله فيه " (14). كما روي عن الامام الصادق (عليه السلام): " من باهت مؤمنا او مؤمنة بما ليس فيهما حبسه اللّه (عزو جل) يوم القيامة في طينة خبال , حتى يخرج مما قال. قلت [ابن ابي يعفور]: وما طينة خبال ؟ قال: صديد يخرج من فروج المومسات , يعني الزواني " (15).

سادسا: كما إن هذه القناعة تدخل الانسان في مشاعر سلبية لا آخر لها و تقلب حياته الى جحيم. فتدعوه الى التكاسل والتقاعس و تثنيه عن المثابرة و الاجتهاد بالبحث عن الاسباب و معالجة مشكلاته مما تحول بينه و بين التقدم و على مختلف الأصعدة في حياته فضلا عن مشاعر الحزن و التعاسة و مشاعر الغضب و الحقد على من يتصور إنه السبب فيما هو فيه.

سابعا: و أخيرا... إن الله (تبارك و تعالى) لم يجعل الحسد جندا من جنود الجهل الا و شرع ما فيه دماره و هلاكه فأنزل سورة كاملة و هي سورة الفلق لمن يريد أن يلتجأ اليه و يستعيذ به من شر الحسد و الحاسدين. و بالاضافة الى ذلك هناك أدعية عالية المضامين عظيمة الأثر في هذا المجال لمن أراد التحصن من كل ذلك.
ـــــــــــــــ

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!