كل الزائرين الاصحاء يعانون من الاجهاد والتعب خلال مسيرهم من محافظة البصرة او باقي المحافظات الى مدينة كربلاء المقدسة في الزيارة الاربعينية، ويتوقفون في محطات عدة للاستراحة او المبيت، وهناك شيوخ وعجائز ومرضى يعانون ايضا لكن يكملون مسيرهم، وبين هؤلاء وهؤلاء يبرز رجال ونساء اصيبوا بامراض او عاهات دائمة واصبحوا معاقين لا يقدرون على السير بارجلهم، او لا يتمكنون من السير لمسافات قصيرة، فكيف بمئات الكيلومترات، ولكن هذه الشريحة تمتلك من الايمان بنصرة قضية الامام الحسين (عليه السلام)، ما يجعلها تحمل اصرارا عجيبا على السير بعربات مدولبة مع الزائرين والوصول الى كربلاء الشهداء كل عام.
عربة محورة
يسير الزائر "فاضل جمعة حسين" المولود في العام (1960) في منطقة خمسة ميل بمحافظة البصرة الى كربلاء المقدسة بعربة مدولبة اجرى عليها تحويرات فجعلها مثل الدراجة الهوائية لكنها تقاد بواسطة كفي اليدين بدل القدمين، ويقول لوكالة نون الخبرية ان" مسيري الى كربلاء الحسين بدأ من العام (2003) في زيارتي الشعبانية والاربعينية، وانا معاق نتيجة اصابة تعرضت لها في الحرب (العراقية ــ الايرانية) ولا املك مفاصل في اطرافي السفلي اي ان ارجلي ممدودة دائما ولا تنثني، وانا ورثت اقامة الشعائر والخدمة الحسينية من الاجداد والاباء والاعمام والاخوال والامهات، وكانوا يقيمون العزاء الحسيني كل يوم خميس في منطقة شط العرب ونحضره ونحن صغار السن فعشقنا الحسين منذ نعومة اظفارنا، وحتى كبرت واقمت مجلس العزاء في بيتي في العاشر من المحرم، وكان المنع موجود واستدعيت لاكثر من مرة في دوائر الامن او الحزب وحوسبت بشدة وهددت الا اني لم اترك طريق الحسين (عليه السلام)، وبعد اصابتي بالاعاقة تمكنت من تحوير العربة الخاصة بالمعاقين واضفت لها ما يجعلها دراجة هوائية مرتبطة بعربة معاقين وتقاد بكفي اليد بدل القدمين".
بعد زوال الطاغية
ويشير "حسين" الى ان " تحوير العربة مكنه من العمل عليها وعند زوال نظام الطاغية المقبور وانطلاق الملايين من محافظة البصرة صوب كربلاء المقدسة، وبما اني اتحرك واعمل اعتمادا على عربتي المحورة، قررت ان اذهب سيرا الى كربلاء المقدسة، وكان الوقت شتاءً والبرد قارص وتحملنا البرد والمطر، وكان لي هدف من السير في الزيارة، حيث دعوة مجموعة من اصدقائي واقاربي للسير من منطقة رأس البيشة وهي الابعد التي تقدر مسافتها الى محافظة كربلاء المقدسة بـ (600) كيلومتر، وصاحبني في المسير جاري الرجل الكبير في السن المولود في قضاء الفاو، وسرنا مجموعة قليلة وانا على الكرسي، فسألنا الكثير من الناس من اي منطقة انتم، وعندما علموا اننا جئنا من منطقة خمسة ميل صار لهم دافعا ومشى الكثير منهم معنا، وجعلني الله نموذج يضرب به المثل بأني معاق واسير الى الحسين (عليه السلام)".
حوادث وعبر
يكمل "ابو عباس" حديثه عن حالته ويقول ان" الشعور بالتعب والارهاق والالم وارد جدا في مسيرتي لان جسدي اضعف من اجساد الاصحاء ولكني اصر واتحمل واصبر فاكمل المسير، وقد تعرضت الى حادثتين خطرتين الاولى عندما طلب مني احد الزائرين ان يدفع عربتي ويسير معي فوافقت وسرنا لمسافات طويلة معا، وتعرضنا الى حادث سير حيث دهستنا سيارة دفع رباعي (GMC)، وبعد ان هرع الناس لنجدتنا ابلغوني ان الشخص الذي يدفعني توفى وان اصبت باضرار قليلة، فنقلوه الى المستشفى وبقيت في محل الحادث ثم عادت السيارة التي نقلته الي وصاحبي على قيد الحياة، وابلغني انه جاء الي وابلغني انه بخير ولم يتوفى، ولكن عندما فاق من فقدان الوعي وجد نفسه في السيارة، وحاليا يسير معي (40) شخصا، واحمل معي عدة لاصلاح اي عطل يصيب عربتي او دراجتي، كما تحفز الكثير من المعاقين والذين يستخدمون العربات واصبحوا يسيرون بعرباتهم من البصرة وباقي المحافظات الى كربلاء المقدسة"، مؤكدا انه" لا ينسى ابدا اللحظات التي وقعت فيها عينية على قبة ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) ونوبة البكاء التي تملكته وكأنه يرى القبة لاول مرة".
معاقة ولا تنثني
من خور الزبير جاء زوج السيدة " ام مازن" ومعه ولده وبناته يدفع العربة التي تستقلها زوجته المعاقة ليسير بها من البصرة الى كربلاء المقدسة وتقول لوكالة نون الخبرية ان" مسيري الى ضريح سيد الشهداء بدأ منذ (15) سنة، وكنت حينها بكامل عافيتي واسير على قدمي، وحالتي المرضية التي اصبت بها قبل اربع سنوات هي انزلاق في فقرات الظهر وسوفان في مفاصل الرجلين، ورغم المرض والالام لم انقطع عن السير في الزيارة الاربعينية، وعنما عجزت عن المسير تماما حاول زوجي وابنائي ثنيي عن السير بسبب حالتي الصحية، ولكني كنت ابكي بحرقة كل يوم حتى جاء بي اولادي وزوجي الى الزيارة بعد ان طلبوا لي عربة معاقين تنقلني، فهذه المناسبة هي عودة السبايا ورحلة التعب والعناء والقسوة والاسر والعطش والجوع للامام السجاد ومولاتنا زينب الكبرى(عليهم السلام)، والنساء والاطفال، ومواساتهم مواجبة لذلك ورغم تعبي معاناتي المرضية لا استطيع تركها، وفي حياتي بباقي الايام لدينا موكب حسيني في الشارع امام البيت لمدة (13) يوم في محرم، اساهم مع بناتي في اعداد الطعام للمشاركين بالعزاء واطعامهم، كما احضر الكثير من مجالس العزاء الحسينية النسوية".
قاسم الحلفي ــ ذي قار
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- فزعة "حسينية كربلائية" :العتبة الحسينية تأوي النازحين اللبنانيين واهالي كربلاء يساندون جهودها
- بعد نشر "وكالة نون الخبرية" لأبرز احتياجاته: مجلس كربلاء يشكل مجموعة لجان لمتابعة الملف التربوي في المحافظة
- ما هي خفايا العقد رقم "1" مسؤول تربوي بكربلاء : شركات حكومية هدمت المدارس وتسلمت اموال عقودها وتركتها